رفض الهبة الإيرانية

rouhani-moqbel

وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:

بصورة تعاكس أي منطق ينبري رافضو الهبة العسكرية “المجانية وغير المشروطة” التي عرضتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني في مجابهة العصابات التكفيرية الإرهابية وللدفاع عن سيادة البلاد واستقرارها والتوصيف الذي نشير إليه ورد على لسان وزير الدفاع سمير مقبل حرفيا من طهران.

أولا التصميم على إبقاء الجيش اللبناني محكوما بمنظومة التسلح والتدريب الغربية ورفض وعرقلة أي تنويع لمصادر السلاح هو تعبير سياسي عن نهج قوامه الخضوع لشروط التسليح الغربي التي طالما تردد من مصادر غربية انها محكومة كليا بشروط إسرائيل ولطالما تكررت تصريحات اميركية وإسرائيلية تفيد بمنع الجيش اللبناني من التزود بأي سلاح تعتبره إسرائيل إخلالا بالتوازنات أي رفض تزويد الجيش اللبناني بأي سلاح يمكن ان يضع حدا للعربدة العدوانية الصهيونية البالغة حد استباحة السيادة الوطنية اللبنانية وكثيرة هي الأمثلة والتجارب التي برهنت على هذه الحقيقة وأبسطها حادثة الهبة الإماراتية بمنظومة صواريخ مضادة للطائرات التي عرضت بعد تدمير محطة الكهرباء في الجمهور وسحبت في اليوم التالي لأن دولة المصدر أبلغت حكومة الإمارات بأنها تمنع عليها وفقا لعقود الشراء وهب السلاح الذي اشترته لجهة قد تستخدمه ضد اهداف إسرئيلية .

هذه الحقيقة افتضح أمرها مجددا بمناسبة لائحة المعدات والتجهيزات والأسلحة التي ذكرت تقارير صحافية ان قيادة الجيش اللبناني سلمتها للسلطات الفرنسية بمناسبة الهبة السعودية ثم تسرب عبر وسائل الإعلام الفرنسية ان إدارة هولاند قامت بتدقيقها بالمعايير الإسرائيلية ذاتها وشطبت بنودا منها بناء على تلك المراجعة وبغض النظر عن المصير الذي ستذهب إليه تلك الهبة التي يشك كثيرون بأن يبقى من قيمتها الإجمالية ما يفي بتصدير سلاح ينفع الجيش اللبناني بعدما تردد ان السلطات الفرنسية احتسبت نصف القيمة مقابل تدريبات وخبرات على الورق وهي طريقة احتيالية لوضع اليد على مليار وخمسمئة مليون دولار .

ثانيا  يجادل رافضو الهبة في تبعات يزعمون انها قد تترتب على لبنان من زاوية العقوبات  المفروضة على الجمهورية الإسلامية وقد برهن حقوقيون وخبراء على انتفاء هذه الشكوك وعدم شمول منظومة العقوبات للهبات وهذا ما يفترض ان يتسلح به الحريصون على قوة الدولة والجيش للظفر بأي قدرة مضافة وغير مشروطة لصالح المؤسسة العسكرية الوطنية وبالتالي فالذريعة ساقطة وغير مقنعة.

يعارض البعض قبول الهبة الإيرانية على خلفية ادعاء رفض الدخول في متاهة التجاذب الإقليمي ومن الغريب العجيب ان يروج البعض  نظرية اعتبار قبول الهبة دخولا في لعبة المحاور فالحيادية التي يزعمها هؤلاء في نظرتهم لموقع لبنان ولمواقفه تفترض اعتماد التوازن في قبول الهبات وكما قبلت الهبة السعودية يفترض ان تقبل الهبة الإيرانية والهبة الروسية فهذا هو ما يكرس الحيادية التي يزعمون التمسك بها وليس العكس .

بمنظور السيادة الوطنية يمثل رفض الهبة الإيرانية المجانية وغير المشروطة خضوعا لإرادة اجنبية وتسليما بإخضاع الشؤون السيادية اللبنانية لهيمنة الولايات المتحدة أي لحلفاء إسرائيل وداعميها وهي عدو لبنان الوجودي الذي ينتهك سيادة الدولة اللبنانية برا وجوا وبحرا ويواصل اعتداءاته من غير انقطاع ولا يمكن ان يخدم لبنان ومصالحه السيادية إخضاع تسليح جيشه وقواته المسلحة للدول التي تدعم ذلك العدو الذي يعتبر مصدر الخطر والتهديد الأول.

ثالثا  التصميم الشرس على حشر الجيش اللبناني في زاوية الخضوع لمصدر السلاح الغربي له صلة بغاية أخرى يتواصل العمل على تحقيقها من سنوات وهي مجسدة بالمخطط الذي تقوده الولايات المتحدة لتغيير العقيدة القتالية للجيش اللبناني وعبر الرهان بالتراكم على إحداث اختراقات امنية واسعة داخل الجيش وفرض تعديلات هيكلية ومنهجية تجعل من الجيش اللبناني قوة مناهضة للمقاومة من خلال تفكيك معادلة القوة الناتجة عن تلاحم هاتين القوتين منذ اتفاق الطائف وإعادة توحيد الجيش اللبناني برعاية سورية      ودعمها .

هذه الغاية الأميركية يسعى لتحقيقها فريق من الضباط والخبراء الذين يعملون من خلال أطر التعاون والتدريب ويسعون بصورة متواصلة للتأثير في بنية الجيش اللبناني وفقا لتوجه طرح في الكونغرس وكان موضوعا لتقارير ودراسات اميركية عديدة اعتبرت توثيق النفوذ الأميركي والغربي داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية من شروط السعي لتعديل التوازنات في لبنان .

لا ينبغي ان يخجل الوطنيون اللبنانيون داخل السلطة وخارجها من خوض معركة الدفاع عن منطق توازن الهبات العسكرية ومنع إسقاط الهبتين الإيرانية والروسية فهذا هو الحد الأدنى بينما يستدعي الاعتبار السيادي أكثر من ذلك بداهة عبر تحصين الجيش اللبناني وقطع جميع الطرق امام التدخل الغربي في شؤون المؤسسة العسكرية بأي ذريعة كانت .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.