شبكة عملاء الموساد في صيدا: الرأس في حماية اليونيفل

saida-army

اصطياد شبكة لـ«الموساد»: تجنيد سوري.. ولبناني في «اليونيفيل»!..
«العميل المفتاح» موظف في «اليونيفيل».. ويتمتع بحصانة كيف يجنّد «الموساد» سورياً معارضاً.. وما هي الأهداف؟..
رأس «خلية صيدا» في حماية اليونيفيل

اصطياد شبكة لـ«الموساد»: تجنيد سوري.. ولبناني في «اليونيفيل»!
صحيفة السفير اللبنانية ـ
لينا فخر الدين

برغم انشغال «حزب الله» بالحرب السورية، فإن الإسرائيليين لا يغيرون جدول أعمالهم الهادف إلى العبث بالأمن الوطني اللبنانيّ، من خلال تأليف شبكات من العملاء، مهمتهم رصد المقاومة وشخصيات حليفة لها، بالإضافة إلى مؤسسات عسكرية وأمنية لبنانية تتكامل في مهامها وعقيدتها مع عقيدة أهل المقاومة.
والجديد في الأمر هو محاولة العدو الإسرائيلي استثمار بيئات سورية في لبنان تكنّ «العداء» للنظام السوري وحلفائه، وفي طليعتهم «حزب الله».
فقد كشفت المديريّة العامّة للأمن العام، أمس، شبكة مؤلّفة من اللبناني (هـ. مطر) واللبنانية (س. شكر) والسوري (ر. السيّد) الذي تبين أنه كان يقبض من مشغليه الإسرائيليين مقابل مهام المراقبة وجمع المعلومات عن بعض الشخصيات والمواقع العسكريّة تماماً كما كان يقبض من بعض شخصيات المعارضة السورية في تركيا لقاء نشاطه في لبنان.
ولم يستطع محققو الأمن العام استكمال التحقيق مع اللبناني (هـ. مطر) ولا حتى البتّ بوضعه القانوني (توقيفه)، نظراً لكونه يتمتّع بحصانة من خلال عمله منذ ثلاثين سنة مع «اليونيفيل»، وذلك برغم الشكوك الكبيرة التي تحوم حول أسباب دخوله المتكرّر إلى فلسطين المحتلّة بعد العام ألفين وامتلاكه رقمين هاتفيين لا يعملان ضمن الشبكة اللبنانيّة وقد مسح عنهما المعلومات والمحادثات كافة، ووجود حساب عبري له على موقع «فايسبوك» سارع الى ازالة كل الرسائل التي تلقاها سابقاً عبره.
وتطرح إشكالية الموظف اللبناني الدولي وضعية العشرات من أمثاله ممن يمكن أن يستغلوا الحصانة الدولية ويبادروا الى التنقل بين حدود لبنان وفلسطين بصورة دورية وفي مواكب الأمم المتحدة، مع ما يمكن أن يطرحه ذلك من علامات استفهام، ولو تم تغليف تلك الزيارات بعناوين عائلية كما فعل مطر نفسه.
وكان المشغلون الإسرائيليون يريدون من هذه الشبكة أهدافاً محدّدة تمهيداً لاغتيالها واستهدافها. ولذلك، فقد كلّف مسؤول ملفّ تجنيد العملاء في «وزارة الدفاع الإسرائيليّة» اللبناني الأصل طنوس الجلاد (ر. السيّد) برصد موكب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أثناء انتقاله من بيروت إلى بلدته كوثرية السياد، بالإضافة إلى النائب السابق أسامة سعد ونقاط تمركز الجيش اللبنانيّ في صيدا ومراكز تابعة لـ «حزب الله» و «مجمّع الزهراء».
ولأن منزل الموقوف (ر. السيد) ومكان عمله في صيدا (ساحة القدس)، كانا قريبين من منزلي الشيخين ماهر حمود وصهيب حبلي، فقد كان أمر مراقبتهما سهلاً بالنسبه إليه. وعليه، فقد أصدر «الموساد» سريعاً قراره ببدء تنفيذ مخطّط اغتيال حمود في تموز الماضي، غير أن العقبة الأبرز في التنفيذ تمثلت في عنصر بناء الثقة بين السيد ومشغليه وتقييمه أمنياً. إذ لم يكن أمام الإسرائيليين إلا خيار انتقال الرجل إلى فلسطين المحتلّة لمقابلتهم، بعد أن سقط خيار سفره بهويته الأصلية، حيث تبين صدور مذكرات توقيف غيابيّة بحقه بجرم السرقة.

«العميل المفتاح» موظف في «اليونيفيل».. ويتمتع بحصانة كيف يجنّد «الموساد» سورياً معارضاً.. وما هي الأهداف؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
لينا فخر الدين:
بعد انحسار موجة توقيف الشبكات الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، لمصلحة إلقاء القبض على مجموعات إرهابيّة محسوبة على تنظيمي «داعش» و «النصرة»، عاد موضوع ملاحقة المتعاملين مع «الموساد» إلى واجهة الاهتمام الأمني، مع تسجيل ظاهرة لافتة للانتباه مفادها وجود أهداف مشتركة بين الشبكات التكفيرية والإسرائيلية.
ولعل أهميّة شبكة التعامل مع العدوّ التي كشفتها المديريّة العامة للأمن العام تكمن في القبض على أوّل نازح سوري الى لبنان يعمل لمصلحة «الموساد» الإسرائيلي ويستحصل منه على الأموال عبر حوالات خارجيّة، تماماً كما يستحصل على الأموال من بعض الفصائل السوريّة المعارضة، لعمله معها، عبر حوالات من الخارج!
وبالإضافة إلى السوري وزوجته اللبنانيّة، فقد تمّ التحقيق ـ جزئياً ـ مع «مفتاح» هذه الشبكة: لبناني يعمل منذ 30 عاماً مع الأمم المتحدة في لبنان وحالياً هو موظف محاسبة في قسم الماليّة في القيادة العامة لقوات الطوارئ الدوليّة في الناقورة، إلى جانب عمله في مجال التبشير لمعتقدات شهود يهوا. والمستغرب أنّه تمّ التريث بالبتّ بوضعه القانوني بالإضافة إلى عدم استكمال التحقيق معه إلى حين رفع الحصانة الدولية عنه، علماً أنه محتجز بصورة مؤقتة لدى «اليونيفيل» في الناقورة.
ففي 27 تشرين الأوّل الماضي، أوقف الأمن العام بعد مراجعة القضاء المختصّ السوري ر. السيّد (مواليد حلب 1980) للاشتباه به أمنياً ولكونه موضوع ملاحقات عدليّة عدّة بجرم السرقة. ومع توقيفه، كرّت سبحة اعترافاته.
أقرّ الرجل، الذي يملك مقهىً بالقرب من «ساحة القدس» في صيدا، بارتباطه بالعميل الإسرائيلي من أصل لبناني طنوس الجلاد (يتولّى حالياً مسؤوليّة ملفّ تجنيد العملاء في «وزارة الدّفاع» الإسرائيلية) وبتكليفه في مجال الاستطلاع وجمع المعلومات لاستهداف شخصيات سياسية وعسكريّة ودينية ومراكز حزبية وعسكريّة.
وبرغم ما يكنه من عداء لـ «حزب الله» وكل من يدور في فلكه وقبوله بتنفيذ عمليات مراقبة لعدد من المقربين من الحزب، إلا أنّ لائحة الاستهدافات، التي كلّفه بها الجلّاد، لم تبقَ في إطار مراقبة الشيخين ماهر حمود وصهيب حبلي والنائب السابق أسامة سعد و «مجمع الزهراء» التابع للشيخ عفيف النابلسي ومراكز تابعة لـ «حزب الله» في منطقتي صيدا وحارتها وتحركات مسؤوليّه، وفق اعترافاته.
العدو الإسرائيلي كان يخطّط أيضاً لاغتيال المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم واستهداف الجيش اللبنانيّ. إذ إنّ السيّد كشف أنّ الجلاد أوكله مهمّة جمع المعلومات ومراقبة موكب عباس ابراهيم إبان مروره في صيدا في طريقه إلى مسقط رأسه كوثرية السياد، فضلاً عن مراقبة نقاط تمركز الجيش اللبناني في صيدا وتحرّكات الدوريات العسكرية.
وبعد أقلّ من 48 ساعة على توقيف السيّد، كان شخصان يجلسان في مقرّ التحقيق التابع للأمن العام، هما: زوجة الموقوف اللبنانيّة س. شكر (معروفة بأنّها خطيبته) وصديقه اللبناني هـ. مطر. وأكّد الإثنان خلال التحقيق معهما أنهما على معرفة مسبقة بعلاقة السيّد بالعدوّ الإسرائيلي.
في البدء، ظنّت شكر، وهي من البقاع الأوسط، أنّ زوجها قد تمّ توقيفه بسبب آرائه السياسيّة وعلاقته الوثيقة ببعض وجوه المعارضة السورية أمثال (ج. خ) و(م. أ.) الذي تلقّى منه حوالات ماليّة كمساعدات شخصيّة. ولذلك حاولت الاتصال بأكثر من شخص في لبنان لمحاولة الإفراج عنه، فيما كان أحد المحامين يشن حملة عبر «الفايسبوك» متهماً الأمن العام بـ «تركيب وفبركة» الملف لأسباب سياسية.
ولكن بمجرّد توقيف س. شكر، شكّلت إفادة الموقوفة ذات الميول اليساريّة السابقة والداعمة للمعارضة السورية، إثباتاً آخر على التّهمة المسندة إلى زوجها، مؤكدةً معرفتها بالمهام الموكلة إليه، ومعدّدةً الأسماء التي أخبرها زوجها بأنّه يقوم بجمع المعلومات عنها ومراقبتها.
كيف بدأت حكاية التّعامل؟
لم يتعب الجلاد كثيراً في تجنيد السيّد. إذ إنّ الموضوع لم يتطلّب منه إلا كبستين: طلب صداقة شكر والسيّد في العام 2014، عبر مواقع التواصل، ليتبيّن أنّ سبب التجنيد يعود إلى علاقة السيّد بمطر، الذي تعرّف عليه عن طريق اللبناني ر. ش. (من الكورة) لكون الإثنين يعملان في مجال التبشير بمعتقدات شهود يهوا. فالجلاد ومطر من بلدة عين إبل وتربطهما علاقة قرابة عن طريق زوجة الثاني، بالإضافة إلى أنّ مطر قد دخل لأكثر من مرّة إلى الأراضي الفلسطينيّة بصورة غير شرعيّة لزيارة عدد من الأشخاص ومن بينهم عمته المتأهلة من شخص فلسطيني حاصل على الجنسية الإسرائيليّة، بحسب ما ادَّعى.
المحادثات بين الجلّاد والسيّد أنتجت ما يشبه «علاقة الصداقة». وما إن شعر السيّد أنّ بإمكانه كسب المال عبر الرجل الموجود في فلسطين المحتلّة، حتى طلب منه مبلغ 500 دولار أميركي بحجّة أن والدته الموجودة في سوريا مصابة بمرض السرطان.
ولأنّ الموقوف السوريّ يعلم أن الجلاد لن يعطيه المال مجدداً مقابل لا شيء، فقد فاتحه بنفسه بإمكان تقديم خدماته من خلال العمل لمصلحة «الموساد»: «باستطاعتي مراقبة الشيخين ماهر حمود وصهيب حبلي كونهما يقيمان بالقرب من منزلي (يقيم في شارع غسّان حمود في صيدا ومكان عمله في ساحة القدس)».
وأكّد السيّد، خلال التحقيق معه، أنّه حاول إقناع مشغّله بما يمكن أن يكسبه إذا ما تمّ التخلّص من الشيخين، مؤكداً له أنّ «استهدافهما من شأنه أن يوجّه ضربة قاسية لـ «حزب الله» في صيدا لما يتمتعان به من حيثيّة داخل الأوساط السنيّة المؤيّدة للمقاومة.
هذه الخدمات عرضها السيّد على مسؤول التجنيد الإسرائيلي بالمفرّق، إلى أن اتفّقا على قيامه بجمع المعلومات واستطلاع أهداف تابعة لـ «حزب الله» والجيش اللبنانيّ.
.. واتّخذ قرار الاغتيال
بعد مدّة، كان لدى السيّد معلومات كافية ووافية عن تحرّكات حمود وحبلي: سياراتهما، عدد مرافقيهما، أوقات تحرّكاتهما. تلقّى المشغّل الإسرائيلي هذه المعلومات بلغة مشفّرة عبر «فايسبوك» إلا أنّ أمر الاغتيال ليس بيده، بل عليه أخذ موافقة «الموساد».
وفي تموّز 2015، كان القرار قد اتخذ: اغتيال حمّود. أمّا تفاصيل المخطّط فقد بقيت بحوزة «الموساد»، إذ أبلغ الجلاد السيّد أنّه سيرسل شخصاً من قبله (لم يفصح عن اسمه) للقائه بالقرب من «مجمّع سبينس» في صيدا بغية تزويده بجهاز محمول وهاتف خلوي ومبلغ من المال، على أن يطلعه هذا الشخص على كامل مخطّط الاغتيال، لكن الموقوف، وبحسب إفادته، رفض لقاء هذا الشخص خشية رصده من قبل الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة التي أصدرت مذكرات توقيف بحقه.
أما الموضوع المالي فظلّ عالقاً. كان السيّد يريد مقابلاً مادياً عن خدمات المراقبة، فوجد سريعاً الحلّ: شركة تحويل الأموال «وسترن يونيون» الذي رفضه الجلّاد لأنّه ما زال في مرحلة بناء الثقة مع الرجل، ولا بدّ أن يلتقيه أحد العملاء الأمنيين في لبنان ليتمّ تقييمه أمنياً قبل البدء بالتحضير لمخطّط الاغتيال وقبض المال لاحقاً. فيما كان السيّد استلم العديد من الحوالات النقديّة التي أرسلت إليه من مشغليه عبر دول أجنبيّة (أوروبا وأميركا).
إذاً، لم يبقَ أمام الرجل إلا السفر لملاقاة مشغّله الإسرائيلي خارج لبنان. إلا أنّ المشكلة أنه لا يمكن استخدام مستنداته السوريّة لأنه مطلوب للسلطات اللبنانيّة بموجب مذكّرات توقيف عدليّة بجرم السرّقة، فطلب عوضاً عن ذلك مستندات مزوّرة.
في المقابل، وجد الجلّاد حلاً أبسط من تزوير المستندات من خلال انتقاله إلى فلسطين المحتلّة حيث سيلتقيه وضابط «الموساد» المشغّل. ونصحه أيضاً بأنّ يتوجّه إلى ابن بلدته هـ. مطر لمساعدته في الدخول إلى المقر العام لـ «اليونيفيل» في الناقورة، ومنها إلى الداخل الفلسطيني.
وبالفعل، ما إن عرض السيّد الأمر على صديقه الذي كان يتردّد إلى منزله والمقهى الخاص به، حتى قَبِل بالمهمّة.
وفي بداية العام الحالي، كان مطر بسيارته «المرسيدس» لون فضيّ ينتظر السيّد أمام المقهى الذي يستثمره في «ساحة القدس». وذهبا معاً مرتين إلى بلدتي عين إبل ورميش من دون أن يستحصل الموقوف على تصريح يخوّله دخول قطاع جنوب الليطاني (باعتباره غير لبناني)، مستفيداً من حصانة مطر الدولية.
وفي الطريق، كان السيّد يقوم بالتقاط صور فوتوغرافيّة وتسجيلات فيديو لنقاط ومنازل محدّدة ومنها منزل الجلاد نفسه بالإضافة إلى تصوير بوابة «الجدار الطيّب» في بلدة رميش والتي كانت تستخدم في السابق للعبور وتهريب المخدرات بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وما إن وصل إلى إحدى قرى الشريط الحدودي والتقط جهاز هاتفه الشبكة الإسرائيليّة، حتى قام الرجل وبحضور مطر بإرسال الصور ومقاطع الفيديو إلى الجلّاد، وأخبره بصعوبة الانتقال إلى فلسطين المحتلة عن طريق مقرّ «اليونيفيل» في الناقورة، بسبب الإجراءات الأمنيّة والحواجز المنتشرة على طول الطريق مستعيضاً عنها بدراسة مخطّط يقضي بتهريبه إلى داخل فلسطين المحتلة عبر «الجدار الطيب» أو احدى نقاط الضعف على طول الخط الحدودي.
الملف في عهدة القضاء
وهذا أيضاً ما أكّده مطر في إفادته أمام الأمن العام، اذ أشار إلى أنّ السيّد أخبره منذ حوالي الأربعة أشهر بأمر تجنيده من قبل العدو بواسطة الجلّاد.
وبعد أن أنهى الأمن العام تحقيقاته اطلع عليها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي صقر صقر الذي طلب توقيف السيّد وشكر بجرم التعامل مع العدو، والتريّث بالبتّ قضائياً لجهة مطر، وتسليم الأخير إلى منظمة الأمم المتحدّة لحين رفع الحصانة عنه ليصار إلى الادِّعاء عليه من قبل النيابة العامة العسكريّة.

رأس «خلية صيدا» في حماية اليونيفيل

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
حسن عليق، رضوان مرتضى:

أوقف الأمن العام خلية أقر أعضاؤها بالتجسس لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، وبتنفيذ أعمال استطلاع تسبق عادة عمليات الاغتيال. استكمال التحقيق بحرية تامة لا يزال في حاجة إلى رفع اليونيفيل الحصانة عن أحد موظفيها، الذي «صدف» أنه رأس الخلية

ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيف خلية يُشتبه في أن أعضاءها يعملون لحساب الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان. سقطت خلايا كثيرة منذ عام 2006. لكنها المرة الأولى في غضون تسع سنوات، التي يصطدم فيها التوقيف بجدار حصانة قانونية منحتها الدولة اللبنانية، منذ عام 1996، لموظفي قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل). الخلية مؤلفة من 3 أشخاص: اللبناني هاني م، السوري رامز س وزوجته اللبنانية س. ش. الرأس هاني م، لبناني موظف في اليونيفيل، وتحديداً في مقرها العام في الناقورة، منذ عام 1984.

بدأت العملية التي نفذها الأمن العام قبل أشهر، عندما جرى الاشتباه في رامز الذي يعرّف عن نفسه بأنه «المسؤول التنظيمي في لبنان لحزب اليسار الديموقراطي السوري» المعارض. أخضِع للمراقبة، تقنياً وبشرياً، قبل أن يقبض عليه يوم 27 تشرين الأول الماضي. وخلال التحقيق معه، أقرّ بالتعامل مع استخبارات العدو الإسرائيلي، وبأن زوجته (اللبنانية) س. ش. متورطة معه. أوقف الأمن العام س. ش. بعد يومين على توقيف زوجها (عُثر على عقد زواج نظمه لهما رجل دين، لكن زواجهما غير مسجّل في دوائر الأحوال الشخصية). وبحسب التحقيق معهما، فإنهما كانا يعلمان بهوية الجهة التي يعملان لحسابها. كان رامز يتلقى التعليمات من مشغليه الإسرائيليين، فينفذ ما يُطلب منه، ثم يفيدهم بالنتيجة، بواسطة برنامج اتصال عبر جهاز «آي باد» الخاص به، يتم تشغيله قرب الحدود. وأقرّا بأنهما توليا جمع معلومات عن رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب السابق أسامة سعد، وعن إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود، وإمام مسجد إبراهيم الشيخ صهيب حبلي (قصده رامز وس. ش. لعقد زواجهما. ويُعتقد بأن الهدف الحقيقي للزيارة كان جمع المعلومات والتصوير)، إضافة إلى جمع معلومات عن موكب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وعن شخصيات في حزب الله ومن سرايا المقاومة. وقد استأجر رامز شقة سكنية في صيدا، بالقرب من منزل حمود، لتسهيل مراقبته. وكان الموقوف يستخدم 8 أجهزة هاتف في عمله، جرى ضبطها.

وبحسب التحقيقات، أقّرا بأن الوسيط الأولي بينهما وبين مشغليهما، هو هاني م. وقال رامز للمحققين إن مشغليه طلبوا منه قبل مدة قصيرة، التنسيق مع هاني، ليتولى الأخير عملية إدخاله إلى فلسطين المحتلة، لكنه أوقِف قبل إتمام «الرحلة».
أوقِف هاني (يوم الجمعة 30 تشرين الأول 2015)، ودُهِم منزله في شرقي صيدا (علماً بأنه من بلدة جنوبية محاذية للحدود مع فلسطين المحتلة). صودرت أجهزة من منزله. واعترف بأنه تولى تجنيد رامز لحساب استخبارات العدو، زاعماً أن صلته به انقطعت لاحقاً. فيما كان رامز يقول إن اتصالاته بالعدو من منطقة قريبة من الحدود كانت تتم بوجود هاني. كذلك أقرّ الأخير بأنه دخل إلى فلسطين المحتلة أكثر من مرة، قبل عام 2000، زاعماً أنه فعل ذلك بهدف السياحة.
كان موظف اليونيفيل يدّعي في البداية أن اتصالاته بأشخاص في فلسطين المحتلة مرتبطة حصراً بكونه ينتمي إلى جماعة «شهود يهوه»، علماً بأن المحققين يشككون في كونه حقاً ينتمي إلى هذه الجماعة. فقد جرى توقيف شخص ناشط فيها، من منطقة الشمال، بسبب وجود اتصالات كثيفة بينه وبين هاني، لكن لم يتبيّن أن له صلة بعمل هاني الاستخباري، فأطلق سراحه.
وقال هاني إن من جنّده هو قريب لزوجته، وهو عميل فر إلى الأراضي المحتلة مع قوات الاحتلال المنسحبة من الجنوب عام 2000. زعم أن تجنيده جرى منذ أكثر من عام، لكن المشرفين على التحقيق مقتنعون بأن عمله التجسسي يعود إلى تسعينيات القرن الماضي على أقرب تقدير. إلا أن التحقيقات معه لحسم هذه المسألة لم تأخذ المدى المطلوب. فمنذ لحظة توقيفه، كان المشتبه فيه مدركاً للحصانة التي يتمتع بها، ويعلم جيداً أن مكوثه في «النظارة» لن يطول. وبالفعل، ما إن أوقفه الأمن العام حتى استنفرت قوات الأمم المتحدة وفرقها القانونية، لتجري اتصالات بالمدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر. أبرز الفريق القانوني لليونيفيل اتفاقية موقعة مع الحكومة اللبنانية منذ عام 1996، ومنشورة في الجريدة الرسمية، تمنح العاملين في اليونيفيل حصانة تحول دون توقيفهم قبل موافقة قيادة القوات الدولية. وطالب الفريق الأممي القضاء اللبناني بتسليمه الموقوف. مباشرة، انصاع القضاء للضغوط الدولية، ووجّه إشارة إلى الأمن العام بعدم توقيف الرجل، والاكتفاء بالاستماع لإفادته، ثم تسليمه إلى اليونيفيل. وجرى الاتفاق على أن يبقى المشتبه فيه موقوفاً لدى القوات الدولية، على أن يستكمل المحققون الاستماع لإفادته، إنما من دون احتجازه. سُلّم المشتبه فيه إلى اليونيفيل يوم توقيفه، ولم تُعِده إلى التحقيق إلا بعد خمسة أيام (يوم الأربعاء الماضي). ترافقه سيارة من اليونيفيل صباحاً إلى مقر للأمن العام، ثم تأخذه ليلاً. هذه هي أوامر القضاء، الذي قدّم طلباً إلى اليونيفيل يطلب فيه رفع الحصانة عن المشتبه فيه. تأثر التحقيق سلباً بهذه الإجراءات. فالمشتبه فيه تمكّن من بناء رواياته التي سيواجه بها المحققين، كما أنه يراهن على أن الأمم المتحدة لن ترفع عنه الحصانة، ما يجعله يصمد أمام المحققين.
لكن المشرفين على الملف، في القضاء والأمن، يبدون راضين عن النتيجة التي تحققت. برأيهم، جرى إحباط عمليات اغتيال. فالمعطيات التي كانت تجمعها الخلية، ليست، بلغة الأمن، سوى الأعمال التمهيدية التي تسبق تنفيذ عمليات اغتيال. وتوقف مسؤولون أمنيون وقضائيون عند كون الشخصيات التي وضعها الإسرائيليون كأهداف للمراقبة (سعد وحمود وابراهيم)، كانت نفسها أهدافاً للمراقبة من قبل خلية تابعة لتنظيم «داعش» أوقفها الأمن العام الشهر الماضي. لكن المحققين لم يعثروا على أي رابط بين الخليتين.
ليست هذه العملية الأولى التي ينفذها الأمن العام في مجال مكافحة التجسس الإسرائيلي، لكنها الأولى بهذا المستوى منذ أعوام. وقد راكمت المديرية قدرات وخبرات خلال السنوات الأربع الماضية، تسمح لها بأن تصبح لاعباً أمنياً أساسياً في هذا المجال، كما في مجال مكافحة الإرهاب التكفيري. وبحسب «العقيدة الأمنية» للأمن العام، فإن المعركة مع الإرهاب واحدة، سواء كان تكفيرياً أو إسرائيلياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.