رحلتي في العمرة وجدلية زيارة القبور

 

موقع إنباء الإخباري ـ
لينا وهب* :

في يوم من أيام شهر ذي الحجة عام 1432 هجري وبعد زواجي بثلاثة أيام فقط، قطعت إجازة الزواج للذهاب في رحلة عمل إلى جدّة في السعودية.. وبعد تكبد عناء السفر وتعب يوم طويل من العمل، انتهزت الفرصة، في وقت استراحتي، للذهاب ليلاً إلى العمرة، وكانت رفقة مميزة مع وزير الإعلام الجزائري السابق محيي الدين عميمور، ووزير التعليم العالي التونسي السابق عبد السلام المسدي، وأذكر ذلك للتنويه باحترامي لشخصهما الكريم، وشكراً مني لهما على إنتظاري لكي أؤدي طواف النساء، وهو أمر متمّم للعمرة عندنا كشيعة وغير موجب عند أحبتي وإخواني السنّة.

لم أكن أعرف عن الفروقات بين المذاهب في الإسلام، أو حتى بين الاتجاهات السياسية إلا القليل، ولكن حتماً كنت أعرف أمراً واحداً منذ أن فتحت عينيّ على هذه الدنيا، بأننا كلنا مسلمون ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلطالما علّمني والداي أن لا فرق بين مسلم ومسلم إلا بالتقوى والأعمال، وبأن الخلاف بين مذاهب المسلمين واختلاف الروايات التاريخية والأحاديث المنقولة لا يفسد في التلاقي والوحدة والودّ قضية، وأن في القرآن الكريم القول الفصل الذي يجمعهم على محبة وعبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد.

هذا الأمر رأيته بأجمل صورة في مكة المكرمة حيث المسلم يطوف بجوار المسلم، سواء كان من الشيعة أو السنّة.. هناك فقط يجتمع المسلمون بمختلف مذاهبهم وانتماءاتهم تحت راية التوحيد من أجل الدعاء والصلاة لله الواحد ومبايعة الرسول نفسه.. واللافت أيضاً بأن المسلمين جميعاً في مكة المكرمة ومن مختلف البلدان حول العالم، يؤدّون الصلاة تماماً وليس قصراً، باعتبار أن هذه الأرض حيث بيت الله هي للجميع، وليست لقوم دون آخرين، وليست لفئة دون أخرى، ولا لمذهب دون آخر…

هناك في أرض الأمن والسلام لا مكان للخصومة أو للعنصرية، فبينما أنا أطوف وأدعو أرى بجواري مسلمين من العرب والعجم (خليجيين، وإيرانيين، وباكستانيين، وأفارقة، وآسيويين،..) وعباداً من مختلف بقاع الأرض، فرّقتهم السياسة والعرق واللون وجمعتهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.. صليت هناك ركعتين عند مقام النبي إبراهيم (ع)، وبينا أنا أصلّي خطر على ذهني سؤال لم أجد له إجابة!! فإن كان جائزاً زيارة مقام النبي إبراهيم (ع)، والصلاة عنده لله الواحد، فلماذا يحرّم البعض زيارة القبور والمقامات الأخرى ويعتبر زيارتها بدعة!؟ وما الضير من زيارة قبر الرسول (ص)؟ والسؤال نفسه ينطبق على زيارة قبور أهل بيت الرسول والصحابة في أرض البقيع وصولاً إلى زيارة المقامات في كربلاء وغيرها.. فأين الضرر في الزيارة المهذبة الخالية من المغالاة؟ وأين حجة الذين يقولون بالتحريم والمنع؟!

ولا زلت أتساءل عن سبب اعتقاد البعض بحرمة زيارة القبور وعن سبب الجدل الكبير حول هذا الموضوع في المجتمع الإسلامي الكبير!!! فها هي أهرامات مصر القديمة تحوي قبور ملوك الفراعنة وتُزار في كل يوم وهي تحكي عن حقبة تاريخية معينة، ولم يتحدث أحدهم عن مشكلة في ذلك!!

للأسف انتهت رحلة العمرة تلك من دون زيارة قبر النبي محمد (ص) في المدينة المنورة، ولم أعد أذكر ما السبب الذي منعني من هذه الزيارة مع أن المدينة المنورة لا تبعد كثيراً عن مكة!. ولكن لا زلت أتمنى زيارة قبر النبي (ص) والقبور الشريفة البقيع، حيث لزيارتهم ترق القلوب ويحظى الفرد بفرصة التعرّف على تاريخ الإسلام، بحيث تشكّل هذه المقامات معالم تاريخية يعزز زيارتها تعريف الأجيال القادمة بقصص رجالات الإسلام، إضافةً للتذكير بقراءة الفاتحة هدية لأرواح الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل رفعة هذا الدين الحنيف.

 

*كاتبة وإعلامية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.