فخامة بعبدا.. من تكون؟

Lebanon President Michel Sleiman speaks

نصري الصايغ –

صحيفة السفير اللبنانية:

من أنت؟

ما هو معروف قليل. الرئاسة ليست «ألـ» التعريف. السيرة الذاتية ليست واضحة. ظلال كثيرة تكتنفها. قد تكون «لا بأس بها»، قد تكون «مقبولة»، قد تكون «مرضية»، وربما قد لا… لأسباب عديدة، لا يستحسن ذكرها الآن… الكلام منك وعنك لا يعرِّفنا بك، والأفعال المنسوبة إليك ليست ذات أثر. كأن المقام أعطي لعابر في صدفة سياسية وبمناسبة فض اشتباك. وهذا ليس انتقاصاً أبداً من مقام الفخامة، فلربما الظروف والمواهب لم تسمح بأكثر من ذلك. السياسة كما تم التعارف عليها، هي سجل لأعمال وإنجازات. وفي هذا الصدد، الحصاد قليل والغلّة لا تُحتسب.

فمن أنت؟ شيء من الغياب يكتنف حضورك، والاستثناء رمادي.

البعض في لبنان معروف من يكون. على الملأ حضوره الكثيف والوازن والشجاع والمستقيم. من دمه تعرفه وشهادة الدم فارقة في العطاء والفداء. والدم قيمة عليا، لا يأخذ مكافأة أو منصباً، بل يؤخذ ويُعطى، وعليه تُشاد أوطان وتزدهر حرية ويرفل استقلال وتنعم شعوب بالكرامة والحياة. هنا، الحصاد وفير والغلة «تحرير». «25 أيار» علامة فارقة للانتصار على العدو، في أزمنة الانهيار، في لبنان وفي ما تبقى للعرب من بلدان.

من أنت؟ والسؤال بهدف التعرف والاكتشاف فقط.

غيرك معروف من يكون. معروفة من تكون. منذ ستة وأربعين عاماً ولدت في أقاصي الجنوب، يوم كانت الدولة غائبة عنه وعن بلاد المحرومين، وحاضرة في دكاكين السياسة والسماسرة ورجال الصفقات وأجهزة المخابرات. ولدت في كفرشوبا. حضنتها وتفوقت في حمايتها. هناك، لم تولد المقاومة من أب غير شرعي، لا من غورو ولا من صفقة تسوية أو من زواج إكراهي بصيغة «ميثاق وطني» تناوب موقعوه وورثتهم على خيانته. هناك وُلدت مقاومة لبنانية، بعد نكسة حزيران التي أذلّت فيها إسرائيل العرب واحتلت كامل فلسطين. وللبنانيين أهواء كثيرة، وهواهم الفلسطيني أصيل، دفع مجموعات من ناصريين وقوميين وماركسيين ويساريين وبعثيين واشتراكيين ومواطنين ونخب وكتّاب، للدفاع عن حق ساطع، يتمتع بأسمى مراتب القيم الإنسانية الفذة. هناك، وُلد للبنان فتى يمتشق دمه دفاعاً عن فلسطين ودفاعاً عن لبنان ممن احتل فلسطين.

أليس هذا معروفاً لديك؟

سيرتك تُختصر بسطور.

سيرة المقاومة سردية أسطورية، هي ضد السيرة الرسمية اللبنانية، حيث يؤرخ فيها لبلد يباهي بضعفه، ويفتخر بأنه بلد التعايش بين الطوائف (كذب!) وأنه رائد الأبجدية والمغامرة والـ… الكلام الذي يشبه التخريف. للمقاومة سيرة لا تشبه التاريخ الرسمي للبنان، ولا تشبه طبقته السياسية الطاعنة بالفساد، وحياته المتهتكة في ممارسة السلطة، أمناً وقضاءً ودفاعاً وحياة وتربية وصحة وبيئة وزراعة وصناعة… مقاومة ممسكة بهدفها وتصوّب عليه، وبلد ممسوك يصوّب عليه، وهو آيل للسقوط… حتى سقط أو يكاد.

من أنت؟ ست سنوات من عمر الرئاسة ولم تظهر الصورة. ولا يمكنك أن تشير إليها بإصبع يدل على الرئاسة. ست سنوات لا يستوقفك فيها غير العجز والشكوى والتبرم وطلب النجدة من الخارج والسكوت على ما في معاناة الداخل، وإقامة التوازن بين العواصم، صاحبة الفضل في الترشيح والانتخاب والتنصيب.

من هي؟

عمر المقاومة في لبنان أكبر من نصف عمر لبنان. ستة وأربعون عاماً مكتظة بالشهادة ومقاتلة العدو الإسرائيلي. شاركوا الفلسطيني قضيته وسلاحه، قاتلوا اجتياح لبنان في العام 1982. السيرة لا تستطيع رواية كل الأحداث والمواجهات، ولكنها مسطرة في تاريخ لبنان المقاوم، وان كانت متجاهلة في تاريخ لبنان الرسمي المساوم والمسالم… أصحاب الشهادة صدّوا إسرائيل على أبواب بيروت، ألزموها بالهرب من شوارعها الباسلة، أسقطوا صاحب الفخامة الذي انتخبته إسرائيل، حرروا الجبل والإقليم، طردوا «المارينز» و«الفرنسيين» ولاذ «الناتو» بالفرار، أسقطوا اتفاق 17 أيار، صيدا لفظتهم، البقاع كنسهم، ثم… كانت الملحمة الكبرى في تحرير الجنوب. ملحمة استعادة الأرض بقيادة المقاومة الإسلامية هذه المرة… هذا تراث نبيل، يُكتب بالذهب ويدرّس كالكتاب المقدس، وأكثر.

هل هذا معروف لديك. طبعاً. لا ينكره غير متعام، ولا يبخسه غير ذي نيّات.

هل السيد حسن نصر الله معروف؟ هل عماد مغنية مجهول؟ هل خالد علوان منسي؟ هل سناء محيدلي و…. ما لهذا العالم لا يسمع ولا يتذكر ويقفز فوق عصر جديد تأسس في لبنان هو عصر المقاومة وعصر الإنجاز بها، لا بسواها.

ليست المقاومة عابرة في حياة لبنان الحديث. هي وجود متأصل في ثقافة البعض الكثير من شعبه. هذا البعض، لم يقنعه «الكيان» الملجأ أو الكيان «الرصيف» أو «الكيان» المحاصص، أو «الكيان» الطائفي. ثقافة المقاومة منشأها لبناني وطني وقومي وعربي وإنساني. المقاومة لم تستورد من خارج، وإن دعمت من الخارج، ككل مقاومة. لا حياة ولا مستقبل ولا انتصار لمقاومة لا تتلقى دعماً من الخارج. ثورة الجزائر تلقت دعماً مغربياً وتونسياً ومصرياً. دفع عبد الناصر أثماناً بسبب دعمه لثورة المليون شهيد. من يريد مقاومة بلا دعم، لا يريد مقاومة بالمرة. دعم المقاومة يختلف عن دعم الخارج لسلالة القناصل الحاكمة لبنان منذ ولادة الكيان حتى الغد البعيد.
لبنان المقاومة، لا يشبه لبنان المتوسل والمتسوّل لأموال تُنفق لاختراع وظيفة لبعض لبنان وآخرها طعن المقاومة.

المقاومة رسمت بدمائها خريطة الطريق إلى التحرير، ولم تطلب مقابلا سياسياً. كل ما تريده من هذه الدولة المعطوبة والمخترقة، ان تأمن ظهرها، لا أكثر. هي تعرف أنه غب التحرير، تداعوا لتخليص لبنان من سلاح المقاومة. لم يُفرش لها السجاد الأحمر لتقيم سلطة. عادت إلى الضاحية لتذخر لمعركة المستقبل.

فمن يكون صاحب الفخامة في بعبدا. سابقاً وحاضراً ومستقبلاً، إذا التأم النصاب بأمر كوني… الطريق إلى اليرزة لا تبدأ بقرار تعيين في مجلس الوزراء، بل كانت عنجر عاصمة القرار، ويتولى السياسيون تنفيذ الأمر بالسرعة القصوى، فلا صوت يعلو فوق صوت الراعي الاقليمي.

الطريق إلى بعبدا، لا تبدأ من البرلمان، بل من قطر، وقبلها من عواصم بريطانية وفرنسية وأميركية ومصرية وسعودية وسورية. يشترك الجميع في التسمية ويحضر «العسكر» النيابي لتنفيذ الأمر.

المقاومة طريقها من صنع أقدامها ومحروسة بدمائها، وسلاحها يصوِّب ويصيب. فكيف يقال عن ثلاثية: تضم اسمها، بأنها خشبية، علماً أن صاحب الفخامة، في خطبه السابقة، كان مملاً جداً، بسبب ترداده لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.

المقاومة باقية والآخرون عابرون. وإن صدف ذات يوم، أن تذكرنا صاحب الفخامة، فسيكون اسمه مصحوباً بشعاره الفذ: «عاشت المملكة العربية السعودية».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.