حروب “داعش” في الفضاء الإلكتروني

موقع الخنادق-

نسيب شمس:

نجحت التنظيمات التكفيرية المتطرفة في استغلال مميزات مواقع التواصل الاجتماعي، واستطاعت إحداث نقلة نوعية على مستويين: المستوى التنظيمي والمستوى الدعائي، فقد عملت على زيادة التشبيك بين أفراد التنظيم، وتجنيد أفراد جدد، وجمع تمويل للعمليات الإرهابية من ناحية، وأصبحت هذه المواقع بمنزلة أداة إ‘لاعلامية لهذه الجماعات من ناحية أخرى تبث من خلالها موادها الإعلامية، بهدف الترهيب تارة، وبهدف التعريف والانتشار تارة أخرى.

حروب التواصل الاجتماعي

لقد استخدمت التنظيمات التكفيرية المتطرفة مواقع التواصل الاجتماعي في حروبها غير التقليدية، يمكن تسميتها “حروب التواصل الاجتماعي”، وهو مفهوم مجرد من كل ما يشوبه من غموض، وأصبح متعارفاً عليه في الأدبيات العلمية وعلى مستوى العامة أيضا.

وتتنوع أسلحة “حروب التواصل الاجتماعي” ما بين ثلاثة أشكال، تبدأ من سلاح المعلومة والصورة والفيديو، مروراً باستخدام برمجيات تسمح للفاعلين بالتعرف على اتجاهات وميول الفاعلين الاخرين في مواقع التواصل وتحليلها ومراقبة مجمل تحركاتها في هذا العالم الافتراضي، لمعرفة قدرات الخصم ووضع استراتيجية لمهاجمته، وصولاً الى استخدام الهاشتاغات بما يرجح الكفة لصالح طرف ما على الآخر.

تؤكد المؤشرات أن تنظيم “داعش” تمكن من التفوق على سائر التنظيمات المتطرفة التكفيرية الأخرى فيما يتعلق باستخدام وتطوير شبكات التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية لنشؤ أفكاره الهدامة والمتطرفة والترويج لذاته، حيث تعددت أهداف وأنماط استغلال “داعش” لتلك الشبكات.”

“داعش” والاعلام

يُعد الاعلام جزءاً مركزياً من الهيكلية التنظيمية لتنظيم “داعش” حيث أنه يستخدم وسائل الاتصال كافة، خاصة شبكة الانترنت لنشر أيديولوجيته السلفية الوهابية المتطرفة، وظهر مفهوم “الجهاد الالكتروني” ( كلمة حق يراد بها باطل) وأصبح هذا المفهوم أحد الأركان الرئيسية لتنظيم “داعش” في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة “التوحيد والجهاد”، ثم “القاعدة” في بلاد الرافدين.

مؤسسات “داعش” الإعلامية

تطورت “الهيئة الإعلامية في تنظيم داعش” بشكل كبير من ناحية الشكل والمحتوى، وتمتعت بدعم كبير. وكانت تعتبر مؤسسة “الفرقان” الإعلامية الأقدم والأهم، لكن ظهرت مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم: مثل: مؤسسة “الاعتصام” ومركز “الحياة” ومؤسسة “أعماق”، ومؤسسة “البتار”، ومؤسسة “دابق” الإعلامية ومؤسسة “الخلافة”، ومؤسسة أجند للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الغرباء للاعلام، ومؤسسة الإسراء للإنتج الاعلامي، ومؤسسة الصقيل، ومؤسسة الوفاء، ومؤسسة نسائم للإنتاج الصوتي، ومجموعة من وكالات الانباء التي تتبع الولايات والمناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء “الخير” و”البركة” وغيرها.

كما أصدر تنظيم “داعش” عدداً من المجلات باللغتين العربية والإنكليزية مثل: “دابق” و”الشامخة”، كما أنشأت الهيئة الإعلامية إذاعات محلية، مثل: إذاعة “البيان” في الموصل في العراق، وكذلك في الرقة في سوريا.

“داعش” في الفضاء الالكتروني

أنشأ داعش المدونات لمواصلة نشاطه الإعلامي، وكانت المدونات الأهم باللغتين الروسية والإنكليزية؛ حيث كانت الهيئة الإعلامية لـ “داعش” تقوم بترجمة الإصدارات الإعلامية الى لغات أجنبية عديدة، كالانكليزية والفرنسية، والألمانية، والاسبانية، والأوردو، وغيرها.

يسيطر تنظيم “داعش” على عدد كبير من المواقع والمنتديات، والتي تحتوي على مكتبة هائلة وواسعة تختص بالإيديولوجيا المتطرفة والخطاب وآليات التجنيد والتمويل والتدريب والتخفي والتكتيكات القتالية وصناعة المتفجرات وكل ما يلزم “المتطرفين” في عملية المواجهة في إطار حرب العصابات.

ويقول القيادي السابق في تنظيم “الجهاد” صبرة القاسمي؛ أن “داعش” امتلكت سبع أذرع إعلامية تبث من خلالها العنف والإرهاب حول العالم وهي: “أجناد” و”الفرقان” و “الاعتصام”، و”الحياة”، ومكاتب الولايات، وإذاعة البيان، ومجلة وموقع دابق، و90 ألف صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فايسبوك وتويتر.

فيما يخص موقع تويتر، وبحسب دراسة لمركز بروكينغز الأميركي، أن الحسابات الأساسية، الرسمية منها والداعمة لتنظيم “داعش” على موقع تويتر قد بلغت 46 ألأف حساب حتى نهاية عام 2014، ورصدت الدراسة أن ثمة ما لا يقل عن 90 ألف حساب يقوم “داعش” بنشر رسائله من خلالها، وتقوم أغلب تلك الحسابات بنشر حوالي 50 تغريدة في اليوم الواحد، ويمتلك كل حساب ما معدله 1004 متابعين.

أدرك تنظيم “داعش” أهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في سعيه نحو تحقيق أهدافه، واعتمد بصورة أساسية على موقعي توتير ويوتيوب، وطور استراتيجية إعلامية على هذه المواقع، حيث لم يترك وسيلة من الوسائل التقنية للتفاعل على تلك المواقع إلا وتطرق لها.

قام تنظيم “داعش” بمشاركة الفيديوهات والأفلام ذات الجودة العالية، إلى جانت تطوير تطبيقات خاصة به، واللجوء الى ابتكار طرق وآليات مختلفة تعتمد على الثغرات المختلفة الموجودة بتلك المواقع للوصول الى طرق تمكنه من استرجاع الحسابات الخاصة به، والتي سعى التحالف الدولي ضد الى حذفها.

لعبة “صليل الصوارم”

اللافت، هو أن تنظيم “داعش” الوهابي دخل عالم الألعاب الالكترونية، فعمل على إصدار لعبته الخاصة تحت مسمى “صليل الصوارم” كعالم مصغر للحرب التي يخوضها، ويتدرب فيه الأطفال والشباب الداعشيون على كيفية مواجهة أعداءهم.

ولا شك أن نشاطات تنظيم “داعش” تميزت بالإرهاب، وطبقوا ذلك على تحركاتهم في الفضاء السيبراني، فما قاموا به لا شك هو إرهاب سيبراني، وهذا اقتضى ويقتضي محاربة “داعش”وغيرها من التنظيمات التكفيرية المتطرفة فكرياً عبر هذا الفضاء الالكتروني الذي أصبح ساحة حرب لا تقل خطورة عن عمليات إرهابية حقيقية تحدث على أرض الواقع.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.