داعش والرمادي .. رمزية وخسارة

A member of the Iraqi security forces gestures at a government complex in the city of Ramadi, December 28, 2015. REUTERS/Stringer  EDITORIAL USE ONLY. NO RESALES. NO ARCHIVE

موقع الميادين ـ
عبد الله بدران:

 سبعة أشهر بين خسارة الأمن العراقي لعاصمة الأنبار وبين استعادتها، دخلها “داعش” بثغرة من مقبرة البو فراج شمال المدينة، في هجوم في إحدى ليالي ايار2015، وغادرها مسلحوه من المقبرة ذاتها بحسب الرصد الإستخباراتي، أو إلى المقبرة ذاتها، دفنوا جماعياً، أو هم تحت الانقاض، عانت المدينة الأمرّين، في حرب احتلالها من “داعش”، وحملة القتل الجماعي لأبناء عشائر البونمر و البو فهد والعيساويين، أعلنها “داعش” عاصمة تدار منها احكامه الجديدة على ابناء المنطقة الغربية، فعانى أهلها أحكامه.

 دخل “داعش” إلى الرمادي بخطة وضعها كل من ابو مهند السويداوي(اسماعيل لطيف السويداوي_من عشيرة البو سودة المنتمية لقبيلة الدليم في الأنبار) من قادة “داعش” العسكريين في الأنبار، ضابط في الجيش العراقي السابق برتبة مقدم في الحرس الجمهوري، صاحب خبرة عسكرية بحكم عمله في قيادة اركان الحرس الجمهوري أيام النظام السابق، معتقل سابق لدى الجيش الأميركي في سجن بوكا، قُتل خلال عملية احتلال الرمادي فسميت عملية احتلالها، بـ “غزوة ابي مهند السويداوي”، من واضعي الخطة أيضاً، أبو أحمد العيساوي، وأبو أنس الحديثي وهو من مرافقي أبو مصعب الزرقاوي، وأبو اليمان الأنصاري ويعرّف اختصاراً بـ “الحاج أبو اليمان”.

قضى الأربعة قبل اكتمال احتلالهم المدينة، لم تكن خطتهم وحدها ناجحة وفقا للقياسات العسكرية، وفقاً لمعلومات علمتها الميادين، فان احتلال الرمادي كان الخطة المعدة للرد على تحرير تكريت من داعش كضربة معنوية يريد منها التنظيم إعادة الثقة لمسلحيه، صمدت الرمادي قبل ذلك لقرابة سبعة عشر شهراً امام هجمات داعش الانتحارية، لكن احتلالها، حمل في تلافيفه، تقصيراً عسكرياً وأمنياً في إدارة العمليات من قبل قيادة الجيش، باعتراف القادة الامنيين، فتُرجم إلى انسحاب غير مبرر من قبل الجيش العراقي من مبنى قيادة عمليات الانبار، ما شجّع اندفاع داعش، في عملية نفذتها الكتيبة الخضراء في التنظيم، بخطة عراقيي التنظيم، وبأحد عشر انتحاريا كلهم اجانب، توزعت هجماتهم بين المجمّع الحكومي وجامعة الأنبار وقيادة العمليات ومقر اللواء الثامن، والسجارية شرق الرمادي.

 العمليات بدأت بعد اكتمال فصول الإعداد لها

اندفعت فصائل المقاومة في حزام السجارية شرق المدينة، وكان لها ان تحقق تقدما بعد تنسيقها مع عشائر البو شعبان و مقاتلي عشائر البوفهد، لكن الأميركيين وضعوا خطاً احمراً على مشاركة الحشد، وزادوا أن لا بديل عن الدور الأميركي سياسياً، وميدانياً،  وفق معلومات الطيران الأميركي والسلاح، واعلموا بغداد ضمناً بذلك وعلناً، وتحرّك الحلفاء المحليون لواشنطن في دعم لوجهة النظر الأميركية، وبين هذا وذاك وانسحاب الحشد من الرمادي، ومماطلة واشنطن بتسليح العراقيين وفق عقود سابقة، سقطت الصوفية والسجارية وأجزاء من الخالدية شرق الرمادي، وتهدد امن الحبانية، على يد “داعش”.

ضغط الأميركيون لتدريب أبناء العشائر الغربية وتسليحهم، في الحبانية شرق الرمادي وفي قاعدة عين الأسد، وأصروا على مشاركتهم دون الحشد الشعبي، واختاروا تنسيق الذهاب لتحرير الرمادي التي تبعد عن بغداد 110 كيلومترات، وتأجيل الدخول إلى الفلوجة الأقرب لبغداد.

بدأت العمليات في الرمادي بعد اكتمال فصول الإعداد لها، اختار الأميركيون ان يبقوا في السماء لتنفيذ القصف على اهدافهم، وتركوا للعراقيين ان يختاروا مسار المعركة بريّاً، فاسندت العملية لجهاز مكافحة الارهاب، وكان رأس الحربة في اقتحام مواقع داعش باسناد من الفرقة العاشرة والتاسعة والثامنة في الجيش العراقي، يزامن كل ذلك عملية اجلاء المدنيين من عوائل وافراد حاصرهم داعش وفق مسارات محددة كلها تؤدي الى الحميرة شرق المدينة، ورصد استخباراتي من خلية الصقور، وبحصار الرمادي بأربع فرقة عسكرية طوال شهر، فكان المحور الجنوبي الشرقي هو الأساس في العملية، بعدما تقرّر بناء جسور هندسة عسكرية، بديلة عما فجره داعش عندما قرّر قطع اوصال جزيرة الرمادي عن الصحراء.

قبل العملية، قدّر التحالف الأميركي، ان ألفي مسلح من “داعش” داخل المدينة، تقلّص العدد إلى ثلاثمئة ومئتين ومئة وخمسين خلال أربعة أيام من العملية، إثر ذلك أكدت المصادر الأمنية ان مقبة البو فراج كانت طريقا ليلياً لمن هرب من رؤوس القوم صوب الثيلة الشرقية ومنها إلى الصحراء لا تعرف وجهتهم، هيت أم عنة؟

دخلت القوات العراقية حي الضباط والحميرة والحوز و شارع عشرين وستين، امنتها ورفعت ما امكن رفعه من عبوات وفتحت طرقا برية جديدة لتسلكها الاليات العسكرية، جهد انساني وهندسي وعسكري وامني، وتركت مسك الارض لابناء العشائر وفق توافق سياسي عسكري، وليجري الأميركيون بالتزامن تقيّيماً لأداءهم في المعركة.

 تطوّق القوات الأمنية المجمّع الحكومي حيث مبنى الحكومة المحلية، مبنى خلا من ساكنيه، دمّره محتلوه بعدما أخلوه.

المهمة الأن رفع العبوات وتفكيك ما فخخه داعش، لتنتهي المراسم برفع العلم العراقي فوق مبنى المجمع ايذاناً بالنصر العسكري، ولتبدأ معركة أمنية، بحثاً عن خلايا ومتورطين ولتثبيت الوجود الأمني، إذا هي معركة محسومة، حُررّت بها الرمادي، وعادت إلى حضن الوطن،  وإن كانت تئن من الألم، ودّعها الغريب المحتل من “داعش” باعتراف واضح بخسارتها، كما سبقه خليفته في رسالته الصوتية، وكتب على تويتر، إنه امتحان وبلاء للمؤمنين من داعش وبأنه استودعها الله، وان للرمادي ربّ يحميها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.