حزب الله في سوريا : خطاب تحالف الأقليات 3

 

 

huzbullah - syria 1

رُفع العديد من علامات الاستفهام حول خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ١٦ مارس/ اذار الماضي (1)، وبالتحديد حول إشاراته ضد «الإرهاب التكفيري» واتسامه بـ«النبرة القطرية اللبنانية» و«خطاب تحالف الأقليات». هنا يجب الإشارة الى السياق السياسي الذي جاء فيه الخطاب، فهو جاء بعد ليلة واحدة من تشكيل الحكومة اللبنانية بعد تعطيل دام عشرة اشهر بسبب رفض فريق ١٤ آذار المشاركة في حكومة واحدة مع حزب الله بسبب تدخله العسكري في سوريا.

فالخطاب كان يناقش نقطتين أساسيتين: مصلحة لبنان في تدخل حزب الله، ورأيه في تشكيل الحكومة. وهذا الخطاب ليس جديداً من حيث أسلوب شرح تحقق المصالح الصغرى بتحقق المصلحة الكبرى برأي الحزب. كخطاب يوم القدس العالمي ٢٠١٣، إذ شرح السيد نصرالله كيف أنّ المصالح الفئوية (الوطنية، الطائفية… الخ) هي متحققة بمصلحة الأمة في زوال إسرائيل من المنطقة (2).

لمناقشة خلفية ذلك الخطاب، يجب الرجوع للوراء قليلاً، وتحديداً عند دخول حزب الله في معترك السياسة الداخلية اللبنانية عام ٢٠٠٥. إنّ دخول الحزب مجلس الوزراء في تلك الفترة بعد الانسحاب السوري في لبنان كان لهدفين رئيسيين: الأول هو إعطاء صوت للمقاومة في المحافل الرسمية وحماية ظهرها من أن تستخدم الحكومة لضربها، إذ إنّ حزب الله كان يرى التهديد باستخدام مؤسسات الدولة للصدام مع المقاومة جدياً، خصوصاً بعد صدور قرار ١٥٥٩ من مجلس الأمن الذي كان نتيجة سعي فرنسي بالتعاون مع بعض القوى اللبنانية التي تطالب بسحب سلاح المقاومة (3). والهدف الثاني، كان نتيجة الظروف المفاجئة باغتيال رفيق الحريري، فقد كان يرى أن دخول الانتخابات والتحالف مع تيار المستقبل أمر ضروري لمنع انزلاق البلد الى فتنة طائفية. إذ كان الخطاب الانتخابي لتيار المستقبل في انتخابات ٢٠٠٥ بأن كل المرشحين المنافسين لمرشحيه في الدوائر المختلفة هم «قتلة رفيق الحريري» (4)، و كان منافسوه هم من حلفاء سوريا في لبنان.

الاستقطاب السياسيفي لبنان أمر محسوم تبعاً للوضع الطائفي للبلد

أي عملية فحص سريع لخطابات السيد نصرالله لمرحلة ما قبل خروج الجيش السوري ومرحلة ما بعده، ستلاحظ بوادر التحول في خطابه. والمقصود بالتحول هو غلبة الخطاب الموجه للداخل اللبناني على الخطاب الموجه للأمة، وهذا برز بشكل واضح عند بدء اعتصام المعارضة اللبنانية – من ضمنها حزب الله – حينها في وسط بيروت للمطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية.

إن هذا الدخول في دهاليز السياسية اللبنانية، ورغم الأهداف التي قد تكون مشروعة ومبررة في ذلك الوقت، سبب ردات عكسية وعوارض سيئة على حزب الله. فهو بذلك صار مضطراً للدخول في تسويات مع الطبقة السياسية اللبنانية الفاسدة، وصار عاجزاً عن إيقاف تمرير الفساد والسرقة في الدولة. رغم أنّ حزب الله لم يتوزر إلا الحقائب غير السيادية و غير الأساسية. إلا أن وجوده في الحكومة يجعله يتحمل مسؤولية امام الجمهور حول أداء الدولة كاملة.

ومن تبعات الدخول المباشر في دهاليز السياسية اللبنانية، هو لزوم عقد تحالفات سياسية مع مختلف القوى. إن هذه التحالفات يترتب عليها مداراة يقوم بها الحزب من اجل تقوية حلفائه. فهو لا بد أن يقدم لحليفه المسيحي ميشال عون أوراقاً تعطيه المناعة ضد المزايدة الطائفية لخصومه المسيحيين الآخرين، وهكذا بالنسبة لحلفائه السنة. لذلك يضطر للتركيز على مصلحة لبنان في «إبعاد شبح التكفيريين» والدخول في لعبة المناكفة مع خصومه -خصوصاً مع تزامن الاستحقاقات السياسية الداخلية اللبنانية كما في هذه الفترة – رغم أن القضية الاساس هي قضية المقاومة والصراع العربي ـ الإسرائيلي. أيضاً، الضغط السياسي الذي يتعرض له من خصومه في فريق ١٤ آذار يؤثر على خطاب الحزب. فمثلاً، يضطر لتأكيد وطنيته ولبنانيته تحت وطأة الهجوم الذي يتعرض له بمسؤوليته عن خراب لبنان، رغم إيمانه بحتمية المصير الواحد مع الأمة العربية. ولا يمكن إغفال أثر موجة التفجيرات الانتحارية التي اجتاحت لبنان والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين على خطاب الحزب. هذه التفجيرات قدمت ورقة لخصوم حزب الله لمناكفته وتحميله مسؤوليتها على خلفية تدخله في سوريا. أصبح حزب الله يركن إلى خطاب دفاعي في أحيان كثيرة، وهذا الخطاب يركز على موضوع خطر «التكفيريين» على لبنان.

خطاب كهذا لحزب الله لا يهدف لتحصيل مشروعية بين جمهور خصومه ١٤ آذار وغيرهم، فالاستقطاب السياسي في لبنان أمر محسوم تبعاً للوضع الطائفي للبلد. بل هذا خطاب سجالي للتعامل مع الحياة السياسية البائسة في لبنان والتي شرحنا بعضاً من تفاصيلها. ونقد هذا الخطاب كما نقد الحياة السياسية اللبنانية القائمة على المحاصصة الطائفية ولغة تعايش الطوائف وصراعها أمر مشروع بل ومرغوب في كثير من الأحيان، لكن من المهم وضع الأمور في سياقاتها لفهم سلوك الحزب بشكل جيد.

مشروعية حزب الله

حزب الله ما زال يستخدم مشروعه الاساسي سبيلاً في تثبيت مشروعيته، ففي الخطاب نفسه المذكور أعلاه، بدأ السيد نصرالله بمقدمة مفصلة عن الحال التي وصلت إليه القضية الفلسطينية بسبب الحوادث التي تجري في المنطقة. وفي ختامه، خاطب السيد نصرالله الشعب اللبناني والفلسطيني والشعوب العربية بالقول: «إذا أردتم أن تضيع الفرص على إسرائيل، إذا إردتم أن تمنعوا ذهاب هذه المنطقة الى فتنة لا تنتهي لعشرات السنين، أوقفوا الحرب على سوريا وأخرجوا المقاتلين واسمحوا للسوريين أن يتصالحوا». وأتبع: «بالتأكيد يومها لن نبقى [كحزب الله] في سوريا»، وكل هذا «حفاظاً على فلسطين وعلى سوريا وعلى الأمة» (5).

إنّ مشروعية حزب الله كمقاومة هي في وجود كيان محتل مسخ مزروع غصباً في منطقة خارج سياقه الحضاري والثقافي. ومشروعيته تكمن في كون هذا الكيان عدوانياً بطبيعته، واعتداءاته اليومية على الشعب الفلسطيني أكبر شاهد على ذلك. بل إن اعتداءاته على دول مثل السودان وسوريا تثبت عدوانيته حتى مع الدول التي لا تحاربه بصورة مباشرة. إنّ وجود اسرائيل التي تستبيح الاجواء اللبنانية يومياً، يثبت انها ليست خطراً متخيلاً بل جدي. ورغم ميزان القوى الذي تشكل بعد حرب ٢٠٠٦ ومنع اي اعتداءات إسرائيلية على لبنان، أثبتت الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الشريط الحدودي بين سوريا ولبنان (قرية جنتا) أن إسرائيل تستغل أي فرصة تراها متوافرة لفرض قواعد اشتباك جديدة. لكن في المقابل، إن رد المقاومة متمثلاً بحزب الله بعد تلك الضربة الإسرائيلية بضرب الصواريخ على جبل الشيخ، والعبوتين الناسفتين اللتين ضربتهما الآليات العسكرية الاسرائيلية في مزارع شبعا والجولان، تثبت أن المقاومة لم تدخل سوريا عسكرياً لتغير مشروعها في مواجهة إسرائيل (6). وفي عمليات أخرى لم تكن رداً على اعتداء إسرائيلي، قامت المقاومة في أواخر عام ٢٠١٢ بإرسال طائرة تجسس صورت مناطق في فلسطين المحتلة حتى المنطقة القريبة من مُفاعل ديمونة الإسرائيلي (7). وأيضاً في آواخر عام ٢٠١٣ تم تفجير عبوة ناسفة في مجموعة كوماندوس إسرائيلية تسللت الى جنوب لبنان اصيب بها حوالى ٦ جنود، وسميت بعملية اللبونة (8). توقيت تلك العمليات بالتزامن مع تدخل الحزب عسكرياً في سوريا هو إشارة إلى أن حزب الله ما زال يعتبر المعركة الأساسية نحو الجنوب وليست المعركة التي يخوضها مكرهاً نحو الشرق.

 

رضا البوري – صحيفة الأخبار اللبنانية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.