سيناريوهات قوات فاغنر: إنقلاب أم خدعة حرب!

موقع الخنادق-

زينب عقيل:

استحقّ يوم السبت في 24 من شهر حزيران يونيو 2023، أن يقال أنه كان يومًا من التاريخ حيث كان قادة الكوكب، وكل الفاعلين الدوليين والعالميين يترقبون نتيجة هذا النهار الذي كان من الممكن أن يقلب الطاولة على الجميع.

الواقع أن توازنات اللاعبين العالميين في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لا تشبه تلك التي كانت تدير العالم في كل الأحداث المفصلية في القرن الماضي. كان السؤال الأول عند إعلان قائد فاغنر يفغيني بيريغوجين عن ما أسماه “مسيرة العدالة”، للزحف نحو موسكو، هو “هل حقًا سمح بوتين لهذا الرجل أن يصنع قوة يمكن أن تطيح به في يومٍ من الأيام؟

في أول تلقٍّ للخبر شكّ الكثير من الناس في أن يكون ذلك حقيقيًا، وبدأ الحديث عن سيناريوهات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وكل ما بينهما، إلا أن الصحافة الغربية ركزت على أن ما حصل لم يكن إلا خداعًا للغرب. في حين سارع الغرب ممثلًا بالناتو للاتصال بالجانب الروسي وتوضيح عدم علاقتهم بالتمرد، وبالطبع السؤال عن مصير أكثر من 104 آلاف رأس حربي نووي جاهز للاستخدام الفوري.

ملخّص عملية التمرّد

لا يمكن التأكد من الدوافع الحقيقية للاعبين الرئيسيين وخاصة بريغوجين. اتهم الرجل الذي شارك مقاتلوه في صراعات في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط – سوريا والسودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى – اتهم الجيش الروسي بقتل “كمية هائلة” من مرتزقته في غارة جوية على قاعدته. ثم دعا إلى تمرد مسلح، متعهدًا بالإطاحة بالقادة العسكريين الروس. كان بريغوجين يوجه الإهانات إلى القيادة العسكرية الروسية منذ عدة أسابيع سابقة، ويسخر من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ويصفه بأنه كسول، كما وصف رئيس هيئة الأركان العامة بأنه عرضة “لنوبات الغضب بجنون العظمة”. ما جعل الكثير من المحللين يترقبون تمردًا قادمًا.

ليس معلومًا ما هي المطالب “الحقيقية” لبريغوجين لكي يصل إلى حدّ الانفصال عن الرواية الرسمية وارتكاب الخيانة العظمى بإلقاء اللوم على الروس مباشرة لشنّ الحرب على أوكرانيا. إذ تفوّه بالكثير من التصريحات التي تبعث برسائل واضحة: بأن الجيش الروسي قد شنّ حربًا لا طائل من ورائها. إلى أن شوهدت مركبات فاغنر تزحف على الطريق إلى روستوف، وبدأت النظريات تتكاثر:

قيل إنه ربما بريغوجين يتعامل مع الأوكرانيين، وهذه كلها مؤامرة متقنة من الغرب لإنهاء الحرب. وقيل إنه ربما كان الجيش الروسي يحاول حقًا وضع حد لعمليات بريغوجين، ومن حرمان جنوده من الأسلحة والذخيرة. كما قيل أيضًا إنه ربما هذه هي طريقة بريغوجين للقتال ليس فقط من أجل وظيفته ولكن من أجل حياته. فربما يشعر وهو اللص المدان الذي يعيش وفقًا للقانون الأخلاقي للطبقة الإجرامية المحترفة في روسيا، بأنه منزعج من القيادة العسكرية الروسية ويريد الاحترام. وربما، ربما فقط، لديه سبب وجيه للاعتقاد بأن بعض الجنود الروس على استعداد للانضمام إليه حسبما عبرت صحيفة أتلانتيك.

معلومات استخبارية أن فاغنر كانت تستعد لللانقلاب منذ أشهر

ولدى متابعة سلسلة من حسابات تليغرام غير الرسمية، والمدونين الاستخباراتيين الغربيين والأوكرانيين من المصادر المفتوحة. ومجموعة من البلوغرز واليوتيوبرز والتي يشيع عنها بأنها مجموعات تحقيق موثوقة لأنها رائدة في استخدام المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر (wartranslated @، arictoler@، christogrozev@). علقت على الأحداث وأشارت إلى أن مجموعة فاغنر كانت تستعد لانقلاب قبل عدة أشهر. إلا أنّ تهليل بوتين لإنجازات فاغنر وعلى رأسها بريغوجين قبل شهر واحد فقط عند تحرير باخموت، بني عليه الكثير من التحليلات حول تجاهل بوتين لمعلومات الانقلاب بسبب حاجته الفعلية لبريغوجين وجنوده.

النخب المعارضة خدعت بريغوجين

لكن الصدامات لا مفرّ منها إذا تحسّس رجل مثل بريغوجين المكيافيليّ الطباع قوته. عندما طالب بريغوجين بأن يأتي إليه شويغو وزير الدفاع الروسي إلى روستوف، كان يجب أن يعرف أنّ ذلك مستحيلًا، “الطموحات الباهظة والمصالح الشخصية أدت إلى الخيانة”، هكذا علّق بوتين في خطابه على التمرّد. ردت قناة تلغرام التي يُعتقد بأنها تمثل فاغنر : “قريبًا سيكون لدينا رئيس جديد”. لكن العالِم بسيكولوجية الشعب الروسي، يعرف أن ثمة سوابق مماثلة في القرن الماضي (ثورة 1905 وثورة البلاشفة) كانت ملهمة للشعب الروسي لمزيد من المجد والصلابة، والالتفاف حول الرئيس الصلب، وهو ما ألمح إليه بوتين في خطابه. أما النخب الروسية المعارضة التي قيل إنها أعطت الضوء الأخضر لبريغوجين، فقد كانت صامتة بانتظار النتائج، وقد ذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية بأن بريغوجين كان يتوقع دعمًا أكبر من النخب الروسية، ثمّ قبل بالتسوية من قبل لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا عندما لم يجدهم.

الغرب وأوكرانيا استأجرت فاغنر

على المستوى الرسمي سارع الغرب في أول تعليق له إلى القول بأن ما يحصل في روسيا هو شأن داخلي، وبعد وقت قليل تمّ التداول في العواجل الإعلامية بأن واشنطن قد رفعت قيود الحظر عن بريغوجين حتى لا تبدو بأنها طرف في هذه العملية، لكن لم نجد لها مصدرًا رسميًا.

سكوت ريتير، وهو ضابط سابق ومحلل عسكري أمريكي (مشهور بأنه يقدّم معلومات وليس تحليلات)، اعتبر أن فاغنر قد تمّ استئجارها من الغرب وأوكرانيا لقيادة انقلاب على بوتين. وقال إنه تمّ القبض على خلايا إرهابية أوكرانية قبل يومين من قِبل المخابرات الروسية، كانت تعدّ لعمليات تجعل الروس يطالبون بقدوم فاغنر لتحريرهم من الأوكران، على أنّ التنسيق بين فاغنر والمخابرات الأوكرانية، كان يتمّ عن طريق المخابرات البريطانية. في حين أضاف جورج غالاوي السياسي والصحافي البريطاني المعروف إلى هذا السيناريو ثلاثة أطراف أخرى هي المخابرات الأمريكية والألمانية ومخابرات من دولة شرق أوسطية دون أن يصرّح أو يلمح من هي هذه الدولة. في المقابل تحصل فاغنر على 6.2 مليار دولار من البنتاغون، وهو المبلغ الإضافي الذي تمّ تقديره بشكل خاطئ لميزانية الأسلحة التي يرسلها البنتاغون إلى أوكرانيا، ولم تعترف بها أي جهة بأنها قامت بدفعها لحدّ الآن.

هل خدع بريغوجين الغرب؟

أمّا عن السيناريوهات التي خدعت الغرب فهي كالتالي: الأول أنّ الروس هم من أرادوا وضع فاغنر في بيلا روسيا في مواجهة ليتوانيا وبولندا، وآخر يقول إن فاغنر استولت على المليارات وبالاتفاق مع بوتين أجهضت التمرّد، أما الآخير وهو الأكثر شهرة بين الثلاثة، هو أن تمرّد فاغنر لم يكن سوى خدعة حرب، قد وقع فيها الغرب. وكل ما حصل كان أداءً تمثيليًا رائعًا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.