خلافٌ فوق الطاولة وإتفاقٌ مشبوه تحتها

صحيفة الوطن السورية-

رزوق الغاوي:

ثمة تشابكٌ معقدٌ مصطنعٌ ومفتعل، بين أطراف المتدخلين في الشأن السوري والجغرافية السورية من دون دعوة، بل على شكل احتلال عسكري أميركي وتركي، دعماً لفصائل إرهابية تقسيمية عنصرية، لكل واحد منها هدفه العدواني ومسوغاته المزعومة والمرفوضة وغير المبررة، فمن جهة تواصل القوات الأميركية احتلال مناطق شمال شرق الفرات الغنية بالنفط تحت زعم حماية تنظيم «قسد» من خطر تنظيم داعش الإرهابي، المدعوم أصلاً من واشنطن، فيما تواصل القوات التركية من جهة ثانية، احتلال مناطق عفرين وباقي مناطق محافظة إدلب ودعم التنظيمات الإرهابية التركية وهيئة تحرير الشام في المحافظة.

في إطار هذا الواقع الراهن الممتد من شمال الشرق السوري إلى شماله الغربي، شرع تنظيم «قسد» بدعم أميركي بتنفيذ عملية إحصاء سكانية لمختلف مكونات مناطق الجزيرة السورية، ما أثار قلق ومخاوف سكانها العرب من عملية تطهير عرقي تطولهم، وخاصة بعد إصدار «قسد» قانون «حماية وإدارة أملاك الغائبين»، وتشكيل لجنة من أعضاء التنظيم لإدارة واستثمار أملاك من غادروا منازلهم واغتصاب ريع تلك الأملاك.

في موازاة ذلك، تأتي التصريحات التي أطلقها مؤخراً الرئيس التركي رجب أردوغان حول نية أنقرة تنفيذ عملية عسكرية هدفها إقامة منطقة آمنة شمال سورية بعمق ثلاثين كيلومتراً على طول الحدود السورية – التركية، ما يعني ذهاب أنقرة باتجاه تثبيت احتلالها لجزء من الأراضي السورية، ومن ثمَ ضمه مستقبلاً إلى تركيا، على ضوء الإجراءات العسكرية والإدارية والاقتصادية والثقافية التي تتخذها أنقرة في المناطق التي تحتلها والتي تمهد لعملية تطهير عرقي كردي وتغيير ديموغرافي فيها يتوازى مع محاولة التطهير العرقي العربي في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» التي تتولى بطبيعة الحال حراسة تنظيم داعش بتكليفٍ أميركي.

موقفان اثنان يتبادل صاحباهما الأميركي والتركي من خلالهما تقاذف الكرة بينهما في لعبةٍ مكشوفة، تخدم الأهداف العدوانية المبيتة لكل منهما ضد سورية، ويتقاسمان فيها الأدوار، حيث يزعم الأميركي حماية «قسد» كغطاء لاستمرار احتلاله ووجوده غير الشرعي في الأراضي السورية، في إطار سعيه الحثيث لعرقلة المساعي الروسية، فيما يزعم التركي حماية أمنه القومي عبر إقامة منطقة آمنة، كغطاء مؤقت لمحاولاته الرامية لقضم المزيد من الأراضي السورية وضمها للسلطنة العثمانية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سبق له أن أعلن استكمال الاستعدادات للعملية العسكرية الجديدة على الأراضي السورية، لم يحدّد موعدها أو مكان تنفيذها، لإعطاء نفسه فرصة للمناورة والابتزاز والضغط، لاستثمار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والظرف الدولي المحيط بهذه العملية، ورغبة الولايات المتحدة الأميركية في ضمّ السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي بغية انتزاع غطاء دولي، أو غطاء أميركي – أوروبي، للمنطقة الآمنة التي بدأ الرئيس التركي الحديث عنها قبل ثلاث سنوات.

ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد لاحت في أنقرة مخاوف من تداعيات العملية العسكرية التركية ومن مفاجآت ميدانية لم تكن في الحسبان في حال وضع تلك العملية موضع التنفيذ الفعلي، وخاصة المعضلة التي ستواجهها تركيا والمتمثلة في الموقف والجهود والإصرار الروسي على خروج جميع القوات العسكرية الأجنبية التي دخلت إلى الأراضي السورية بصورة غير مشروعة من جهة، وعلى الحيلولة من دون تمدد نفوذ حلف شمال الأطلسي «الناتو» على حدودها من جهة أخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.