سوريا… من يشعلها سيحترق بها أيضاً

syria_map

موقع إنباء الإخباري ـ
د. وسام نحلة:

لا يبدو أن الإدارة الأميركية وحلفاءها سيقتنعون قريباً بضرورة التعامل مع الأزمة السورية بمنطق العقل وتغليب لغة الحوار الجاد لإيجاد مخرج سياسي وسلمي لتطورات الأحداث الكارثية التي باتت تنذر بنتائج خطيرة إقليمياً ودولياً، بسبب غموض هوية مرتكبي مجزرة استخدام السلاح الكيماوي.
وبنظرة سريعة على آخر مستجدات الوضع الدولي من احتمال ضرب سورية عسكرياً، نلاحظ ضبابية الموقف الأميركي وتردده في تصعيد الأمور لضرب سورية، ولاسيما بعد انتهاء أعمال قمة العشرين واتضاح مواقف كبرى الدول والرأي العام الدولي ممثلاً بمنظمة الأمم المتحدة، فضلاً عن تراجع الدعم البريطاني والفرنسي لأميركا، لتجد واشنطن نفسها في موقف ضعيف، فهي من جهة فقدت جزئياً دعم حلفائها الرئيسيين، ومن جهة أخرى ما تزال السجالات داخل أروقة الإدارة الأميركية مستمرة، فالكونغرس الأميركي لم يحسم قراره بعد حول طلب الرئيس أوباما، وسط توقعات بألا يحظى ذلك بتأييد كبير.
ولذلك وجدت الإدارة الأميركية نفسها مضطرة للخروج من مأزقها، بقبول المبادرة الروسية الأخيرة حول الشأن الكيماوي السوري، والتعاطي معها بدءاً من أوباما الذي قال بإمكانية تجنب القيام بعمل عسكري ضد سورية إذا كانت المبادرة الروسية “حقيقية”، بينما أعرب وزير خارجيته جون كيري استعداده لبحثها مع موسكو، كما أكدت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي استعداد بلادها لبحث المبادرة الروسية التي جاءت في أعقاب مباحثات مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري، الذي أعرب عن ترحيب بلاده بالمبادرة، انطلاقاً من حرص القيادة السورية على أمن البلاد وحياة شعبها، وسعياً لتجنب الضربة الأميركية.
ووسط سيل الاتهامات المتبادلة، وأعمال فرق التفتيش الأممية، لحسم هوية الجهة التي استخدمت السلاح الكيماوي، يستبق الرئيس أوباما الأحداث للحصول على الدعم اللازم داخل إدارته لتوجيه ضربة عسكرية لسورية، متجاهلاً معارضة أكثر من 90 بالمائة من شعبه لذلك، في بلد لا ينفك يتشدّق بنموذجه الديمقراطي الذي يحاول تعميمه على العالم، أو بالأصح (فرضه بقوة السلاح أو السطوة الاقتصادية)، الأمر الذي يطرح سؤالاً هاماً حول الأسباب الحقيقية وراء نوايا الإدارة الأميركية وصدق مزاعمها بحرصها على مصالح الشعب السوري وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية.
في المقابل يعاني حلفاء واشنطن من ظروف داخلية مشابهة، فالأصوات المعارضة لأي ضربة أو تدخل عسكري في سورية تتصاعد يومياً، ما أوقع الدول الغربية المعارضة للحكومة السورية في مأزق سياسي داخلياً وإقليمياً ودولياً، لا سيما في ظل المكاسب السياسية والعسكرية التي يحققها النظام السوري خلال الأشهر الأخيرة، فكان لا بد لهم من استغلال أي حدث ليحاولوا استعادة زمام المبادرة واستعادة دورهم المحوري في الضغط لإسقاط النظام السوري بأي شكل.
ولذلك وجدت واشنطن وحلفاؤها الفرصة مناسبة من خلال استغلال قضية السلاح الكيماوي لتبرير ضرب سورية وحفظ ماء الوجه السياسي، ولتبرير دعمهم العسكري واللوجستي والاقتصادي والإعلامي للمعارضة منذ بدء الأزمة السورية، فالضربة العسكرية المزمعة ذات أهداف سياسية ولكن بطابع عسكري، والرسالة من خلالها تقول: “إن المؤامرة السياسية على سورية مستمرة، وإنهم لن يسمحوا بحل الأزمة السورية إلا وفقاً لما يكون مناسباً لمصالحهم فقط”.
تتصاعد وتيرة التحضيرات لضرب سورية عسكرياً رغم معارضة الرأي العام الدولي، وتشكيك بان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة، بشرعية الضربة الأمريكية المقترحة دون دعم الأمم المتحدة، الأمر الذي يثير جملة واسعة من الأسئلة حول تداعيات ذلك على الأزمة السورية والشعب السوري من جهة، ونتائج هذا العمل غير الشرعي على مستقبل المنطقة والعالم من جهة أخرى، فضلاً عن الحكم بالموت على منظمة الأمم المتحدة التي لطالما عجزت عن فعل شيء تجاه أحداث مشابهة وقعت سابقاً في كوسوفو والعراق الخ..
ويبقى السؤال الأهم: ربما ستنفذ واشنطن وحلفاؤها قرار ضرب سورية عسكرياً، فهذا أمر بسيط بالنسبة لمن ينتهك القانون الدولي، وهو أمر أبسط بالنسبة لمن يمتلك القوة العسكرية والاقتصادية، لكن.. هل سيضمن هؤلاء النتائج بعدها؟ وهل سيكونون في مأمن من تداعيات ذلك على مصالحهم في العالم؟ وماذا عن الشعب السوري وحل الأزمة السورية؟ فمن السهل إشعال النار، لكن من الصعب جداً إطفاؤها أحياناً، أو البقاء بمنأى عن ألسنة لهيبها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.