تَسخِين “الجَبهة الكَازَاخِستَانِيّة”!

marwan-soudah-kazakhstan-explosion

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكَادِيمِي مروان سوداح*:
تتلاحق الأنباء المقلقة الواردة من كازاخستان والتي تتحدث عن تفجيرات في مدينة أكتوبي، ومحاولة انقلاب، وانتشارات التطرف الديني في عدد من مناطقها، الى جانب ذلك، ادّعاءات بتجسير التعاون العسكري في افغانستان مابين هذه الدولة السوفييتية السابقة وحلف الناتو.
البعض يَعزو التفجيرات الاخيرة التي شهدها الاول من رمضان الجاري، الى قرار البرلمان الكازاخي مؤخرًا، بموافقته على إرسال قوات من بلاده لتنضم إلى قوة المعاونة الأمنية الدولية (إيساف)، التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، مع دخول الحرب هناك عامها العاشر، على خلفية مطالبات من حركة انتشر إسمها مؤخراً في وسائل الاعلام العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي، تحمل إسم لم يَسبق أن أحرز شهرة عالمية هو “مسلمي كازاخستان”، التي دعا بيان لها بـ”الوقوف ضد هذه السياسة التي وصفها ب”الخاطئة” للدولة الكازاخية، ومشيرةً بلهجة لا تخلو من التهديد والوعيد الوضحتين، الى أن هذه الخطوة من جانب كازاخستان “سيكون لها أثر سلبي طويل المدى على العلاقات بين أفغانستان وكازاخستان والمنطقة كلها.”
بدورها قالت وكالة سبوتينك الروسية الناشرة بالعربية: “وصم المسؤولون في كازاخستان الهجوم، الذي وقع في 5 يونيو/حزيران 2016، بالإرهابي. وليس أخيراً، كشفت رئاسة جمهورية كازاخستان أن ذلك الهجوم حمل ملامح لما وصفته بـ”الثورة الملونة” التي استهدفت سلطة الدولة. وأفاد جهاز الإعلام الرئاسي الكازاخي بأن الهجوم “شنّه متطرفون ينتمون إلى تنظيمات تدّعي بأنها دينية، حسب توجيهات الجهات الخارجية”.
الى ذلك نقل جهاز الإعلام التابع لرئاسة جمهورية كازاخستان عن رئيس الجمهورية، نور سلطان نزاربايف، قوله: “نعرف أن ما يُسمّى بالثورة الملونة يتّبع مختلف الأساليب، ويبدأ من المظاهرات المصطنعة وجرائم القتل والسعي إلى الاستيلاء على السلطة.. وتبدّت هذه المعالم عندنا أيضا. وأضاف رئيس جمهورية كازاخستان: “أراد أحد ما اختبار متانة سلطة الدولة””.
و تحدثت فضائية “روسيا اليوم” الناطقة بالعربية، وعلى صفحتها الالكترونية بالاضافة لوكالات الأنباء العالمية الأشهر، عن انقلاب كان خُطط لإنجازه في كازاخستان قائلة: “أن لجنة الأمن القومي في كازاخستان، كشفت يوم الاثنين6 يونيو/حزيران، عن أن رجل أعمال ألقي القبض عليه، في فبراير/شباط الماضي، كان يتخذ إجراءات مدروسة لإعداد انقلاب على السلطة باستخدام العنف. وتابعت اللجنة أن الخطة الإجرامية لـ”توليشوف” كانت تستهدف “زعزعة الوضع في البلاد عن طريق إثارة “بؤر توتر”، وتنظيم مظاهرات احتجاجية واضطرابات” ليتم على خلفية هذه الاضطرابات تشكيل “حكومة بديلة” وتغيير هيكلية السلطة الراهنة”.
وأوضحت اللجنة في الانباء المنشورة عالمياً، أن لديها “أدلة تثبت أن توليشوف وقف وراء سلسلة الاحتجاجات ضد الإصلاح الزراعي التي تنفذه الحكومة في عدد من المدن الكبرى في البلاد، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. ومن بين المشتبه بتورطهم في الخطة الإجرامية، حسب اللجنة، إلياس باختيبايف، وهو النائب السابق للنائب العام بكازاخستان والعضو السابق في المجلس الدستوري، واللواء دوسكاليف، الرئيس السابق لدائرة الشؤون الداخلية في المقاطعة الجنوبية في كازاخستان. كما ألقي القبض على ضابط كبير في الشرطة بالمقاطعة الجنوبية، وضابطين كبيرين في المنطقة الجنوبية التابعة لوزارة الدفاع الكازاخستانية. وأوضحت اللجنة الكازاخية، أن حملة الاعتقالات بحق المشتبه بتورطهم في الخطة الإجرامية جرت في مدن أستانا وألما-آتا وتشيمكنت.
أما توليشوف، وهو المدير العام السابق والمالك لمصنع “شيمكنت بيفو” لإنتاج الجعة والمشروبات الكحولية، الواقع في مدينة شيمكنت، فألقي القبض عليه بحسب الاخبار في فبراير/شباط الماضي بتهمة حفظ المواد المخدرة وتمويل مجموعة إجرامية، عِلماً بأن شيمكنت تقع في المقاطعة الجنوبية بالبلاد، وتعد أكبر مدن كازاخستان من حيث المساحة وثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان.
وفي اخبار مقلقة نقلتها BBC، تحدثت عن أن مسلحين قتلوا 6أشخاص في قاعدة للحرس الوطني ومتجرين للأسلحة، بمدينة أكتوبي الصناعية، في كازاخستان. ونقلتBBC عن المتحدث بإسم وزارة الداخلية الكازاخية قوله، إن 4 من المهاجمين قتلوا وألقي القبض على سبعة، بينما لا يزال آخرون في حالة فرار. وأضاف المتحدث ألماس سعدوباييف ان الشرطة تشتبه في أن المسلحين ينتمون إلى “حركة إسلامية متشددة”.
واستعرضت هذه الوسلة الاعلامية البريطانية ما جرى بقولها: “”شن المسلحون هجمات متزامنة قتلوا فيها موظفا وحارسا في متجر للأسلحة، ثم أصابوا ثلاثة من الشرطة التي جاءت إلى مكان الهجوم. وفي متجر آخر، قتل المسلحون زائرا، قبل أن تصل الشرطة وتقتل ثلاثة منهم. وسيطرت مجموعة أخرى على حافلة، واقتحم عناصرها بها بوابة قاعدة للحرس الوطني، وقتلوا مجندا، قبل أن تقتل الشرطة واحدا منهم. ونقلت وكالة رويترز عن أحد سكان المدينة، يدعى فاليري، قوله إنه شاهد الشرطة من شرفة بيته وسمع إطلاق نار. وكان أفراد الشرطة يطلبون من الأطفال أن يدخلوا بيوتهم، بينما كانت طائرات عمودية تطوف فوق المكان. وتقع مدينة أكوبي على بعد 100 كلم من الحدود الروسية، وكانت منطلق التفجيرات الانتحارية عام 2011، عندما فجر رجل نفسه في مبنى جهاز الأمن. وكشفت عن ” كثيراً ما تعلن السلطات في كازاخستان اعتقال ومحاكمة متشددين إسلاميين، ولكن أغلبهم بسبب سفرهم أو تخطيطهم للسفر إلى أماكن مثل سوريا والعراق.. ونادرا ما تقع هجمات مسلحة داخل كازاخستان.. ولكن تراجع أسعار النفط، الذي يعد أهم صادرات كازاخستان، أصبح يهدد استقرار البلاد، التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي””.
لكن، ما الذي يجري حالياً حول كازاخستان..؟
لا بد من الإشارة، إلى أن الحرب الاخيرة التي اندلعت فجأة بين ارمينيا واذربيجان وكانت تركيا اردوغان العثماني وراءها، كانت الشرارة الاولى التي ستتمخض عنها سلسلة من الاحداث الأليمة التي ستصيب وللأسف دول الاتحاد السوفييتي السابق، من أجل “إعادة ترتيب” أوضاعها، و “صياغتها” على نمط غربي بعيداً عن تحالفاتها الوثيقة مع روسيا، من خلال تسخين الاوضاع فيها إلى حد الغليان، وتعزيز الخلافات بكل الاتجاهات، والتضاد الجماعي، والشد السياسي العكسي، والتراشقات الحزبية والقبلية والطبقية فيها، وتعزيز الامزجة الدينية المتطرفة، وسوف تتخذ التطورات مناحي واساليب عديدة منها: ثورة برتقالية، وخلافات حدودية وإقليمية، واقتصادية، وتعزيز المطالب الجيوسياسية للاطراف المختلفة، ودعم الحركات الانشقاقية، والتغاضي عن الفلتان الأمني في الدول السوفييتية السابقة وما بينها..
رئيس كازاخستان نور سطان نزارباييف أصاب كبد الحقيقة حين كشف عن أن خصوم بلاده يريدون جسّ نبض الدولة ومدى قوتها ومناعتها. وفي الواقع، يجري حالياً تنفيذ مخطط يَنسحب على القوقاز وآسيا الوسطى السوفييتية السابقة، بهدف خلخلة وتسخين وإضعاف قوى كل من اذربيجان وارمينيا وكازاخستان وروسيا بوتين نفسها، والدول الاخرى التي تحد روسيا والصين براً، تمهيداً لنقل المواجهات إليها، وبإختصار بهدف:
0/تصدير “ثورة اللحى”، كما وصفت في حينه هيلاري كلنتون، مُهدّدةً الصين بالويل والثبور وعَظائم الأمور، رداً على التطوّر والعظَمة الصينية الاقتصادية والسياسية ووحدة الأراضي الصينية، التي لم تقو قوة أرضية على تشتيتها وبعثرتها.
2/تثوير الايغور في الصين وسوف تشغل تركيا اردوغان الحربة الاولى في هذا التصعيد؛ تماماً كما هي حربتها الحالية بدعم أحزاب تتار القرم ضد روسيا والتي تتمركز مقراتها في كييف واسطنبول وتل أبيب ودول عربية؛
3/ ضرب مختلف أشكال التنسيق بين الدولتين الأقوى آسيوياً – روسيا والصين – ، وخلخلة مجرى وطبيعة التناغم والتنسيق الحاصل بين موسكو وبيجين، في مجالات الاقتصاد والشؤون العسكرية والأمنية، والبحث عن ثغرة امنية للتسسل منها إليهما؛
4/ حرمان الصين وروسيا من فضاءات أرضية جيوسياسية كفيلة بتنفيذ رؤى الأمن الآسيوي الشامل، والتمهيد لضرب معاهدة شنغهاي وغيرها من المعاهدات والاتفافات والمنظمات الآسيوية، وشل فعاليتها وقدراتها الآسيوية والعالمية؛
5/ المحافظة على تفوّق الولايات المتحدة في آسيا الوسطى والجنوبية وشرق أسيا، ونشر مزيد من القواعد العسكرية فيها، وتأكيد موقعها الرئيس في افغانستان. ذلك أن قارة آسيا ووسطها مُرشّحة قريباً لمبادرات ومشاريع إقتصادية كونية، تبدأ من شرق سيبيريا وشمال الصين، وتعمل على إشغال قارة آسيا بها، في سبيل تحويل العالم الآسيوي وغير الآسيوي سلمياً الى الفِعل الاقتصادي الأوسع، وبالتالي وأد بؤر الحروب والنزاعات فيها بخلق مصالح جديدة للدول والشعوب تكون بديلاً عن أمزجة التوسع والمصالح الجيوسياسية التي ماتزال تتحكم بسياسة الكثير من الدول، وهو مشروع كبير يعتبره الغرب وامريكا مضاد تماماً لمصالحهم.
6/ يتساوق مع كل ذلك تعزيز التدخل في بحر الصين الجنوبي ورفع درجة الحدة في التعامل العسكري والسياسي مع الصين، من جانب اليابان وتايوان، ولاحقاً من جانب جنوب كوريا، التي تتعزز فيها الامزجة المعادية للصين وروسيا، تمهيداً لقولبة الرأي العام في تلك الدول، والعالم، ضد بكين وموسكو، في استنساخ مطابق للأحداث العربية المؤلمة “الخريف العربي”.
يقيناً، ان المخطط كبير وشامل وواسع وخطير، وما تقدّم هو مجرد إضاءات سريعة للكشف عنه. لكن وفي المقابل، يجب على الصين وروسيا وكازاخستان والدول الاخرى تعزيز تحالفها المصيري وتفاهمها الرسمي والشعبي، سيّما وان الأعداء يعملون ليلاً ونهاراً وفي كل المجالات للتخلّص من تلك الدول بضربات متلاحقة، آمل أن لا نشهدها لا عاجلاً ولا آجلاً.
….
*مؤسس ورئيس رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ و الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.