حزب الله يستعدّ للمواجهة

«اللامنطق» والتهوّر في تفكير المجانين يفتح الباب أمام كلّ الإحتمالات
حزب الله يستعدّ للمواجهة «وتسونامي المد الإسلامي» يُقرّبه من بكركي

صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصرالدين:
انتهى السباق الرئاسي الاميركي بنتيجة لا تقبل التاويل وعاد الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض، لكن الغموض لا يزال يكتنف كيفية تعامل الادارة الاميركية المتجددة مع الملفات الساخنة في الشرق الاوسط وعلى راسها الازمة السورية والملف النووي الايراني المترابطان كجزء من الحرب الدائرة بين محورين تدور بينهما في هذه اللحظة المفصلية معركة «حياة او موت» للسيطرة على منطقة استراتيجية وحيوية، والاسئلة كبيرة وكثيرة ابرزها يتعلق باحتمالات انتهاء هذا الكباش الاقليمي والدولي بحرب يراها البعض ضرورية لتعديل موازين قوى اصبحت متقاربة وتحتاج الى الاختلال قبل الدخول في التسوية. واذا كانت ظروف الحرب تقاس بالمنطق، فان الاحتمالات تبدو غير قائمة نتيجة الكثير من العوامل الموضوعية، لكن وجود اللامنطق في تفكير «المجانين» في تل ابيب وتصديق بعض «المجانين» اللبنانيين لهذه السيناريوهات ومحاولة مواكبتها للتضييق على حزب الله ومنعه من التفرغ للاستعداد لتلك المعركة المقبلة «اجلا او عاجلا»، يفتح الاحتمالات كافة على مصراعيها، خصوصا ان ما كشفه الاعلام الاسرائيلي قبل ايام من قرار اتخذه رئيس الحكومة الاسرائيلية ووزير حربه ايهود باراك بشن الحرب على إيران في العام 2010، وأن ما حال دون تنفيذه هو رفض قيادتي الجيش الإسرائيلي والموساد، يشير بوضوح الى مدى تهور تلك القيادات الحاكمة في اسرائيل وقدرتها على جر المنطقة الى الحرب لمجرد وهم لديها بامكانية تحقيق انتصار استراتيجي على اعدائها.
هذه الاستراتيجة الاسرائيلية غير الآبهة باستدراج واشنطن الى مستنقع جديد في المنطقة، تتعامل معها المقــــــاومة بجدية متناهــية في هذه المرحلة الحساسة، وبحسب اوساط مطلعة تعمل المقاومة على خطين متوازيين، الاول في الداخل والثاني على مستوى الاستعدادات العســـكرية لتدارك اي تحرك غيــــــر محـــسوب، خصـــوصا ان آخر دراسة وضعها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، تجاري القادة الاسرائيليين في حساباتهم الخاطئة، حيث توصل المركز الى نتيجة عبر اختبار محاكاة لسيناريو ما بعــد ضـرب إيران، تفيد بأن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، ستؤدي الى احتواء إيران ولن تتسبب في حصول حرب أكبر. وتوقع المركزمعاودة طرح هذا الخيار بعد الانتخابات الأميركية والإسرائيلية، التي ستجري في الـ 22 من شهر كانون الثاني المقبل، وبحسب السيناريو الذي أعده المعهد تقوم دولة الاحتلال بإرسال طائراتها لقصف إيران، ثم تُبلغ الولايات المتحدة بنياتها بعد ذلك، مشيراً إلى أن الاختبار رجح بأن تقوم أميركا بالوقوف إلى جانب إسرائيل، والتكتم على الخلافات في وجهات النظر حول الضربة.
ولعل اخطر ما يكشفه مركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي هو أن عملية عسكرية إسرائيلية ناجحة تُحقق الأهداف ستجعل من إيران مُلزمة بالرد العسكري بواسطة مبعوثيها في الشرق الأوسط وعلى رأسهم حزب الله ويوصي اللاعبون على «رقعة الشطرنج» بمحاولة منع هؤلاء من التدخل في الحرب، الأمر الذي سيمنع التصعيد ويمنع أيضًا تحول المعركة إلى حرب إقليمية.
وهذه الاستراتيجية تجد اصدق تعبير لها على الساحة اللبنانية من خلال افتعال الازمات الامنية والسياسية والمحاولات المستميتة من قبل المعارضة اللبنانية لاستدراج حزب الله الى مستنقع الازمات الداخلية واغراقه في ملفات سياسية وامنية معقدة تهدف الى اشغاله عن الساحة الرئيسية للصراع، ويمكن من خلال ما يجري الاعداد له في المنطقة فهم المحاولات المستمرة «لشيطنة»الحزب»، والتركيز المستمر على تشويه صورته عبر المسارعة في اتهامه بالتورط في سلسلة الاغتيالات او محاولات الاغتيال المستمرة في البلاد منذ العام 2005.
هذه المعطيات تفسر اصرار المعارضة اللبنانية على رفض الحوار واطلاق شعار الطلاق مع حزب»القتلة»، وثمة قناعة لدى هذا الفريق، او بالاحرى ثمة دور يؤديه على الساحة اللبنانية لعزل المقاومة عن بيئتها الحاضنة وتضييق الخناق عليها، املا في جعل خياراته محدودة في حال اندلاع صراع اقليمي، وهذا الامر دفع الحزب الى تفعيل استراتيجية الفصل التام بين الجهاز العسكري المقاوم واي متفرعات امنية وعسكرية اخرى مهتمة بمتابعة الشأن الداخلي، ومراقبة التنظيمات المسلحة التي تنمو على هامش حركة المعارضة وتحاول الدخول في مناوشات مع الحزب عند كل تأزيم سياسي وامني في الداخل، وهذا الفصل تام ويصل الى حد الانفصال، وقد تم اجراء اولى التجارب العملية عليه في ايار 2008، وجرى خلال الاشهر القليلة الماضية تفعيله وتحديثه لمواكبة المستجدات المرتبطة بتطورات الازمة السورية وتداعياتها على الاوضاع في لبنان.
على المستوى العسكري والامني يواصل الحزب مراكمة قدراته، وهو يتحضر للحرب المقبلة وكانها ستندلع غدا وما تعرفه اسرائيل جيدا ان كل المحرمات السابقة سقطت مع اندلاع الحرب المستمرة على سوريا، وما كان ممنوعا دخوله الى لبنان بحكم «الخطوط الحمراء» الدولية والاقليمية المتفق عليها ضمنيا بين اطراف النزاع، لم تعد موجودة اليوم مع تجاوز هذه الخطوط سوريا، وباتت التفاهمات الضمنية السابقة بحكم الملغاة، هذا ما تعرفه جيدا القيادات العسكرية والامنية الاسرائيلية دون ان تكون لديها المعلومات الكاملة بشان نوعية وكمية تلك الاسلحة او اماكن انتشارها، لكن ما هو مؤكد ان الحزب ومن معه من الحلفاء الاقليميين والدوليين استفادوا جيدا من تجربة العام 2006 وما كان حينها مفاجات «مقسطة» على ايام الحرب سيكون في اي حرب مقبلة جزءا اساسيا من ادوات المعركة المستخدمة بشكل يومي نظرا للكميات الهائلة المتوافرة من تلك الاسلحة التي باتت جزءا من المنظومة العسكرية للحزب، وهناك من بات يتحدث عن صواريخ «الكورنيت» الروسية، والاسلحة الصينية المضادة للسفن، بازدراء شديد على اعتبار انها «موضة» قديمة جرى تجاوزها مباشرة بعد حرب تموز، والحديث اليوم تجاوز تلك المنظومة «البدائية» والحديث يدور عن اسلحة استراتيجية اصبحت جزءا من «السر الكبير» الذي لن يكشف عنه الا عند مراحل مفصلية في معركة يرى فيها البعض انها كفتح «لابواب جهنم».
هذه الاستعدادات العسكرية التي بلغت ذروتها في الاونة الاخيرة مع دخول روسيا في صلب المعركة باعتبار انها اصبحت رأس حربة محور «المقاومة» في المنطقة مع ما يعنيه ذلك من فتح لمخازن الاسلحة لديها ووضعه في خدمة الحلفاء، يواكبه الحزب بتحرك سياسي داخلي لا يقل اهمية عن الاستعدادات القائمة على الجبهة العسكرية، فالجبهة الداخلية توازي باهميتها البعد العسكري للصراع، وفي الوقت الذي تعمل فيه اسرائيل على اعداد جبهتها الداخلية للحرب، يسعى الحزب الى تحصين الجبهة الداخلية قدر المستطاع كي تكون جاهزة لكل الاحتمالات، وهذا الامر يتم وفقا لمسارين متوازيين، الاول «الهروب» قدر المستطاع من عمليات الاستدراج المستمرة من اي مواجهة داخلية مع الخصوم، والثاني مواجهة خطة المعارضة بعزله باعتماد سياسة الانفتاح وتعميق اواصر العلاقة مع الحلفاء والابقاء على مستوى التواصل الحالي مع التيار الوسطي وعدم تعريض هذه العلاقة لاي تصدعات تؤدي الى الانفصال رغم الاهتزازات المتكررة مع «ثلاثي» هذا التيار.
هذه المعطيات تفسر «الحنق» غير المسبوق لقائد القوات اللبنانية سمير جعجع من زيارة وفد حزب الله الى الصرح البطريركي، مع العلم ان الوئام والانسجام بين الحزب والكاردينال بشارة الراعي ليس بالامر الجديد، ولكن ما اثار «جنونه» هو مساهمة الكنيسة المارونية في ضرب خطة عزل الحزب في هذا التوقيت الدقيق، وما كان مجرد استنتاجات بات قناعة راسخة لدى المعارضة التي ادركت متأخرة ان وصول هذه العلاقة الى ما وصلت اليه يعود الى ادراك بكركي وحزب الله بالملموس خطورة «تسونامي» الاسلام المتطرف الذي يغزو العالم العربي ويستهدف اولا واخيرا الاقليات الموجودة في المنطقة، وهو امر يجعل من تحالف الكنيسة مع الحزب امرا استراتيجيا وليس تكتيكيا في مرحلة يعاد فيها رسم خريطة المنطقة، ودروس التاريخ واضحة في هذا السياق لجهة الثمن الذي يدفعه الضعفاء في زمن «البيع والشراء»، ومن هنا فان تكتل الاقليات يقوي موقفها ويجعل منها لاعبا اساسيا يصعب تجاوزه، وهذا الامر ادركته بكركي ومعها الفاتيكان، بعد سنوات من قناعة سبقهما اليها الجنرال ميشال عون واثبتت التجربة صحتها.
وامام هذا المشهد الاقليمي والداخلي الشديد التعقيد، تبدو احتمالات الحرب واحتمالات التسوية متقاربة بسبب كثرة اللاعبين وبفعل تضارب المصالح، لكن ما هو ثابت ان رهانات المعارضة والاكثرية متضاربة، قوى 14اذار تراهن على تطورات دراماتيكية في ايران وسوريا وتحضر الساحة اللبنانية لاستقبالها، والمقاومة وضعت خططا جاهزة للتعامل مع مختلف السيناريوهات، فهي ستكون رأس حربة في اي حرب مقبلة، وستكون على طاولة المفاوضات في اي تسوية، واذا كانت طائرة ايوب اخر الرسائل العلنية للقاصي والداني، فان ساعات قليلة تفصل عن اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتقديم المزيد من الشروحات عن المرحلة الراهنة ومرحلة ما بعد… بعد «ايوب».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.