عملية علم زائف في إيران تشبه عملية سينما ركس عام 1978

موقع الخنادق-

زينب عقيل:

كان لافتا تأخر الأجهزة الأمنية في الجمهورية الاسلامية الإيرانية في القبض على مسببي التسمم للفتيات في المدارس. هذا العمل المدبر يبدو مختلفًا بالنظر إلى التكتيكات القديمة التي تمّ استخدامها في الجولة الأخيرة من الحرب التركيبية على إثر وفاة الشابة مهسا أميني. لدى ملاحظة هذا النوع من العمليات، والتي تستهدف الناس مباشرة لإثارتهم على النظام، بدل استهداف النظام من خلال إثارة الناس عليه، يعيدنا بالذاكرة إلى سينما ريكس عام 1978، عندما قام السافاك، وهو جهاز الأمن السري للشاه المخلوع رضا بهلوي، بحرق مبنى سينما ركس في محافظة خوزستان، بعد صبّ البنزين وإغلاق الأبواب، والذي نتج عنه حوالي 470 ضحية.

عملية علم زائف مشابهة لسينما ركس

قام نظام الشاه مباشرةً باتهام الاسلاميين المتطرفين، في حين تجمع في اليوم التالي حوالي 10.000 من أقارب الضحايا والمتعاطفين لتشييع جماعي حاشد ومظاهرة تنادي “ليحترق الشاه” و “الشاه هو المذنب”، وألقت باللوم على رئيس قسم الأمن الداخلي في السافاك حينها، برويز ثابتي، الذي خطط لهذا النوع من الوحشية تحت عملية علم زائف بحسب التسمية السائدة اليوم. حيث يكون إلباس هذه العملية للخصم سهلًا ومتّسقًا، لأنها ترتبط بفكر الخصم أو تصبّ في مصلحته، وفي حالة السينما هنا، فإنها من رموز الثقافة الحداثوية والعلمانية، وبالتالي يمكن بكل سهولة إلصاقها بالإسلاميين المتطرفين على حدّ تعبير السافاك. وهذا بالضبط ما يحصل اليوم في إيران، حيث يتداول الإعلام الخليجي الناطق باسم الغرف السوداء للحرب التركيبية، روايةً مفادها أنّ التيار المتشدد في إيران، لم تَرُق له نتائج الاحتجاجات النسائية التي أسفرت عن تجميد شرطة الأخلاق، وأنه يستشعر بأن تعليم النساء هو سبب قوتهنّ، وبالتالي يقوم بعمليات تسميم الفتيات لإخافتهن فيبقين في البيوت دون تعلّم.

خروج برويز ثابتي من الظلّ

في الشهر الماضي، في 11 فبراير/ شباط، بعد حملة خادعة مثيرة للشفقة لجمع الإيرانيين في لوس أنجلوس، بمن فيهم الكثيرون ممن يعارضون عودة نظام الشاه، تم تشكيل وقفة احتجاجية مؤيدة لعودة الملكية. تم تنظيم هذا الاحتجاج من قبل منظمة تعرف باسم “احتجاجات لوس أنجلوس”، والتي وصفت نفسها بأنها منظمة دون أي انتماء سياسي لأي حركة. لذلك، وافق الإيرانيون على المشاركة في هذه المظاهرة التي كان من المفترض أن تكون تضامنًا مع الشعب الإيراني في ذكرى الثورة المناهضة لنظام الشاه عام 1979. ولكن بمجرد أن تجمّع الحشد، كرّست المنظمة المنصة لمؤيدي بهلوي بينما تظهر لافتات كبيرة تحمل صور وشعارات لرضا بهلوي ووالده شاه إيران المخلوع. نتيجة لذلك، ترك العديد من الإيرانيين هذه المظاهرة، خاصة بعدما ظهر أحد مجرمي نظام الشاه، برويز ثابتي، وظهور علم السافاك في المظاهرة. وبالتزامن مع حادثة تسميم الفتيات، هل تكون صدفة مسألة إعادة ثابتي إلى الضوء في نفس الوقت الذي تجري فيه هذه العملية. لقد ظهر ثابتي، سىء السمعة، مسؤول التعذيب ورئيس القسم الثالث لجهاز الشاه على الساحة مرة أخرى بعد عقود من البقاء في الظل. وتحدث عن عودة الملكية و”إحياء” جهاز السافاك سيئ السمعة. بجانب ملصقات تحمل صور الشاه كان هناك ملصق كبير يحمل كبيرة لثابتي. ومكتوب على قمة الملصق “كابوس الإرهابيين في المستقبل”.

كانت السافاك هي أكثر منظمة مجرمة في دكتاتورية بهلوي، وأداة الشاه الأكثر فعّالية للقمع والمراقبة للسيطرة على مجتمع إيران الثائر. سوء معاملة الدولة للمعارضين، بما في ذلك منظمة خلق الإرهابية، ومنظمة فدائيي الشعب الإيرانية المسلحة، أدى إلى إجماع النقمة عليها. الواقع أن الدعوة لإحياء السافاك مع ثابتي، كررها أنصار بهلوي مرة أخرى في احتجاج نظموه بالتزامن مع مؤتمر ميونيخ للأمن في 19 فبراير/ شباط.

عمل تخريبي ينمّ عن معرفة داخلية في البلاد

في خطابه خلال المراسم المشتركة لتخريج طلاب جامعات الضباط التابعة للقوات المسلحة بتاريخ 3 تشرين الأول 2022، وعندما كانت الاحتجاجات في ذورتها، قسم السيد الخامنئي المتظاهرين إلى فئات تمّ تضليلها، وفئات متورطة وهم “بعض أولئك هم من بقايا العناصر التي تلقت الضربات خلال أربعين عاماً: المنافقين، الانفصاليين، بقايا نظام بهلوي المشؤوم، عائلات السافاكيين المطرودين والمبغوضين”، وأضاف “لقد أوضح البيان الأخير لوزارة الأمن إلى حد كبير بعض هذه الأمور، وبالطبع هناك المزيد منها أيضاً. على السلطة القضائية أن تعاقبهم وتحاكمهم وفق مدى مشاركتهم في تخريب الأمن في الشوارع وزعزعته”.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ من خطط لهذا العمل هو عقل متطرّف، يظنّ أنه يفهم البيئة الداخلية لإيران بشكل جيّد، ولكنه في نفس الوقت، لا يبدو أبدًا أنه من خارج البيئة بل إنه من داخلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.