سيناريو صهيوني جديد: الجيش يد الإرهابيين الضاربة.. والهدف

hassan-choukeir-israel-syria

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير*:
ما كان لافتاً للأنظار في التطورات الميدانية المتسارعة في سوريا مؤخراً، كان تسعير الإرهابيين للجبهة الجنوبية فيها، وذلك سبقه ورافقه ولحقه أيضاً، دخولٌ صهيوني مباشر على خط هذه الجبهة، وذلك في مجموعة من الرسائل الموجهة إلى بعض الأطياف السورية في تلك المنطقة، وذلك فيما سبق وأسميته في مقالتي السابقة، بأنها استراتيجية الكيان الصهيوني في وأد الأقواس التي يمكن لها أن تكون معدةً من قِبَل الدولة السورية ومعها القوى المساندة والشعبية في تلك المنطقة، وذلك لتطويق ارهابيي جنوب سوريا في أي معركة قادمة  لإجتثاثهم …
تطورات هذه الجبهة تزامنت أيضاً مع عزم وحزم المقاومة والجيش السوري في القضاء على ما تبقى من الحزام الإرهابي المُستنزف لجبهة النصرة في القلمون وجبال السلسلة الشرقية، وصولا ً إلى القضاء على رأس الحنش الإرهابي في جرود عرسال وجرود الجراجير وقارة السوريتين على تخوم البقاع الشمالي..
أسئلةٌ كثيرة لابد من طرحها في ظل تسارع التطورات الميدانية أعلاه:
– ما الذي يدور في رأس الصهاينة، الداعم الأول للإرهابين في الجنوب السوري؟
– وما علاقة القضاء على الحزام المستنزف للنصرة في القلمون، والبدء بتهشيم رأس الإرهاب لداعش في جرد عرسال والجرود السورية.. بتطورات الجبهة الجنوبية؟
– هل هذه المعركة المفتوحة مجدداً هناك، ستكون وجهتها دمشق؟ أم أن لها أهداف خفية وخلفية؟
– هل من سيناريو صهيوني جديد للجنوب اللبناني في ضوء تطورات الجبهة المتاخمة له عند الحدود مع سوريا وفلسطين المحتلة؟ أم أن ذلك الحراك الإرهابي في الجنوب السوري أتى كتعويض عن الخسارة الصهيونية المحتومة على الحدود الشرقية والشمالية للبنان؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها في هذه الأيام، وخصوصاً في ظل الكباش الصهيوني مع المقاومة، والحاصل منذ أن بدأت هذه الأخيرة بتهشيم استراتيجية الكيان الصهيوني في كيفية الحفاظ على أمنه بعيد انطلاق ما سُمي بربيع العرب في العام ٢٠١٠، وتحديداً بعيد استعار الحرب الكونية على سوريا في العام ٢٠١١، وذلك في خضم ذاك الحريق العربي… وقد كنت قد كتبت حول تلك العقيدة الصهيونية المتجددة في تلمس الصهاينة لأمن كيانهم عن طريق “استقرار طوقهم”، وذلك كان في مقالة “استقرار الطوق والذراع المستعصية” والتي نشرتها بتاريخ  02-09-2013، والتي توصلت فيها إلى أن الذراع اللبنانية المقاومة ستعيد الالتفاف على ذاك الطوق الصهيوني الذي يطوق الصهاينة لتثبيته حولهم…
منذ ذاك التاريخ يستحكم الصراع في هذه الدائرة بالتحديد، حيث يتركز كل السعي الصهيوني، عبر أدواته الإرهابية المباشرة وغير المباشرة في تطويع التطورات الميدانية في المنطقة برمتها، وذلك في سبيل خدمة نظريتهم الأمنية تلك..
بالعودة إلى تلك الأسئلة أعلاه، فإن الهلع الصهيوني من بدء عملية القضاء على ذاك الحزام الإرهابي على الحدود السورية – اللبنانية، لهو هلعٌ مبرر، وذلك لأن وصول تلك  العملية  إلى منتهاها، ستكون تداعياتها سلبية جداً على تلك النظرية الصهيونية في إشغال المقاومة من الخلف واستنزافها وتشتيت قواها على حد سواء..
مجموعة من السيناريوهات التي يمكن أن تدور بالرأس الصهيوني، جرّاء تلك التطورات الميدانية في تلك المنطقة.. تنطلق من محاولتهم التخفيف من الضغط الحاصل على الإرهابيين في منطقة الحدود بين لبنان وسوريا، وذلك من خلال لفت العين المقاومة مجدداً إلى جبهة الجنوب في شبعا، والتهديد الإرهابي المتواصل من إمكانية اختراقها.. فضلاً عن إعادة تذكير المقاومة بأن تهشيم حزام إرهابي في بقعة ما… سيصاحبه فتح أحزمة جديدة في تخوم العاصمة السورية، والتي تُعتبر أحد الخطوط الحمراء لدى محور الممانعة برمّته..
سيناريو ثانٍ قد لا يكون مغيباً عن بال الصهاينة في ظل الحفاظ على نظرية الحماية تلك، ينطلق من خلال ما حاولوا تسريبه مؤخراً حول الاستعدادات الصهيونية لشن حرب جديدة على لبنان، وذلك عقب تلك المناورات الأخيرة التي جرت في داخل الكيان، والتي حاكت سيناريو مواجهة مع المقاومة، والتي كان لافتاً فيها التركيز على عملية تهجير مليونية للسكان، وتحديداً من الجنوب اللبناني، والذي أعقبه ردٌ من السيد نصرالله بتهجير الملايين من الصهاينة في مقابل ذلك…
ما الجديد في هذا التهديد الصهيوني، وهل يمكن أن يُربط بما جرى ويجري في الجبهة الجنوبية مع سوريا برمتها؟
للتذكير فقط، فإنه وبناءً على ما ذكرناه سابقاً في تلك المقالة حول نظرية الكيان المستحدثة في كيفية استقرار الطوق حوله، وذلك تجلى في الذراع السورية بإقامة ذاك “الجدار الطيّب” الإرهابي على تخوم الجولان المحتل، والذي ذكرنا من حينه أنه يمتلك وظيفةً مزدوجة لدى الصهيانية في الحماية والاستنزاف على حد سواء… وهذا كان على حساب قواعد الإشتباك الأساسية مع الدولة السورية، والتي كانت ترعاها قوات الإندوف في الجولان.. وذلك لحساب الإرهابيين على مرأى العالم بأسره!!
بالعودة إلى ذاك السؤال الذي طرحته أعلاه في السيناريو الصهيوني الثاني، فهل يمكن للعقل الصهيوني – اللاهث عن الأمن في جميع نواحي طوقه – أن يكون قد أعد سيناريو مشابهاً لجنوب لبنان، لذاك الذي حاكه في الجولان السوري؟ وذلك ربما يكون بتصعيد عسكري صهيوني مفاجئ مع لبنان، يبغي من خلاله تنفيذ مخططه التهجيري المذكور أعلاه، بأن يِفرّغ الجنوب من سكانه واليونيفيل على حد سواء، وذلك كمقدمة لتسهيل عبور الإرهابيين من الطرف الآخر للحدود مع سوريا نحو الجنوب اللبناني، وذلك لتحويل المعركة البرية من معركة أولية مع الصهاينة إلى معركة تالية مع الإرهابيين أنفسهم على أرض الجنوب اللبناني؟ وهل يبتعد ذلك عما يُعلن بشكل مستمر عن اكتشاف بعض الإرهابيين ضمن اللاجئين السوريين، وما تحويه هواتفهم النقالة من خرائط وإحداثيات؟ وبالتالي فإن الكيان الصهيوني يفترض أن هذا السيناريو سيقلب المعركة رأساً على عقب في المنطقة برمتها… بحيث أن ذلك سيحقق له حلم الانتصار على الذراع المستعصية، والتي أشرت إليها في تلك المقالة المشار إليها أعلاه.
هذا المخطط الصهيوني، يعلم الصهاينة قبل غيرهم بأنه لا بد للمقاومة من أنها قد وضعته في حسبانها، وذلك  من البدايات الأولية للدعم الصهيوني للجبهة الإرهابية الجنوبية في سوريا، وذلك كونها ترتبط ارتباطاً جغرافياً مع الجنوب اللبناني… لأجل ذلك كله فإن تسعير تلك الجبهة، إن لجهة السويداء أو القنيطرة، وتزايد الضغوط على طائفة الموحدين الدروز هناك، وذلك من خلال الإرهابيين المرتبطين بالكيان الصهيوني فيها.. يمكن أن يكون يهدف إلى وضع سيناريو صهيوني أخر، في وجه المقاومة، وذلك لإلزامها بالدفاع مقابل الإرهابيين، ومن على جبهة عريضة.. وذلك كتعطيل مسبق لأي تفعيل لإستراتيجية التحرير والتي قد تفكر فيها المقاومة، أقله فيما تبقى من أراضٍ محتلة في مزارع شبعا.. والمتاخمة لتلك الجبهة الساخنة في سوريا..
في الخامس عشر من هذا الشهر، كتب شاوول شاي (مدير قسم الأبحاث في معهد السياسة والإستراتيجيا التابع لمركز هرتسيليا، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً) في “ذي جيروزالم ربورت” مقالة تحت عنوان “سيناريو حرب لبنان الثالثة بين اسرائيل وحزب الله”، يخلص فيها إلى “أن الجيش الإسرائيلي له القدرة على هزيمة تنظيم حزب الله في ساحة المعركة إذا أُمر بذلك، ليس من أجل تحقيق هدوء مؤقت فحسب، بل من أجل إحداث تغيير حقيقي في الميزان الإستراتيجي للقوى على الجبهة الشمالية”. ركزوا على هذه الجملة الأخيرة من كلامه!!!
خلاصة القول، وبغض النظر عن أي من هذه السيناريوهات الصهيونية أعلاه في تسعير الجبهة الجنوبية في سوريا، فإن المقاومة ومعها الجيش السوري، ومحور الممانعة برمته، سيبقى ميزان الربح الإستراتيجي لصالحهم، إن لناحية تكريس الثلاثيات الذهبية في المنطقة برمتها، وذلك في مواجهة الأنواع المستحدثة من التهديدات الإرهابية المتكاملة والمتكافلة مع الكيان الصهيوني، وكذلك في ارتداد الكرة الإرهابية على أصحابها في التأثير والضغط على وحدة النسيج الشعبي والوطني في المنطقة برمتها بغية تفكيكها، وذلك مرده إلى أن عامل الزمن يفضح زيف “ضمانات ” الإرهابيين لبعض الشرائح الشعبية، والتي ستزداد قناعة يوماً بعد يوم، بصوابية خياراتها الإندماجية مع أقرانها الوطنية، كونه البديل الوحيد لتشيكل شبكة الأمان لها.. لا بل أن بعض هؤلاء قد فهموا الرسالة الصهيونية جيداً، والتي وصلتهم معمدةً بالدم في جبل السماق في ادلب…
لقد كتبت يوماً – في معرض السرد لكيفية تحويل محور الممانعة ، التهديد الذي أصابه إلى فرصة –   مقالةً بعنوان “حزب الله وجيوش الممانعة.. شكراً لكم”.. فهل سيُعاد “الشكر” مجدداً؟
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.