دراسة إسرائيلية: حزب الله تنظيم ديناميكي يفهم ويتفهم المتغيرات التي دخلت على الساحة

صحيفة القدس العربي من لندن ـ
زهير أندراوس:
منذ أنْ وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها في صيف العام 2006، تُواصل مراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية في محاولاتها لسبر أغوار المعركة القادمة، كما أن العديد من المسؤولين العسكريين في الدولة العبرية، يحذرون دائما من أن المواجهة القادمة ستكون صعبة للغاية، لأسباب عديدة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نشر الموقع الإسرائيلي على الإنترنت، المتخصص في الشؤون الأمنية (ISRAELDEFENCE) دراسة قام بإعدادها الخبير في الشؤون العسكرية، عاتي شيلاح، جاء فيها أنه وفق تقديرات حزب الله، فإن جيش الاحتلال سيلجأ إلى شن مناورة برية سريعة وواسعة النطاق، خلافاً لما حصل عام 2006.
وهذا التقدير أدى بدوره، من جهة حزب الله، إلى تغييرين أساسيين في عقيدته القتالية، بحسب المحلل الإسرائيلي: الأول، الانتقال من المناطق المفتوحة، بما في ذلك الخنادق الموجودة تحت القرى، إلى داخل القرى والمناطق الحضرية، أما الثاني، فهو قيام الحزب ببناء عدد من خطوط الدفاع، ابتداءً من الخط الحدودي مع إسرائيل، وصولاً إلى المناطق التي تضم قوات حزب الله الكبيرة، في داخل العمق اللبناني، على حد قوله.
وتابع المحلل، الذي شغل سابقًا منصب قائد وحدة الهندسة للمهمات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، محاولاً في تحليله الإجابة على السؤال المفصلي وهو كيف يستعد حزب الله للحرب القادمة مع الدولة العبرية، تابع أنه بعد مرور ستة أعوام من انتهاء حرب لبنان الثانية، فقد قام حزب الله بإجراء تغيير بعيد المدى في انتشاره الميداني، مشيرًا إلى أن هذا التغيير جاء على خلفية ما أسماها بالنظرية القتالية الخاصة بالحزب، التي تعتمد على فهم ما يراه نقاط ضعف العدو، وبمصطلحات مهنية: فإن التصور الهندسي الجديد لحزب الله يندمج في النظرية القتالية المحدثة الشاملة، التي بلورها في أعقاب الحرب، على حد قوله.ورأى شيلاح أن الحزب يرغب في استنزاف إسرائيل عن طريق الدم والاقتصاد، أي الحفاظ على قدرات إطلاق صاروخية باتجاه العمق الإسرائيلي، وجباية أثمان بشرية واقتصادية من إسرائيل، وبحسب لكي يُحقق الحزب هذا الأمر، فإنه يعمل بشكل كثيف على حماية مراكز إطلاق الصواريخ من أي هجمات، متوقعة من قبل الجيش الإسرائيلي، وبالتالي، قال المحلل، قرر الحزب الانتقال إلى القرى والمدن، التي تتيح له الاحتفاظ بمواقع إطلاق الصواريخ، بشكل أفضل من الماضي.
علاوة على ذلك، أشار شيلاح إلى وجود أربعة خطوط دفاع أنشأها حزب الله في أعقاب حرب لبنان الثانية بهدف الحفاظ على مقومات حزب الله الرئيسية: الخط الأول، في محاذاة الحدود الدولية، ويستخدم بشكل رئيسي لجمع المعلومات الاستخبارية من داخل القرى، وليست مهمته صد قوات الجيش الإسرائيلي. الخط الثاني، معني بحماية المساحات حول القرى التي توجد داخلها المراكز القيادية ومنصات إطلاق الصواريخ.
ويتضمن هذا الخط عوائق هندسية على محاور التنقل، وفي تخوم القرى التي تخضع لسيطرة الصواريخ ضد الدروع، ونيران القناصة وتشكيلات تحت أرضية، مهمتها القتال والسيطرة والتحكم وتوفير القدرة على نقل القوات. أما الخط الثالث، يقول المحلل، فإنه يوجد في محاذاة كل قرية أو مدينة أو منشأة من أي نوع، والهدف منه حماية المنشآت نفسها، مع تغيير في وسائل الحماية، تبعاً للهدف المحمي، ولنوعية التهديد.
والخط الرابع والأخير، بحسب الخبير الإسرائيلي، فهو أحد التغييرات الرئيسية على النظرية القتالية الخاصة بالحزب: وهو مساحة قتال تم إنشاءها شمالي نهر الليطاني، وغايتها تأمين حماية للصواريخ البعيدة المدى، كما أن مهمة هذا الخط هي مواجهة خيار الالتفاف العرضي للجيش الإسرائيلي، سواء عبر البحر أو الجو، وكذلك دعم خطوط الدفاع الأمامية، على حد تعبيره.
من ناحيته، قال الباحث غاي أفيعاد، من مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب إن الحزب درس بجدية بالغة التغييرات التي طرأت على استعدادات الجيش الإسرائيلي وعلى التغيير الذي أدخله استعداداً للمعركة القادمة.
ولفت إلى أنه خلافاً للجيوش التقليدية فإن حزب الله عكف على الاستعداد للجولة القادمة، لأن الحديث يدور عن تنظيم ديناميكي يفهم ويتفهم المتغيرات التي دخلت على الساحة ويستطيع أن يلاءم قوته العسكرية بحسبها، ورأى الباحث أيضاً أن قوة حزب الله من جميع النواحي تحسنت وتطورت بشكل مقلق للغاية وهي تختلف تدريجياً عن الحزب الذي حارب جيش الاحتلال في العام 2006.
وبالتالي يقول الباحث، فإن الاحتلال يقف الآن أمام عدو صلب وعنيد وفقط وضع الخطط العسكرية الحديثة والمتطورة ستمكنه من إلحاق ضربة قاسية، على حد وصفه.
وزاد إن الهدف من البحث الذي عكف على إعداده هو تسليط الأضواء على الجهود التي يقوم بها حزب الله لتعزيز قوته المتجددة منذ نهاية الحرب، كما تحلل الدراسة عددًا من الجوانب التي يعمل الحزب على تعزيزها كإحدى العبر المستخلصة من الحرب، كالقوة البشرية، التسلح، التدريب، والانتشار في الميدان. كما تتناول هذه الدراسة مدى تطابق الاستنتاجات مع الخطة التي أعدها حزب الله لمواجهة الجيش الإسرائيلي في الجولة المقبلة.
ورأى الباحث أن ظاهر الأمور شيء، والواقع القائم على الأرض شيء آخر، ففي نهاية الحرب عام 2006، لم يُفوت الحزب أي فرصة للتكيف مع الواقع الجديد، وهو يقوم بإدخال التعديلات المطلوبة لزرع بذور المواجهة الجديدة مع الاحتلال. ويستعرض الباحث الإنجازات الوهمية لجيش الاحتلال خلال حرب تموز 2006، بالإشارة إلى تدمير آلاف بيوت المدنيين والبنى التحتية، إلا انه يقر في المقابل بالعجز عن النيل من القيادة الرئيسية للحزب ويصفها بالرشيدة، لأنها قدمت صورة على أنها على مستوى الحدث.
وخلص الخبير إلى القول إن الحزب تمكن من الحفاظ على قدرات إطلاق الصواريخ ومفاجأة الجيش الإسرائيلي من الناحية التكتيكية، سواء من حيث هجومه على السفينة حانيت (ساعر 5) بصاروخ بحر من طراز C-82 أو من خلال شبكة الأنفاق والمخابئ التي جهزها قبل الحرب واستخدمها خلال المعارك حيث قتل 199 جنديًا إسرائيليًا، ودمر 45 دبابة (ميركافا 4) التي تعتبر من أقوى الدبابات في العالم، بواسطة استعمال صواريخ متطورة مضادة للدبابات، على حد قوله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.