طائرة «حسان» وإنتزاع الحقوق بين نظريتي القوة والضعف

جريدة البناء اللبنانية-

خضر رسلان:

في قراءة تاريخية للواقع العربي منذ بداية نكبة فلسطين حيث احتلال الأرض واقتلاع شعب، والعمل جار على قدم وساق لطمس الهوية الفلسطينية بأكملها وفق مخطط مدروس وممنهج يُراد منه تهيئة الأرضية والتربة الصالحة لتثبيت الصهاينة كشعب وكيان غاصب على أرض فلسطين مستفيدين من عدة عوامل منها بشكل أساسي حالة ضعف النظام العربي المرتهن في معظمه لإرادة القوى الكبرى، والعامل الآخر يمثّل بالنجاح في دسّ الدسائس باستمرار بين الدول العربية لإبقاء حالة عدم الاستقرار والتشرذم قائمة وللوقوف حائلاً في وجه كلّ عناصر صنع الوحدة والقوة كحال الرئيس جمال عبد الناصر الذي عمل على استنهاض الأمة في وجه قوى الاستعمار والصهاينة، إلا أنّ عوامل كثيرة ساهمت في عدم تحقيقه الأهداف المرجوة لحركته وانّ أهمّها الى جانب التآمر الدولي تآمر بعض الأنظمة العربية عليه.
وفي إطار مقارنة لمسار انتزاع الحقوق:
1 ـ نظرية الضعف والاعتماد على قرارات الامم المتحدة
ـ من نتائج ضعف وارتهان الأنظمة العربية نجد ما يلي:

أ ـ نكبة عام 1948 نجاح المشروع الصهيوني المدعوم دولياً، في تنفيذ (القرار رقم 181) الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947 القاضي بتقسيم فلسطين وإعطاء نحو 55% من أراضيها الى الصهاينة، وقد أدّت الحرب عام 1948 إلى سيطرة الكيان الصهيوني على 77% من فلسطين (20,770 كم2)، وإلى تشريد 57% من الشعب الفلسطيني (نحو 800 ألف من أصل مليون و400 ألف) بينما نجح الصهاينة في تثبيت كيانهم الغاصب.

ما يزيد عن سبعة عقود مضت على صدور القرار الأممي رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، دون ان يجد طريقه للتنفيذ بل بقي حبراً على ورق وقد تناثر اللاجئون في العديد من بلاد العالم.

ب ـ نكسة 1967 وضياع فلسطين

بالرغم من الانتصار الجزئي الذي حققه العرب في حرب 1973، فإنّ النتائج العسكرية والاستراتيجية التي أسفرت عنها هزيمة حزيران 1967 وتداعياتها السلبية اثر ضياع كلّ فلسطين وأجزاء من الدول المحيطة بقيت تهيمن على الواقع العربي الذي أصابه خلل كبير انعكس على موازين القوى حين خرجت مصر من دائرة الصراع مع الكيان الصيوني مما زاد في حالة الضعف والانسحاق العربي والذي بلغ ذروته اثر الغزو الصهيوني الى لبنان عام 1982 واحتلاله ثاني عاصمة عربية بعد القدس الشريف، ولم تثمر كلّ الرهانات على ما يُسمّى المجتمع الدولي في التأثير على الكيان الصهيوني وإجباره على تنفيذ قرار مجلس الأمن القاضي بالانسحاب الفوري من لبنان مستفيداً من حالة الضعف العربي واختلال موازين القوى لمصلحته.
2 ـ نماذج من نظرية القوة

أ ـ المقاومة (لبنان وفلسطين الانتصار وفرض المعادلات)

بعد بزوع فجر انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والتي رفعت شعار تحرير القدس أعيد الأمل الى قوة المقاومة والتي بدأت من جديد عملية بناء القوة وتمّ تحويل تهديد الاجتياح «الإسرائيلي» الى لبنان عام 1982 الى فرصة تمّت من حينها عمليات الترميم ثم البناء والتحشيد لجميع مقدارت المقاومة تحت عنوان انّ الحقوق لا تستردّ إلا بصنع القوة والاقتدار التي أثمرت اندحاراً «إسرائيلياً» من لبنان عام 2000 ومن ثم فرض معادلة الردع عليه عام 2006، وسبق ذلك اندحاره عن غزة ومن ثم كسر إرادة الاحتلال في معركة «سيف القدس» التي كان لها تداعيات خطيرة جداً على ديمومة هذا الكيان الغاصب.

ب ـ نتيجة لصلابة الموقف الإيراني، والتوحد بين الشعب والقيادة خلف البرنامج النووي الإيراني، وأهمية استمراره كحقّ شرعي كفلته المواثيق الدولية، وتسليم الولايات المتحدة بعدم القدرة على وقف هذا البرنامج، مرتكزة الى تقارير الجهات الأمنية والعسكرية التي أقرّت بالخسائر الضخمة المتوقعة التي يمكن ان تلحق بها في حال لجوئها الى الخيار العسكري، ترسخت القناعة الأميركية بأهمية الحوار، وإلغاء لغة التهديد والوعيد التي تبنّتها الإدارات السابقة، والمفارقة في هذا المضمار انّ هذا التحوّل اقترن بالاستعداد الأميركي الواضح لإمكانية التعايش مع إيران كقوة نووية، وقوة إقليمية عظمى في المنطقة، ولاعب أساسي فيها.

الفرق بين النهجين، الاستكانة والرهان على تطبيق القرارات الدولية ونهج القيام وبناء القوة والاقتدار في التعاطي مع المشاريع الأميركية في المنطقة.

انّ النهج الذي راهن على ما يُسمّى المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية في تحصيل الحقوق المستباحة، خسر وضاعت معه آمال ومقدرات شعوب المنطقة. أما النهج الثاني فتعاطى مع المشاريع الأميركية من أجل إفشالها، وتوظيف هذا الفشل في خدمة مصالح شعوب المنطقة، وقد جنى ثماراً استراتيجية واعترافاً بدوره، وأبرز تجليات ذلك الهرولة الأميركية ومن خلفها الدول الأوروبية الى إقرار حقوق إيران النووية فضلاً عن الاستماتة بطلب الموافقة منها الى إجراء تفاهمات على مستوى الإقليم بأكمله بصفتها رأس حربة محور المقاومة، وهذ ما يعكس قوة وصلابة دول وقوى محور المقاومة الذين حملوا شعار صناعة القوة والتي توّجتها طائرة ومسيّرة «حسان» التي حلقت فوق كيان العدو لمدة أربعين دقيقة حيث كشفت وأكدت حقيقة انّ «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت وانّ بناء القوة عند المقاومة لن يقف وسيستمرّ لأنّ العالم لا يحترم إلا الأقوياء، ويتعامل مع الضعفاء بازدراء شديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.