سورية تعود بكبريائها… نقطة تحوّل تاريخية

جريدة البناء اللبنانية-

تمجيد قبيسي:

من بعد سنين عجاف ظَمِئت خلالها جامعة الدول العربية، ها هي اليوم تُروى من مياه الشام التي ستكون دواء لداء التشتت العربي، تعود سورية لملئ الفراغ الذي تركته خلفها بعد ان قرّرت الدول الأعضاء في الجامعة إعادتها الى عضويتها في خطوة تاريخية تعزز التضامن العربي وتعيد توحيد الدول العربية، وفي ذات الوقت تُشكل امتعاضاً للأميركي الذي تلقى صفعةً من كلّ يدٍ رُفعت في القمة تأييداً لعودة سورية، فما إيجابيات هذه الخطوة إقليمياً؟ وعلى أيّ أصعدة ستكون؟ وهل للبنان حصة منها؟
‎تعدّ عودة سورية إلى جامعة الدول العربية خطوة هامة نحو استعادة العلاقات العربية والتعاون بين الدول الأعضاء، فالجامعة تمثل المنبر الرئيسي للحوار والتشاور العربي، وتعزز التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي بين الدول العربية، ومن المتوقع أن تساهم عودة سورية في إعادة بناء الثقة وتعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة وستتاح للدول العربية فرصة قيّمة لتنسيق المواقف والجهود لمواجه التحديات المشتركة، كما ستعزز الجامعة التعاون في مجالات عدة، مثل مكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار السياسي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، والأهم إيجاد حلٍ سياسي يُختتم به كتاب الحرب السورية.
في هذا السياق ينبغي على الدول العربية الأعضاء أن تواصل العمل مع سورية من أجل تعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التبادل الثقافي والتجاري والاقتصادي، فهذه فرصة لإعادة بناء الثقة وتعزيز العمل العربي المشترك لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، بالإضافة الى تسهيل المبادرات والمشاريع العربية المشتركة التي تهدف إلى دعم الاستقرار والتنمية في سورية، مثل إعادة إعمار المناطق المتضرّرة وتوفير الدعم الاقتصادي والإنساني، فاستعادة الثقة ستعكس قدرة سورية على لعب دور فاعل في شؤون المنطقة وستفتح الأبواب أمام حوارات جديدة ومناقشات بناءة بين الدول الأعضاء، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ «قانون قيصر» ما زال قائماً وملزماً للدول الأعضاء، وبالتالي فإنّ أيّ تغيير في تأثيره على سورية يتطلب إجراءات دبلوماسية وسياسية إضافية وهنا تتمثل فرصة أخرى للوقوف بجانب سورية وإعادة الثقة معها.
في هذا الإطار فإنّ عودة سورية إلى جامعة الدول العربية ستعزز الجهود العربية لتوفير الدعم والمساعدة لعودة اللاجئين الى بلادهم، فالتعاون بين الدول العربية والمنظمات الدولية سيساهم في تأمين الاحتياجات الأساسية للعائدين، مثل السكن والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، مما يشجعهم على العودة مطمئنين، ومع ذلك يجب علينا الإدراك بأنّ عودة النازحين السوريين ليست بهذه السهولة، فالمساعدات وتأمين الاحتياجات الفعلية لهم في كفة والقرار السياسي بشأن عودتهم في كفة أخرى، فبناءً عليه يجب أن تكون هناك إرادة سياسية قوية من الدول المعنية والمجتمع الدولي لتسهيل وتسريع عملية العودة وهذا دور الدول العربية للتنسيق مع الحكومات المعنية لأخذ القرار وبهذا تلقائياً ستسير الدول والجمعيات الدولية المعنية بحقوق النازحين قدُماً وتباشر بإجراءات إعادتهم لبلدهم.
‎في إطارٍ متصل يعاني لبنان من تحديات عديدة، الاقتصادية منها والسياسية، لكن عودة سورية ستسهم في تخفيف بعض هذه التحديات وتحقيق بعض الفوائد التي تتمثل بفتح فرص التجارة والاستثمار بين البلدين واستغلال الأسواق السورية مما يعزز التبادل التجاري ويعطي دفعة إيجابية للأعمال والاستثمارات في كلا البلدين. كما وعلينا التطرق لملف تعزيز التعاون الأمني بين البلدين من أجل مكافحة الإرهاب والسيطرة نسبياً على الأمن الحدودي، مما يساهم في الحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، كما وبعودة سورية الى الواجهة السياسية في المنطقة ستتاح فرصة لتعزيز الحوار السياسي بين بيروت ودمشق لحلّ القضايا العالقة، وعودة النازحين والعمل بترسيم الحدود البحرية…
وفي مقلب آخر فإنّ العديد ممن راهنوا على سقوط سورية سيكون على رأس أعمالهم خلال الفترة المقبلة إعادة العلاقات بعد قراءتهم الخاطئة منذ بداية الأزمة السورية، وهنا سيكون لحزب الله إذا أراد الدور الفاعل بين هؤلاء وبين دمشق.
باختصار… تعزز عودة سورية إلى جامعة الدول العربية التعاون والتواصل بين لبنان وسورية وستفتح هذه العودة الباب أمام فرص جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.
ختاماً يجب الإشارة إلى أنّ عودة سورية ليست خطوة سحرية لحلّ جميع التحديات التي تواجهها البلاد، فلا يزال هناك العديد من المسائل العالقة والتحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي يجب معالجتها بشكل فعّال لتحقيق الاستقرار والتنمية في سورية، لكنها خطوة إيجابية نحو تعزيز التعاون والتواصل بين الدول العربية، وتسهم في تعزيز الاستقرار والوحدة العربية، كما يجب أن تتركز الجهود خلال الفترة المقبلة على إحلال السلام في البلاد، والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا القرار ويُجيب عن معظم الأسئلة، هل سيُشارك الرئيس بشار الأسد في القمة المقبلة التي ستُعقد في الرياض بعد أيام؟ وهل سنشهد عودة عودة معادلة سين سين؟ لنترقب… فالأنظار في هذه الحقبة من الزمن متجهة نحو العالم العربي الجديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.