روسيا والصين وإيران… والمنطقة العربية

جريدة البناء اللبنانية-

محمد شريف الجيوسي:

لا أحد لدى قوى التقدّم والتحرر والمقاومة ورفض التطبيع مع كيانات العدوان والتبعية في الوطن العربي والمنطقة والعالم؛ يتجاهل أو ينكر دور دول كبرى كـ الاتحاد الروسي والصين الشعبية وإيران الإسلامية؛ في درء العدوان والإرهاب والتنمّر على سورية وغيرها، وتحقيق نوع من توازن القوى الدولي لصالح قوى ومجتمعات السلم والدول والشعوب الضعيفة ووضع حدّ للتغوّل الإمبريالي والأميركي والبريطاني والأوروبي الغربي والصهيوني.. وإرهابهم وأتباعهم في العالم وعملائهم و(مريديهم).

ولا بدّ أنّ دور روسيا والصين وإيران ودول أخرى غيرها بدرجة أدنى، كان مكلفاً لها، حيث تكبّدت تضحيات بشرية وعسكرية واقتصادية ومالية وسياسية واستخبارية، ووجهت لها على شكل استفزازات وتهديدات وحصارات واغتيالات وإشاعات وافتعال معارك جانبية وحروب صغيرة وكبيرة دونكيشوتية ومحاولات إحداث تغييرات قسرية لغايات عدوانية توسعية نهباً للثروات ومشاغلة لها عن التطور والنمو وعن كل ما هو إيجابي.

حتى إذا حان الوقت انقضّ الطامعون الإمبرياليون الاستعماريون الغربيون الصهاينة؛ في ظنهم، والتابعون لكلّ هؤلاء، لقطاف نتاج ما خطط له، لكن لا بواكي للتابعين فهم يعملون لصالح مضطهديهم؛ لحمايتهم من شعوبهم، لكن هذه الحماية الوهمية هي قيدهم الذي ستكفّ به أيديهم، بذريعة أنهم اضطهدوا شعوبهم، وفي الحقيقة، أنّ شعوبهم ضحية مزدوجة كما حدث في العديد من دول العالم، التي حوّلوها إلى كيانات فاشلة إلى حان قطافها بيسر.

قلنا لا أحد ينكر أدواراً إيجابية لكلّ من روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا وغيرها، بأحجام معينة لكلّ منها وفي اتجاهات مختلفة، ونقول أيضاً إنّ الدول الداعمة مهما اقتربت مصالحها من دول أخرى شقيقة أو صديقة أو من جذور واحدة، وتربطها علاقات أو صلات من نوع تاريخي أو جغرافي أو إيماني أو مصالح استراتيجية موضوعية وغيرها، هي ليست جمعيات خيرية، بخاصة تلك التي لا تستعمر دولاً أخرى ولا تشنّ حروباً خارج حدودها ولا تفرض أيديولوجياتها بالقوة أو الخداع، لكن يبقى دعم رفاه شعوبها واستقرارها أوّلى من غيرها مهما بلغت الصلات مدياتها.

أما دول الاستعمار والاحتلالات والحروب والاستكبار والامبريالية، فهي (أشطر) لا تقدّم منحاً أو مساعدات أو قروضاً من (جيبها) الخاص، إنما مما تنهب أو تبتز من ثروات غيرها، وتستدرج شعوباً ودولاً فتحوّلها إلى كيانات فاشلة، متعثرة اقتصادياً ومالياً، وإنْ لم تستطع فرضت عليها الاستدانة، وتقبل ما تزعم أنه مساعدات ومنح وقروض، مبرمجة اقتصاداتها في خدمة الإمبريالية وسلب أصولها المالية والاستثمارية، وبالتالي إسقاط قرارها السياسي المستقل لصالح أعدائها وعملاء الداخل المرتبطة مصالهم بالخارج.

قلنا لا أحد ينكر دور روسيا والصين وإيران دفاعاً عن السلم العالمي وتوازن القوى الدولي والمساعدة على تخليص دول وشعوب من براثن أعدائها وقوى العدوان، ولكن هل هذا كلّ شيء تستطيعه روسيا والصين بخاصة، دفاعاً عن مصالحهما وأمنهما واستقرارهما!؟ باعتبار أنّ الدولة الوطنية السورية (كمثال) خط الدفاع الأول عنهما، وللكلّ أن يتخيّل ماذا لو أن سورية سقطت في يد العصابات الإرهابية والمشغّلين لها، إقليمياً ودولياً!

وماذا أيضاً لو ترك لـ “إسرائيل” حرية الاستمرار في توجيه ضربات عسكرية لسورية مدنية واقتصادية وأمنية، رغم أنّ السلاح الرئيس فيها هو سلاح روسي.. ألا يشكل ذلك إهانة لتميّز السلاح الروسي، من جهة، وما قد يفهمه المواطن العربي؛ بأنه صمت روسي غير مفهوم؛ عن تعرّض حليفتها الرئيسة في المنطقة لهذه الضربات (بغضّ النظر عن إسقاط وإفشال العديد منها) وهي الضربات المعيقة للاستثمار في سورية، ما يفعّل الحصار الأميركي الغربي والتابع له، ويقوّي بقايا العصابات الإرهابية، ويشكل حرباً على قيمة صرف الليرة السورية، وبالتالي إفقار وتجويع الشعب السوري الصامد.

ثم ألن يستدعي استشعار “إسرائيل” لقوتها هذه، من فرض اشتراطات على روسيا، كمنح يهودها مزايا استثنائية عن بقية المواطنين الروس، وتحريك قوى خفية يهودية لفرض تلك الاستثناءات والابتزاز، الأمر الذي يستوجب على الاتحاد الروسي الحيلولة دون تمادي “إسرائيل” في العدوان على سورية، ألا يفترض أن يتمتع الإقليم بقدرات كافية للحيلولة دون مزيد العنجهية “الإسرائيلية”؟

أما الصين المستهدفة من الشيطان الإمبريالي الأكبر؛ أميركا، والتي تحرّض ضدّها (الإيغور) وبعضهم يقاتل في سورية ضدّ الأمن والاستقرار والحرية فيها باتجاه التخلف والتكفير والجهل، وحرّكت بجانبها جبهة أفغانستان.. ألا تستحق سورية من الصين وروسياً دعماً أكبر ضدّ الدول والجهات المعروفة جيداً؛ الداعمة للإرهابيّي… أليس بمقدور الصين الإستثمار الواسع في سورية، وتقديم تريليون دولار؛ مثلاً، من بين عديد التريليونات والسندات الأميركية المجمّدة فيها… وتمكينها من كسر الحصار، فهو ليس كسراً للحصار عنها فحسب وإنما هو كسر للمخاطر عن الصين أيضاً.

ولن يضرّ ذلك الصين في شيء، لأنها في النهاية ستستردّ ما قدّمت من دعم، وتكون بذلك قد ردّت لأميركا الصاع صاعاً على الأقلّ، وكرّست وجودها الإقليمي في المنطقة وصداقتها لقواها الحية، ما يخدمها استراتيجياً، في منطقة يطمع العالم أن يكون له فيها موطئ قدم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.