سباق أوروبي في المنطقة المغاربية

صحيفة البعث السورية-

هيفاء علي:

تنم زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة للجزائر، وزيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك إلى المغرب إلى أن هاتين الدولتين الأوربيتين تبحثان عن الطاقة في ذات الوقت، والغرض من الزيارتين هو تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية، حيث تهدد أزمة الطاقة دول الاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة في أوكرانيا، فالجزائر مدرجة في قائمة أكبر مصدري الغاز، والمغرب هو أحد القادة المحتملين في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

كانت رحلة ماكرون السابقة إلى الجزائر قد تمت في بداية فترته الرئاسية الأولى في كانون الأول 2017، واستدعت الجزائر مرتين سفيرها في باريس، الأولى في آيار 2020، والثانية في تشرين الأول 2021. وهكذا ظلت العلاقات بين البلدين غارقة في الذاكرة التاريخية والمطالب المتبادلة، على الرغم من أن إيمانويل ماكرون حاول مراراً طي صفحة الماضي بعد الفضيحة الدبلوماسية الأخيرة التي احدقت به حيث اضطر إلى تقديم الإعتذار للشعب الجزائري، مع العلم أنه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في نيسان الماضي، هنأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ماكرون على إعادة انتخابه ودعاه لزيارة الجزائر.

في حزيران الماضي، أعرب الزعيمان عن رغبتهما في تعميق العلاقات بين البلدين، وقد كان توقيت الزيارة رمزيا للغاية، حيث احتفلت الجزائر بالذكرى الستين لاستقلالها. ورغبة منه في أن تركز الزيارة الرسمية على الشباب والمستقبل، خطط الرئيس الفرنسي أيضاً لعقد اجتماع مع رواد الأعمال الشباب والشركات الناشئة. لكن حتى لو تم التأكيد في باريس، بأن الغرض من الزيارة هو إنشاء قاعدة صلبة للاتصالات المستقبلية، فإن الغرض الرئيسي الذي جاء ماكرون من أجله هو الحصول على الطاقة لأن الجزائر هي واحدة من أكبر مصدري الغاز، وأحد الموردين الرئيسيين لناقل الطاقة هذا إلى فرنسا بحصة سوقية تبلغ 8٪، على الرغم من أنها متأخرة كثيراً عن النرويج (36٪) وروسيا 17٪ قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وقد ضم الوفد الفرنسي الرئيس التنفيذي لشركة “إنجي” كاثرين ماكجريجور التي مددت في شهر تموز الماضي مع شركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية “سوناطراك” اتفاقية التعاون بينهما حتى عام 2024. إذاً يريد ماكرون من الجزائر زيادة إمداداتها من الغاز، كما فعل رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي الذي زار الجزائر مرتين في العامين الماضيين. وبحسب بيان صادر عن “سوناطراك”، زودت الجزائر إيطاليا بـ 13.9 مليار متر مكعب من الغاز منذ بداية عام 2022، بزيادة 113٪ عما كان مخططاً له في البداية بين “سوناطراك”، ومجموعة “إيني” الإيطالية التي وقعتها في الجزائر العاصمة، وهي اتفاقية في مجال الغاز.

ووفقاً للخبراء، ليس لدى الجزائر العديد من الفرص لزيادة صادراتها من الغاز، فهي بالكاد تزيد إنتاجها وتستهلك هي نفسها المزيد من هذا النوع من الوقود، ولكن تمت زيادة على الغاز لإيطاليا بشكل أساسي بسبب الكميات التي تم توريدها سابقاً إلى إسبانيا عبر المغرب بعدما تم إيقاف عمليات التسليم هذه بسبب المشاكل السياسية بين الجزائر العاصمة والرباط، وأيضاً لأن طريق العبور الغربي لم يعد مفيداً اقتصادياً للجزائريين.

وفيما يخص المغرب وملف الصحراء الغربية التي تعتبرها المغرب جزءاً من أراضيها، فقد أبدت الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة المستشار أولاف شولتس اهتمامها باستئناف العلاقات مع المغرب وتحسينها، حيث أعربت برلين عن استعدادها لدعم مقترحات الرباط لحل نزاع الصحراء الغربية، وكذلك جهود الأمم المتحدة لتحقيق هذه الغاية. ولهذا السبب كانت زيارة أنالينا بربوك للرباط من أجل اعادة إطلاق العلاقات الدبلوماسية، بحسب برلين، لكن هدف الزيارة الحقيقي هو أيضاً الطاقة وأمور أخرى، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 3.5 مليار يورو، وحوالي 300 شركة مغربية مملوكة لرأس مال ألماني. والأهم من ذلك، وفقاً لتقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في كانون الثاني 2022، فإن المغرب من بين الدول الخمس الأولى التي لديها إمكانات لإنتاج الهيدروجين الأخضر إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية وأستراليا وتشيلي. وقد أشارت أنالينا بربوك ونظيرها المغربي ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي عقد في الرباط مؤخراً، إلى أن المملكة يمكن أن تبدأ في إنتاج الهيدروجين الأخضر الخاص بها في غضون ثلاث سنوات، ولديها كل ما تحتاجه لتصدير الهيدروجين. أي طاقة نظيفة إلى الإتحاد الأوروبي بشكل عام ولألمانيا بشكل خاص. ومن المعروف لدى خبراء الاقتصاد أن المغرب لا يزال يعتمد على إسبانيا في الطاقة، لكنه يسعى لتصحيح الوضع، لذلك من المقرر أن يتم مد أربعة كابلات بطول 3800 كم بين المغرب وبلدة ألفردسكوت الصغيرة في شمال إنكلترا بين عامي 2025 و2027. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن توفر حوالي 8 ٪ من استهلاك الطاقة في المملكة المتحدة.

باختصار، تندفع إيطاليا وألمانيا وفرنسا إلى المنطقة المغاربية لكبح أزمة الطاقة الخطيرة التي تطرق أبواب أوروبا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.