رسالة حب في بريد الجمهورية الإسلامية

صحيفة الوفاق الإيرانية-

ليلى عماشا:

ربّما يحسبُ البعضُ شدّة تحديقنا صوب ملف الانتخابات في الجمهورية الإسلامية في إيران نوعاً من التدخّل في شؤون داخلية لدولة لا تربطنا بها ورقة رسمية أو توقيع يضمن لنا حق إبداء الرأي في شأن انتخابي. ويرى بعضٌ آخرُ لهفتنا صوب صناديق الاقتراع شكلاً من أشكال التبعية، وقد يتمادى البعض فيظنّ اللهفة مزايدة على الإيرانيين في حبّهم لبلادهم.

وبعيداً عن الظنون، فليعذرنا من حمّل نفسه إثم الإساءة ولو بقلبه، ومن لوّث عقله وقلبه على حدّ سواء بالقصور عن فهم ماهية هذا التوجّه بالقلب نحو إيران، وكيفية عمل النبض في يوم يودّ فيه لو يستحيل صوتاً انتخابياً قد لا يغير في النتائج ولكن حتماً ينسكب حباً في أرض فارس.. ويا حبّذا لو ينسكب في كرمان.

بصوتِ الإمام الخميني الثائر، دخلت إيران بيوت قلوبنا من أوسع أبوابها، بل وجدت لها في كلّ روح حقلاً ينمو فيه ورد طهراني ذو هيبة، ويسوّره انعكاس الفيروز النيشابوري وقصائد العرفان. ليدها الثورية التي امتدت لتمسح الظلم عن رؤوس المستضعفين في العالم، أصبحت هذه البلاد العظمى المحاصرة سكينة القلوب المتعبة وسكنى أرواح من كانوا قبل الثورة على الظالمين غرباء مشرّدين، كأن سكب الحرم الرضوي أمانه على كلّ العالم وكأن كفّت بظلّ عباءتها المعصومة (ع) في قم حرّ شمس الظلم عن الجباه المرهقة.

بين ثورة مجيدة وحصار ظالم، صار لإيران موقع يتخطى حيز المكان، حدوده السماء وترابه قلوب الثائرين العاشقين.

فيض الحبّ هذا نهر يجري ماءً زلالاً خامنئي الصفاء، علوي العزّة، ويرفد كلّ العطاشى في الأرض بصوت السليماني العظيم: “يقيناً كلّه خير”..

في يوم الانتخابات الذي يشخصُ فيه العالم كلّه إلى الجمهورية العزيزة الحرّة، وبعيداً عن الخوضِ في تفاصيل المرشحين والبرامج الانتخابية وموازين القوى الداخلية وغيرها من العناصر التي يتناولها عادة وبإسهاب المحلّلون والمراقبون والمتابعون، يحدث أن يصرّ القلب على تتبّع ملامح الحاج قاسم في كلّ نقطة من سماء إيران وأرضها. وكيف يمكن لنا، نحن أيتامه، أن لا نرى في كلّ مشهد وجهه، وأن لا نغرق في ملامحه في وجوه الناخبين الذين حظوا بنعمة أن يكون صوتهم رسالة حبّ إلى الشهيد الذي غفا في تربة كرمان بعدما ملأ كل أرض المستضعفين والمظلومين بمؤونة من الحبّ الأصفى، زاداً يعين على كلّ ما سيأتي حتى يحين العدل الخالص.

هذه الكلمات لا تبتغي تحليل المشهد الانتخابي في إيران، لكنّها تعتلي منبره كي توجّه رسالة حبّ إلى كلّ إيران، كي ترفع صوتاً لا يسجّل في صناديق الاقتراع ولكن يجيد الحبّ والولاء واليقين ببلاد خرج منها الحاج قاسم ثائراً، وعاد إليها شهيداً محمولاً على كفوف ملايين القلوب. وإن كانت رسائل الحب لا تحتاج إلى مناسبات ومواقيت، إلّا أنّه في مثل هذا اليوم، يطيب للقلب أن يخاطب السليماني العظيم بنبضه، أن يتوجّه إليه بعينين موقنتين أنّه يسمع خطاب أرواح حلّ بها ولياً وترك فيها في فجر الفقد العظيم شوقاً نازفاً لا يلتئم..

يا سيد شهداء المحور الحرّ المقاوم، إن كان أثرك في قلوبنا على علوّ يبلغ الدمع الأحرّ بنظرة إلى صورة وجهك المطمئن، فكيف عساه يكون في قلوب تستطيع إلى حبّك سبلاً أكثر عملانية، كالتصويت لنهجك مثلاً؟

يا ولي الثائرين والعسكر، وأبانا الذي ما حظينا بشرف الارتماء عند ضريحه بالدمع وبالورد وبالحمد الكثير، كما لم نحظَ بعز اللقاء به يوم كان يجوب الدنيا ويلفّنا بذخيرة العشق المصفّى وبالسلاح الذي يردّ عنّا كيد العدا ويحوّط النّصر بآيات اليقين، ويا عزيز آل المقاومة وأهل الثورة وحبيب الله وكلّ الطيبين، هذه بلادك تهبنا جواز سفر قلوبنا إليها بتوقيع من حبر الولاء لك قائداً وجندياً في ثورة العاشقين، وهذه بلادك تزورنا على صهوة الأخبار كي نشهد كيف الناس هناك يسكبون حبّهم أوراقاً في صناديق الاقتراع، فنتحير بين أن نغبط الناخبين على عزّهم أو نحثّ المقصرين كي لا يتوهوا في زواريب السياسة ويتخذوا وجهك في كلّ اختيار دليلاً.

الجمهورية الإسلامية العظمى تخوض اليوم استحقاق الانتخابات بشكله الأكثر تعبيراً واحتراماً لحرية الناس فيها وحقّهم بالاختيار، بدون همروجات الشعارات والمعارك الوهمية التي اعتدنا متابعتها كمكوّن أساسي في كلّ مطابخ الانتخابات حول العالم.. تخوضه بخطى الواثق الذي يحترم إرادة الناخبين وحق الاختلاف، فيما يتهّمها العالم بمنع الحريات وتنتقد انتخاباتها أنظمة لا تجيز التفكير أصلاً باحتمال المطالبة بتصويت أو بانتخاب كالسعودية، أو أنظمة تفرّجنا في الأمس القريب على دموية أطرافها وخطابهم التحريضي الانتخابي تحت شعار حرية التعبير كما حدث في الولايات المتحدة الأميركية.

قد يكون بالنسبة للإيرانيين يوماً عادياً يمارسون فيه واجب الاقتراع، لكنّها بالنسبة لنا فرصة نقترب فيها من جبين إيران الذي يلمع عليه تعب الحصار ولا يضنيه، هذا الجبين المخضّب بالعزّ وبنصرة المقاومين في كلّ الأرض والمكلّل بتاج مقارعة الاستكبار وكسر سطوته، ثم نطبع عليه شيئاً من أحلامنا وأمنياتنا قبلاً من كلمات التقدير والامتنان، ونترك مع الكلمات وردة قرب ضريح الثائر العالمي الشهيد قاسم سليماني، وكلّ ما أمكننا من الحبّ ومن الولاء.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.