تركيا واغتيال الناشطات: مَن ولماذا؟

kurdish-women

صحيفة السفير اللبنانية ـ    
محمد نور الدين:
قد لا تكون مفاجأة كاملة لكنها تدخل في هذا الباب، فان اغتيال القياديات البارزات الثلاث في «حزب العمال الكردستاني» في قلب باريس أمس الأول قد وقع موقع القنبلة في الداخل التركي. وربط الجميع العملية ببدء مفاوضات لحل المسألة الكردية بين الدولــة التركية من جهة، وبين زعيم حزب العــمال الكردستــاني عبد الله أوجلان وأجـواء التفــاؤل التي رافقتــها من جهة أخرى.
وقد انشغلت تركيا بكاملها بالحادثة التي جاءت عناوينها في الصحف التركية كالتالي: «اغتيال صادم في باريس» («جمهورييت»)، «اغتيال عميق» («ميللييت»)، «اغتيال عميق للتخريب» («صباح»)، «ثلاث رصاصات على ايمرالي» («تقويم»)، «اغتيال غامض في باريس» («زمان»)، «قرار الاغتيال من قنديل» («تركيا»)، «كمين للحل في باريس» («ستار»)، و«التانغو الأول في باريس» («سوزجي»).
مقتل القياديات الثلاث شكل ضربة لحزب العمال الكردستاني من جهة وللآمال ببدء حل المشكلة الكردية من جهة ثانية. لكن ذلك يحيل دائما الى السؤال عمن هو وراء هذه العملية وما الهدف منها.
اولا، يجب التوقف عند اهمية المغدورات الثلاث لا سيما سكينة جانسيز.
جانسيز، واسمها الحركي «سارة»، هي من مؤسسات «حزب العمال الكردستاني»، والمرأة الوحيدة بين المؤسسين، وهي على علاقة وطيدة منذ البداية بقائد الحزب عبد الله اوجلان. وهي من اللواتي سجنّ في ديار بكر عشر سنوات حتى مطلع التسعينيات إذ لجأت بعدها الى لبنان في سهل البقاع حيث كان يتمركز ايضا اوجلان.
وتعتبر جانسيز احد الرموز الأساسية في الحزب، وربما كاتمة أسرار اوجلان. هي لم تكن من الصقور، لكنها ليست أيضا من الحمائم في الحزب إذا جاز القول بوجود صقور وحمائم داخله. وقد عملت فترة في شمال العراق قبل ان تغادره في العام 2000 الى اوروبا.
أما فيدان دوغان، واسمها الحركي «روجبين»، فمن الأسماء المهمة في العلاقات الخارجية لـ«حزب العمال الكردستاني»، وهذا ينطبق على ليلى سونميز ذات الأهمية في المجال الإعلامي والشبابي والتي تحمل اسما حركيا هو «روناهي».
ولذلك، فإن الحديث عن احتمال مقتلها نتيجة لتصفية حسابات داخل الحزب ضعيفة جدا، وهو الاحتمال الذي قال به رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان مباشرة بعد عملية الاغتيال، ما جلب عليه ردة فعل حادة من قيادات «حزب السلام والديموقراطية» الكردي واتهمــوه بأنه يغـطي الفاعلين.
وذهب الأكراد سواء حزب العمال الكردستاني ام اوساط حزب السلام والديموقراطية الى تحميل المسؤولية عن عملية الاغتيال إلى مجموعات من الدولة العميقة في تركيا التي قد لا تكون بعيدة عن «حزب العدالة والتنمية»، لكنها ليست موافقة على عملية المفاوضات التي بدأتها الحكومة مع أوجلان، خصوصا ان مثل هذه العملية تحتاج الى حرفية عالية جدا ودراية بالشبكة العالمية لـ«حزب العمال الكردستاني».
ولم تستبعد صحيفة «ميللييت» تورط جهات اقليمية في عملية الاغتيال لتخريب عملية المفاوضات الجارية ولإبقاء «حزب العمال الكردستاني» ورقة بيدها ضد الدولة التركية، وهي كانت تشير في ذلك الى ايران وربما سوريا.
وفي تصريحات لصحيفة «ميللييت»، قال زبير ايدار مسؤول «حزب العمال الكردستاني» في اوروبا، الذي قاد مفاوضات اوسلو مع حكومة «حزب العدالة والتنمية» قبل ثلاث سنوات ان العملية كانت يوما اسود، مضيفاً انها عملية احترافية على مستوى عال. ورأى ايدار ان الذين قاموا بالعملية يريدون تخريب «عملية ايمرالي» أي المفاوضات الحالية بين الحكومة وأوجلان.
ولم يحدد ايدار جهة محددة وراء عملية الاغتيال، لكنها ليست مصادفة ان تأتي بعد «عملية ايمرالي». وقال: «لا أعرف بالضبط هل عملية الاغتيال هي من صنع داخلي تركي ام من الخارج ام من دائرة العملـــيات الخاصة في الجيش التركي ام من قوى اقليـــمية»، مستبعدا كليا ان يكون الاغتـيال تصفيــة حسابات داخل الحزب.
وتوقف المعلق السياسي طه آقيول في صحيفة «حرييت» امام الاغتيال مستعرضا الاحتمالات التي يؤمن ان فرنسا لا بد ان تضيء عليها، لأنه ليس من مصلحة فرنسا ان تكون في نظر العالم دولة ترتكب فيها الجرائم السياسية. ودعا آقيول قادة «حزب السلام والديموقراطية» الى تجاوز العملية والاستمرار في مساعي الحل للمشكلة الكردية اذا كانوا يؤمنون فعلا بالسلام، وألا يسمحوا لمن يريد تخريب العملية بتحقيق أهدافهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.