لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والسبعين بعد المئتين على التوالي.
لا رئاسة في الأفق، والحكومة مؤجل انعقادها بانتظار آلية تقيها شر الموت البطيء، ومجلس النواب الممدد له مرتين حقق رقماً قياسياً في البطالة. أما السياسة في لبنان، فهي عبارة عن وقوف على رصيف انتظار ما سيأتي من معطيات من الخارج، لأن أهل السياسة أفرطوا في الاتكال على الوصفات الآتية من وراء الحدود.
اكتشف الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو، في حصيلة رحلاته المكوكية بين باريس وطهران والرياض وبيروت وروما، استحالة الرئاسة اللبنانية بمعطياتها الداخلية وبمفاتيحها الإقليمية حتى الآن.
صار تاريخ الرابع والعشرين من آذار 2015 تاريخاً مفصلياً. قبل أربعة أشهر، أعطى الأميركيون والإيرانيون لأنفسهم مهلة أربعة أشهر لصياغة الاتفاق ـ الإطار. طهران تتمسك بحسم أمر رفع العقوبات الدولية في نهاية هذه المرحلة، لا في ضوء نتائج المرحلة التقنية المفترض إنجازها بحدود نهاية حزيران المقبل. واشنطن تريد أن تنتزع في ربع الساعة الأخير تنازلات ايرانية على قاعدة إجراء حسابات دقيقة متصلة بعدد أجهزة الطرد، والمدة الزمنية التي تتيح لطهران إنتاج قنبلة نووية. الطرفان يلعبان على حافة الهاوية التفاوضية، لكن العائدين من واشنطن يرجحون فرضية الاتفاق، لأنها باتت متصلة بخيارات اميركية إستراتيجية في المنطقة، وتحديداً إعادة رسم النفوذ الإقليمي للاعبين الكبار في المنطقة وبينهم إيران.
صال الفرنسيون وجالوا ولم يتمكنوا من إزالة أكبر عقبة تعترض «أفكارهم الرئاسية». إنها عقبة ميشال عون. ليس الرجل بذاته، ولا بأي فصل من فصول سيرته الذاتية، إنما بما يتكئ عليه من تحالفات في المشهد اللبناني العام. لم يدرك جيرو أن الإيرانيين تعاملوا معه بدهاء عندما فتحوا أبوابهم على مصراعيها، وكالوا له عبارات المديح، ثم أحالوه الى التوافق الماروني الماروني مرة، وإلى التوافق بين ميشال عون وسعد الحريري مرة اخرى.
ميشال عون هو القاسم المشترك بين هذه المرة وتلك. جرّب الفرنسيون قرع أبواب «الجنرال» فكان الأخير حاسماً: لقد تركتم الدبابات والطائرات السورية تدك قصر بعبدا في العام 1990 وتخليتم عني، لكنني لن أسمح لكم بتكرار هذه التجربة. إما انعقاد الرئاسة لي وإما عليكم أن تبحثوا عن طائف جديد.
هذه المرة صارت الدبابات والطائرات السورية، ومعها ترسانة طهران و«حزب الله» وكل «المحور».. تقف خلف ميشال عون. لا قيمة للوقت ولا للفراغ ولا للموفدين، لتصح مقولة أن «الجنرال» ينسحب فقط شهيداً!
ضغط العامل الاقليمي على سعد الحريري. احتمالات التوافق الأميركي ـ الايراني من جهة، ورحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز من جهة ثانية، فرضا معطيات «غير سعيدة». وكل تلك الأيام الآتية صارت «حزينة». لا أحد يتوهم بأن السعودية يمكن أن تتخلى عن آل الحريري في لبنان، لكن الإدارة السعودية تتبدل، ودخول «الديوان» لم يعد بالسهولة نفسها، وثمة «كيمياء» مفقودة مع «المحمديْن»، فكيف إذا تقاطع ذلك مع ميدان لبناني لا يملك القدرة على التحكم به، ومع ميدان إقليمي ربما يجد نفسه مضطراً للخضوع إلى معادلاته، فيقرر عندها أن يجلس إلى طاولة الحوار مع «حزب الله»، تاركاً كل نقاط خلافه معه جانباً، محاولا أن يؤسس لشراكة جديدة ولو «من تحت الطاولة»!