عقيدة الدفاع الإسرائيلية الفاعلة في غزة لن تنجح ضد حزب الله

israel_wargames

“مجموعة الخدمات البحثية” ـ
يعقوب لابين (1) ـ
ترجمة: إيمان سويد ـ خاص للمجموعة:

ساعدت الحملة الجوية الإسرائيلية التي دامت أسبوعاً ضد حماس والجهاد الإسلامي في غزة الشهر الماضي على ترسيخ عقيدة قتالية ناجحة مضادة للصواريخ القصيرة/ الطويلة المدى، والتي كانت مصممة بشكل جيد لذاك النوع المحدد من الصراع، لكنها عقيدة لن تكون قابلة للتطبيق ضد حزب الله.
برغم صيحات الانتصار وسيل التهديدات الطنانة الذي لا يتوقف الآتي من غزة، فإن حماس تحاول التعافي من صدمتها العميقة من الأضرار الشديدة التي تكبدتها المنظمة خلال الصراع، بحسب ما تقول مصادر عليا في جيش الدفاع الإسرائيلي.

بدأت الحملة الجوية بمفاجأة عندما قتل سلاح الجو الإسرائيلي أحمد الجعبري، القائد العسكري لحماس. سيكون من الصعب استبداله بشخص آخر، وخاصة أن الضربات اللاحقة تخلصت من أكثر من ثلاثين شخصاً من كبار قادة الميدان الإرهابيين. كما دمرت الحملة الجوية تقريباً كل صواريخ فجر الموجودة لدى حماس والجهاد الإسلامي ( والتي يصل مداها إلى 45 ميلاً) ودمرت حوالي نصف عدد صواريخ غراد الموجودة لديهم (مداها 10 أميال).

أطلقت المجموعات الإرهابية الموجودة في غزة، بما فيها حماس، حوالي 1500 صاروخ طويل وقصير المدى على إسرائيل. وسجلت هذه المجموعات نقاطاً سيكولوجية عن طريق التسبب بإطلاق صفارات الإنذار المتعلقة بالغارات الجوية في تل أبيب والقدس. إلا أن 87 بالمئة من الصواريخ المتوجهة نحو مناطق مبنية ومأهولة قد تم تفجيرها في السماء بواسطة منظومة الدرع الصاروخية “القبة الحديدية”.

لقد كانت تلك المنظومة، المؤلفة من خمس بطاريات منتشرة عبر جنوب “إسرائيل” ووسطها، هي التي سمحت لجيش الدفاع الإسرائيلي الالتزام بخطته بحملة جوية محدودة ودقيقة بشدة، وتجنب الحاجة لإرسال قوات برية إلى داخل غزة خلال فترة من عدم الاستقرار الإقليمي الكبير.
مع توفير منظومة “القبة الحديدية” لتغطية فعالة للجبهة الداخلية الإسرائيلية، ومع الشعب الإسرائيلي المنضبط والمتبع لتعليمات الأمان من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي بالنسبة لهجمات كهذه (وبالتالي تنفيذ استراتيجية دفاع سلبية إلى جانب الدفاع الفاعل للقبة الحديدية)، أنهت إسرائيل الصراع من دون أن يسقط لها أكثر من ثلاث ضحايا، وتكبدها لأضرار محدودة في مناطق سكنية.

وعن طريق الحد بشدة من قدرة حماس على زرع الموت والتدمير داخل إسرائيل، لعبت منظومة “القبة الحديدية” دوراً أساسياً في بحث مطلب إسرائيل الناجح لإعادة ترسيخ قدرتها على الردع في مقابل الفصائل الإرهابية الموجودة في غزة.
في الأيام والأسابيع التي تلت عملية “ركيزة الدفاع”، حافظ نظام حماس على الهدنة التي تمت بوساطة مصرية من دون القيام بانتهاك واحد لها، وكانت حماس قادرة على فرض هدنة على إرهابيين آخرين في غزة. هذا يمكن أن يشير إلى استعادة قدرة إسرائيل على الردع.

وقد أجبرت حماس حتى مثيري الشغب الفلسطينيين على التراجع عن الحدود مع إسرائيل، لتجنب الحوادث التي يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الهدنة.
أما الأمر الأهم فهو عودة الحياة الطبيعية إلى جنوب إسرائيل الذي عانى طويلاً. فمدن أشكلون، وأشدود، وسديروت، والبلدات والقرى القريبة من حدود غزة تمر بفترة تحرر كامل من إرهاب الصواريخ. الأطفال في سديروت يذهبون إلى المدارس من دون استهدافهم من قبل حماس ومن دون أن يسمعوا صوت صفارات الإنذار التي تقشعر لها الأبدان وهي تدوي وتخترق الأجواء.
أثبتت ” القبة الحديدية” أن منظومة دفاعية فاعلة، في خدمة القوة الجوية المدمرة، بإمكانها ترويع حماس. إلا أن الصيغة نفسها لن تكون فعالة ضد حزب الله.
فمن جهة، إسرائيل تطور منظومة “مقلاع داود” الدفاعي المضاد للصواريخ (المسماة أيضاً “عصا الريح”)، المصممة للتعامل مع ترسانة حزب الله المؤلفة من 50000 صاروخ وقذيفة بما فيها الصواريخ ذات المدى المتوسط والطويل التي تضع كامل إسرائيل تحت الخطر.
إن منظومة “مقلاع داود” تملأ الفجوة الموجودة بين منظومتي “القبة الحديدية” و”آرو 2″ المضادتين للصواريخ، عن طريق اعتراض المقذوفات ذات المدى التي تتخطى 45 ميلاً. ولدى حزب الله صواريخ بإمكانها ضرب أهداف تبعد 125 ميلاً عن أماكن إطلاقها وتحمل رؤوساً أكبر بكثير من تلك التي تحملها صواريخ غراد وفجر التي تم إطلاقها من غزة في تشرين الثاني.
مع ذلك، لن تكون منظومة “مقلاع داود” قيد التشغيل حتى عام 2014.
فضلاً عن ذلك، وحتى لو كانت منظومة “مقلاع داود” قيد التشغيل الآن، فإن المخططين العسكريين يشككون بقدرتها على وقف هجوم من قبل حزب الله بنفس فعالية “القبة الحديدية” التي أوقفت وابل الصواريخ من غزة، حيث إن هذا سيتطلب عدداً كبيراً من البطاريات المنتشرة عبر البلد كله، ما يكلف قدراً باهظاً من المال. ولا تملك إسرائيل التمويل المطلق للاستثمار في المنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ، وبذلك، فإن من المرجح أن يظل قسم كبير من البلد مكشوفاً أمام هجمات حزب الله في صدام مستقبلي.

وبعض تلك الهجمات الصاروخية يمكن أن تدمر مبانيَ بكاملها.
إضافة لذلك، لا يمكن لمنظومات دفاعية فاعلة أن تمنع الحاجة إلى إطلاق صفارات الإنذار، التي تشوش وتعطل الحياة اليومية ويمكنها إرسال ملايين الناس إلى الملاجئ عدة مرات في اليوم. وإذا ما استمر ذلك الوضع لوقت مطول، فإن الحياة العادية تصبح لا تطاق.

لكل تلك الأسباب، يلعب الدفاع الفاعل دوراً ثانوياً في العقيدة القتالية لإسرائيل ضد حزب الله.

لذا فإن أي صراع في المستقبل مع حزب الله سيتسم بالقدرات الهجومية الإسرائيلية الساحقة. لقد كان جيش الدفاع الإسرائيلي يخضع لتحول تكنولوجي في السنوات الأخيرة، ما سمح له بضرب أهداف أضعافاً مضاعفة عن تلك التي كان يستطيع ضربها في الماضي.

على سبيل المثال، كان بإمكان جيش الدفاع الإسرائيلي، لو أراد، ضرب الأهداف الـ 1500، جميعاً، التي ضربها في غزة بغضون 24 ساعة بدلاً من ضربها خلال أكثر من ثمانية أيام نفذ فيها الجيش عملية “ركيزة الدفاع”. فالتقدم الكبير والرئيس الذي تم في منظومات رمي القنابل من المقاتلات الحربية هو الذي يقف وراء هذه القدرات اللافتة.
بإمكان الطيار الآن الضغط على زر وضرب أربعة أهداف في نفس الوقت من مسافة طويلة، ما يعني أن طائرة واحدة بإمكانها أن تقوم بعمل كانت تحتاج للقيام به عدة طائرات في الماضي.

لقد قامت الاستخبارات الإسرائيلية بمسح للمخزون الصاروخي لحزب لله، والقواعد السرية تحت الأرض، ومراكزه عبر جنوب لبنان.
إن حزب الله اليوم أكثر عرضة للقدرات الهجومية الإسرائيلية من أي وقت مضى. فالمصادر العسكرية أوضحت أن حرب غزة كانت نسخة مصغرة عن الضرر الذي سيتكبده حزب الله على يد جيش الدفاع الإسرائيلي في حال حدوث صراع مع التنظيم الإرهابي الشيعي.

يعتقد جيش الدفاع الإسرائيلي بأن ضربات شديدة كهذه تتمتع بفرصة طيبة لجعل الصراع مع حزب الله يصل إلى نهاية سريعة، يعقبها فترة طويلة من الهدوء. وتشير مصادر في وزارة الدفاع إلى أنه بعد ست سنوات ونصف من حرب لبنان الثانية، ما زال على قائد حزب الله حسن نصر الله أن يرمم كل الأضرار التي لحقت بجنوب لبنان، وهذا أتى قبل أن تأخذ القدرات الهجومية المعززة مكانها في جيش الدفاع الإسرائيلي.
إن القوة الجوية الجديدة مدعومة أيضاً بالتهديد بهجوم بري إسرائيلي واسع النطاق على لبنان.

عندها، من المتوقع أن يشكل الهجوم الساحق، وليس الدفاع الفاعل، رد إسرائيل على جولة مستقبلية من القتال مع حزب الله. رغم ذلك، وفي أي سيناريو من هذا النوع، من المرجح أن تعاني الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتتكبد، وبشكل بارز، أضراراً أكثر من تلك التي تكبدتها في تشرين الثاني.

إن حزب الله، كحماس، منظمة إرهابية زادت قوتها وسلطتها على حدود “إسرائيل”، والذي برغم إيديولوجيته المتعصبة وتجاهله الإجمالي لصالح وخير شعبه، لا يمكنه تحمل إقحام شعبه، تكراراً، في صراع مدمر مع ” إسرائيل” ضمن فترة قصيرة نسبياً من الزمن. هذا يعني أن بالإمكان ردع حزب الله وحماس.

من الجدير بالذكر الإشارة إلى أنه خلال لعبة حرب قام بها “معهد جامعة تل أبيب لدراسات الأمن الوطني” في الشهر الماضي، وهي لعبة تحاكي تطورات في الـ 48 ساعة الأولى بعد ضربة إسرائيلية على مواقع تطوير الأسلحة النووية الإيرانية، تم ردع اللاعب الممثل لدور حزب الله عن القيام بهجوم شامل على “إسرائيل” بسبب مخاوفه من الضربات الإسرائيلية المضادة التي ستتسبب بتدمير واسع الانتشار للبنان. كما اختار اللاعب شن هجمات صاروخية على أهداف عسكرية إسرائيلية لكنه امتنع عن القيام بهجوم شامل مطلوب منه.
في كل الأحوال، تلك مجرد لعبة حربية، ولا يتحدث أحد هنا عما قد تجلبه التطورات المستقبلية.
إذا ما خسر الردع الإسرائيلي قدرته على كبح أعداء “إسرائيل”، فإن المخططين العسكريين واثقون من قدرة ” إسرائيل” على إعادة قدرة الردع إلى مكانتها السابقة، بسرعة وبشكل مؤلم.

(1) زميل زائر في JINSA، صحافي يعمل لصالح صحيفة “جيروزاليم بوست”، حيث يغطي الشؤون العسكرية وقضايا الأمن الوطني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.