في ذكرى رحيل الإمام الخميني… نعم إيران نجحت في تصدير ثورتها

جريدة البناء اللبنانية-

خضر رسلان:

انّ تاريخ القادة والعظماء يلعب دوراً مهماً كي يصبح البعض منهم عنصر جذب ومثالاً يُحتذى، وقد يصل الأمر ان يصبح قدوة لأطياف متعددة في مجتمع متنوع سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو غير ذلك…
من أولئك القادة الذين استطاعوا الحصول على الدرجة الكاملة من الجاذبية والقيادة حتى بعد ارتحاله مفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام روح الله الموسوي الخميني.
مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية بعد أول مقابلة يوافق الإمام على إجرائها مع صحيفة أجنبية قال: «تحدّث معنا الإمام بوجه طلق، وعلى مدى ساعتين لم تتغيّر خلالهما لهجته الصريحة الهادئة، ولم يكن يظهر على صوته آثار الانفعال، ولا على وجهه آثار التغيّر والتاثر بشيء، كان حكيماً للغاية في تعامله وسيطرته الفائقة على نفسه ويوصل ما يعتقد به الى قلب من يخاطبه ليس بالضغط على الكلمات بل بنظراته الخاصة النافذة دوماً، ولكنه مع ذلك إذا تحدث عن أمر حساس وأساسي، يصبح حاداً الى درجة لا يمكن مقاومتها، انّ اية الله الخميني رجل ذو عزم راسخ وكامل، لا يقبل مساومة، انه عازم بكلّ حزم على مواصلة كفاحه حتى النهاية».
عناوين غزيرة تميّزت بها شخصية الإمام الخميني وتحتاج الى العديد من الدراسات وهي بحقّ مواد غنية استفاد ويستفيد منها الكثير من الباحثين ورجال الفكر والسياسة، ومن ضمن هذه العناوين الخطاب الديني والثوري المتجدّد الذي خطّه الإمام وأراد واستطاع بعد تثبيته داخل البلاد ان يصدّره الى خارج الحدود رغم كلّ العوائق التي شملت شن الحروب والحصار والتشويه والتضليل… فقد نجحت الثورة في الثبات على مبادئها المرتكزة على الاستقلال الحقيقي ورفض الخضوع للقوى المتسلطة والمهيمنة انسجاماً مع الشعار المتقدّم الذي رفعة قائد الثورة وتبني شعار: «لا شرقية ولا غربية» حيث كان هذا الأمر بمثابة الزلزال السياسي الذي كسر ما كان عليه من هيمنة على العالم.
تصدير الثورة
عقب نجاح الإمام الخميني في قيادة الثورة الإسلامية وإنزال الشاه عن عرش إيران ومن ثم إلحاق الهزيمة بإحدى أهمّ القواعد الأميركية في المنطقة جهد الأميركيون الى إيجاد السبل التي تستوعب فيه هذا التيار الجارف المعادي لها ووضعوا من أجله سيناريوات منها الانقلاب والاغتيالات ومن ثم الاجتياح العراقي المدعوم عالمياً وصولاً الى الحصار في جميع أشكاله، برغم ذلك لم تفلح هذه الجهود في تغيير مسارات الثورة قيد أنملة، هذا في وقت لم تنجح أيضاً سياسة الاحتواء والترغيب الذي اعتقد الأميركيون فيه انّ رجال الدين الذين يقودهم الإمام الخميني جلّ ما يطمحون اليه هو نشر مذهب التشيّع في العالم وانهم في سبيل تحقيق هذا الأمر من المرجح ان يقدّموا التنازلات، وبالتالي من السهل احتواؤهم إلا أنهم رغم ما تمّ عرضه من الاستعداد الأميركي في تسهيل انتشار المراكز والحسينيات والمعاهد وتدريس المذهب الإسلامي الشيعي في كلّ بلاد العالم، فوجئوا بمبادرة الإمام الخميني الى طرح شعار الوحدة بين المسلمين، ورفض الهيمنة الأجنبية، مؤكداً انّ ثورته هي ثورة إنسانيّة ومناصرة لمستضعفي العالم أينما وجدوا دون ايّ اعتبار للّون والعرق والمذهب والدين.
بعد عقود على ارتحال الإمام الخميني عن هذه الدنيا يستطيع القارئ والباحث المنصف ان يكتشف انّ هذا الثائر قد استطاع تصدير أفكار ثورته وتجسيد شعارتها على أرض الواقع ومنها على سبيل المثال…
1 ـ شعار: استقلال حرية
اراد الإمام الخميني من خلال هذا الشعار ان ينسجم مع الخطاب الديني والتعبوي الذي يرفض التبعية واعتبارها نقيضاً للفطرة التوحيدية وايضاً ان تكون الثورة مثالاً يُحتذى لكلّ شعوب العالم التواقة الى الحرية الذين أخذوا يتمثلون في النموذج الإيراني الذي استطاع تحويل الكثير من التهديدات والتحدّيات إلى فرص وإنجازات وبناء دولة لها ثقلها وحضورها وعمقها وتأثيرها في محيطها الإقليمي وعموم الفضاء الدولي.
2 ـ شعار لا شرقية ولا غربية (سقوط القطبية الأحادية):
الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني الذي استمرّ في حياته وفياً لنهج «لا شرقية ولا غربية» فتحت عهداً جديداً في العلاقات الدولية برمّتها حيث اعتقد
الكثيرون انّ عداءها للولايات المتحدة سوف يعني تحالفاً مع الاتحاد السوفياتي وهذا ما لم يحصل بل نجحت في تصدير نموذجها الى الكثير من دول العالم الذين رأوا في الجمهورية الإسلامية مثالاً صالحاً يُحتذى جعلها أكثر حماسة واندفاعاً للانفكاك من الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة نحو عالم متعدّد الاقطاب وأكثر حرية.
3 ـ إعلان يوم القدس العالمي (محور المقاومة):
لم يكن إعلان يوم القدس العالمي من قبل الإمام الخميني وطرد السفير الإسرائيلي من طهران ورفع علم فلسطين مكانها عملاً استعراضياً وارتجالياً بل تجسيداً لشعارات أراد تصديرها للأمة بوجوب تحرير القدس وإزالة الكيان الغاصب من الوجود، وقد تمّ ذلك من خلال تجهيز وإنشاء جيش للقدس رسم محوراً يشقّ طريقه بثبات لخراب ثالث يعيد الحقوق لأصحابها والأقصى لأبنائه.
لم يكن الإمام الخميني مجرد رجل دين أو زعيم سياسي هدفه اقتلاع طاغوت وإدارة حكومة بل نستطيع الجزم انه صاحب رؤية ومشروع تغييري ومصلح عالمي، وهو بلا شك من أبرز الشخصيات في تاريخنا المعاصر الذي قرن الفعل بالقول بحيث ساهمت شعاراته التي لاقت صداها في العديد من الأقطار والدول والمرتكزة على رفض التبعية والارتهان في إيجاد نهضة إنسانية عالمية رافضة وبالصوت العالي للسياسية القطبية الأحادية والغطرسة الأميركية.
تجربة الإمام الخميني الإنسان والقائد والمصلح والقدوة التي استفاد منها العديد من الدول والشعوب تستحقّ الكثير من التفكير والتأمّل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.