«حروب» الرياض والدوحة: أوباما على الحياد! مَن وراء التفجيرات في قطر والبحرين؟

السعودية وقطر تعرضان رشاوى على الكونغرس لضرب سوريا!

صحيفة السفير اللبنانية ـ
كتب المحرر السياسي:
لم يجد السعوديون أنفسهم في موقع محرج كالذي يمرون به في هذه الأيام، خصوصا مع اشتداد وتيرة «الحرب» بينهم وبين القطريين ومن معهم وخلفهم، واتساع رقعتها الى أكثر من ساحة عربية ودولية.
هذا الملف كان في صلب محادثات الرئيس الأميركي باراك أوباما في الرياض قبل حوالي الأسبوع بالاضافة الى عناوين أخرى.
كان هدف أوباما الأساس محاولة استرضاء الملك عبدالله بن عبد العزيز، بعدما بلغ مسامعه الكلام النافر الذي قاله عنه أمام وزير الخارجية جون كيري بحضور الأمير سعود الفيصل. يروي العارفون بأمور المملكة أن عبدالله هزأ من رئيس الولايات المتحدة ومن قراره بالانكفاء في ملفات عدة، ووصفه بأنه رجل ضعيف جدا ولا يستطيع اتخاذ قرارات.
هل أدت الزيارة الرئاسية الأميركية وظيفتها؟
الجواب الذي يعود به ديبلوماسيون عرب من واشنطن يشي بنجاح جزئي للزيارة. طلب السعوديون من أوباما أربعة أمور اساسية: تأكيد ثبات بلاده القائم منذ اعلان الرئيس الأميركي روزفلت التزامه الاستراتيجي في العام 1943 بأن الدفاع عن السعودية يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وقد أعاد تأكيد هذا الالتزام بصورة قاطعة.
النقطة الثانية التي ركز عليها السعوديون هي أن يطلعوا على أي اتفاق إيراني ـ أميركي عند توقيعه بالحروف الأولى وقبل أن يتحول الى اتفاق نهائي، وبالتالي عدم تكرار تجربة الاتفاق المرحلي الذي كان السعوديون آخر من يعرف تفاصيله. في هذه النقطة، بدا الجواب الأميركي ضبابيا وديبلوماسيا في آن معا، لكنه يدل على أن هذا المسار يتقدم ولا عودة الى الوراء.
يتقاطع مع ذلك تقرير ديبلوماسي تلقاه السعوديون اثر زيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون الى طهران. الأميركيون يريدون «فرملة» الاندفاعة الدولية في اتجاه ايران.. والأوروبيون بلغت حماستهم حد الاستعجال في ضوء المعطيات الاقتصادية التي تواجه أوروبا والتي ازدادت حدة بعد الأزمة الأوكرانية. هم يريدون الفوز بالسوق الايرانية، خصوصا الفرنسيين الذين كانوا أكثر مسايرة للسعوديين قبل الاتفاق المرحلي، لكن بعد انجازه صاروا مهتمين بالمشاريع والفرص الاقتصادية ولا يريدون لحلفائهم الأميركيين والأوروبيين، ولا سيما الألمان أن يسبقوهم الى طهران.
التقرير نفسه يدل على أن محادثات آشتون ونظيرها الايراني محمد جواد ظريف كانت ايجابية للغاية، بل وتم التفاهم بصورة أولية على «تلزيم» الملف النووي للوكالة الدولية للطاقة، برغم الكلام الذي تم تداوله اعلاميا حول صعوبة التوصل الى اتفاق نهائي.
ثالثا، حاول السعوديون الحصول من الادارة الأميركية على التزام واضح في ما يخص تعاملهم مع ظاهرة الاسلام السياسي الذي تمثله حركة «الأخوان المسلمين»، غير أن الأميركيين رفضوا تقديم أية التزامات. بل ان بعض الديبلوماسيين الأميركيين بادروا غداة زيارة أوباما الى طرح أسئلة من نوع : كيف يطرح السعوديون قضية توسيع مجلس التعاون لكي يضم المغرب والأردن، وهم يدركون أن هناك حكومات حليفة لهم برئاسة «أخوانيين» (المغرب) ومجالس نيابية في الخليج نفسه (مثل الكويت) فيها حضور وازن لـ«الأخوان»، فضلا عن تحالفات لحلفاء للسعوديين في ساحات عدة مع «الأخوان» مثل اليمن ولبنان («المستقبل» و«الجماعة الاسلامية») وهل يمكن لأية جهة دولية أن تدير ظهرها لحركة مثل «النهضة» في تونس؟ وماذا عن الحركات الاسلامية السنية المعتدلة (الأخوانية) في العراق وباكستان وأفغانستان، فضلا عن تركيا المحكومة من «حزب العدالة»، أحد أبرز أعضاء التنظيم العالمي لـ«الأخوان»!
رابعا، سعى السعوديون الى استدراج الأميركيين للضغط على قطر، لأجل تعديل موقفها من «الأخوان» ومن قضايا البيت الخليجي الداخلي. رفضت واشنطن الضغط على الدوحة: هم ملتزمون بضمان أمنها كما يلتزمون بضمان أمن السعودية. طار مشروع القمة الخليجية ـ الأميركية لاعتبارات سعودية.. وليس بسبب ضيق وقت الرئيس الأميركي.
هنا، يحفل الأرشيف الأميركي بوقائع مثيرة للغاية: ما بعد القمة الخليجية الثلاثية المفاجئة في الرياض في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 2013، والتي نجحت الكويت في التمهيد لعقدها، يختلف عما قبلها.
يقول الملك السعودي انه طلب الى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، توقيع اتفاق خطي يتضمن نقاطا عدة، بضمانة وحضور أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح. قبل ذلك اتهم الملك عبدالله الأمير تميم بأنه «كاذب مثل والده (الشيخ حمد)».
يروي ديبلوماسيون غربيون أن عبدالله كان منفعلا جدا في ذلك اللقاء الثلاثي. طرح قضية استعجال الدوحة فتح قنوات حوار مع طهران و«حزب الله». طلب تجميد الدعم القطري للحوثيين في اليمن. كما طلب التشدد في الرقابة على «الجزيرة» بما في ذلك برنامج الشيخ يوسف القرضاوي ووقف الرعاية السياسية والمالية القطرية لـ«الأخوان» وخصوصا في مصر.
النقطة الأبرز هي التزام تميم بعدم رعاية قطر لأية شخصية سعودية «أخوانية»، حيث تردد أن السعوديين قدموا لائحة بأسماء معارضين سعوديين يحظون برعاية في الدوحة وبعض العواصم الأوروبية.
ووفق رواية الديبلوماسيين أنفسهم، فعندما عاد تميم الى الدوحة، صُدم بموقف والده الشيخ حمد الذي بادر الى تمزيق الاتفاق وقال له: «كيف ترضى بأن يتعاملوا معك كتلميذ مدرسة. انت رئيس دولة اقليمية ولا يجوز أن تقبل بتكريس ظاهرة إلزام نفسك بتسليم السعودية من تشاء من مواطنين تعتقد أنهم يشكلون خطرا عليها»؟.
طلب أمير قطر السابق من نجله تميم أن يترك له ادارة ملف العلاقات الخليجية، وأن يتفرغ هو لملفات أخرى.
في السابع والعشرين من شباط 2014، تبلغ القطريون الرد: انفجار ضخم في مركز تجاري في الدوحة قيل انه ناتج عن تسرب من خزان غاز ذهب ضحيته أكثر من خمسين قتيلا وجريحا.. لتظهر التحقيقات لاحقا أنه ناتج عن عبوة ناسفة كبيرة تناثرت شظاياها على مساحة مئات الأمتار.
أيام قليلة تمر ويقع انفجار، هو الأول من نوعه، قرب المنامة عاصمة البحرين يذهب ضحيته شرطيان بحرينيان وضابط اماراتي. لم توجه البحرين رسميا أصابع الاتهام لا الى «حزب الله» ولا «الحرس الثوري الايراني». اتجهت الشبهات الى الدوحة. حصل ذلك في الثالث من آذار 2014.
بعد ثمان وأربعين ساعة (5 آذار)، قررت السعودية والامارات والبحرين ردا موحدا: قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر وسحب السفراء وسلسلة خطوات اقتصادية وتجارية وأمنية. أخطر ما في الأمر، كان إلحاح المنامة على الرياض بأن يصار الى فرض حظر جوي وبري على دولة قطر، وهي الخطوة التي رفض الملك عبدالله اللجوء اليها، معتبرا أن هذا العقاب لا يمس قيادة قطر بقدر ما يمس أبناء الشعب القطري.
لم تنته «الحرب». اتسعت ساحاتها في الأيام الأخيرة.. ولعل أخطر فصولها «التسخين الأمني» وأبرز ساحاته مصر و«التسخين السياسي» لملف «الأخوان» في عواصم عالمية، أبرزها لندن التي أصدر رئيس حكومتها ديفيد كاميرون قرارا للمرة الأولى يقضي بالتدقيق في أنشطة «الأخوان»، في استجابة واضحة لطلب مجلس التعاون، بعدما تناهى الى السعوديين وجود رغبة قطرية بتأمين لجوء سياسي لعدد من قياديي «الأخوان» خصوصا المصريين الموجودين في الدوحة وفي عواصم أوروبية أبرزها لندن التي لطالما شكلت أحد أبرز المنابر السياسية والاعلامية لـ«التنظيم» العالمي لـ«الأخوان».
رد الأمير تميم بأن وجه رسائل انفتاح جديدة الى الايرانيين. قال أمام مسؤولين عرب مؤخرا انه لا يفهم سر هذا الحقد السعودي على الايرانيين.. «هؤلاء لم يخطئوا معنا. نحنا مولنا حرب صدام حسين طيلة ثماني سنوات وبلغت كلفتها 300 مليار دولار، وكانت النتيجة أن صدام انتهى وصارت ايران دولة اقليمية. مطلوب منا أن نعتذر منهم وليس العكس».
نظم أمير قطر جولة عربية سريعة قادته الى الأردن محاولا ايجاد جهة عربية ضامنة لمحاولة «ربط نزاع».. لكن الملك عبدالله الثاني، لم يعط جوابا واضحا، وهي سمة التعامل الأردني مع كل ملفات المنطقة منذ ثلاث سنوات حتى الآن. بدت الرسائل القطرية أوضح في كل من السودان حيث قدم الشيخ تميم كفالة قرض بقيمة مليار دولار ومن ثم في تونس، بما تعنيه تركيبة السلطة في هذين البلدين العربيين الأفريقيين.
الى اين يمكن أن تصل الأمور؟
أخطر ما يمكن أن تشهده هذه المعركة المفتوحة ما حمله وفد خليجي قبل أيام قليلة الى القيادة السعودية: تنظيم انقلاب في قطر.. مجددا، جاء جواب الملك السعودي حاسما: لن نهادن القطريين ولكن لسنا في وارد اللجوء إلى هكذا أساليب.
كيف يمكن أن تنعكس المعركة القطرية ـ السعودية في ساحات إقليمية بينها سوريا ولبنان؟
لعل الجواب السعودي تمثل في الرد على محاولات قطر الانفتاح على النظام السوري. ويقول عائدون من واشنطن ان القيادة السعودية، وبعدما تمكن الأميركيون من إجهاض الاتفاق الذي أبرمه ولي العهد السعودي الأمير سلمان مع القيادة الباكستانية (صواريخ أرض جو للمعارضة السورية)، تمكنت في الأيام الأخيرة من انتزاع تعهد أميركي بدرس خيار تزويد المعارضة السورية بصواريخ أرض جو (عدد قليل جدا) شرط أن تكون بإدارة الأميركيين لوجستيا، وأن توضع في عهدة مجموعات معارضة «موثوقة» ومسيطر عليها من جهة، وأن يتم التحكم بها عبر «كلمات سر» بما في ذلك احتمال تفجيرها في حال وقوعها نتيجة خطأ ما في أيدي مجموعات «غير موثوقة»، من جهة ثانية.
ماذا عن لبنان؟
يجيب العائدون من واشنطن: الاستقرار مطلب قطري وسعودي وأميركي وايراني ممنوع المس به

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.