في مملكة بني سعود: “القتل فنون” والتهمة “حرّية”

موقع العهد الإخباري-

ليلى عماشا:

أن تكون مستضعفًا في السعودية، أن لا تتبع هوى شياطين بني سعود، يعني أنّك ستُعتقل في الظلام وستُرمى في دهاليز بلا عناوين وستُعذّب بكلّ ما أوتي عديمو الرحمة من أساليب ثم سيُقطع رأسك وسيعرف أهلك باستشهادك عبر الإعلام الذي سيشيد بإنجاز إعدامك ويهلّل للقاتل. لن تعود إلى دارك جثمانًا يودّعه الأحبة ويكفّنونه، ولن يجدوا لك أثرًا يُزار ويُعطّر بالبخور وتُتلى بقربه الدموع والآيات. وربّما لن يتجرّأ أحد على مواساة عائلتك علانية. فالسلالة الملعونة القاتلة تريد بقتلك أن تعذّب كلّ من هو مثلك كما عذبتك.

يرتكب بنو سعود هذا الجرم المقونن على مرأى من العالم كله، ويعرفون أن الإنسانية الغربية ومنظماتها الدولية لن ترفع صوتًا واحدًا ضدّ الجريمة وإن فعلت فبصوت خافت يرفع العتب ويجد ضمنيًا ألف مبرّر للقاتل.

مصطفى آل درويش التحق أمس بركب الشهداء المظلومين، بعد اعتقاله طفلًا بتهمة المشاركة في الحراك الشعبي في القطيف. ارتقى الفتى بقطع رأسه مقيّدًا وبعدها نال رتبة مفقود الأثر، لتبلغ مظلوميّته حدّها الأوجع والأعلى. يمرّ الخبر ولا يستوقف الإعلام “الإنسانيّ” الذي ما زال يتفجّع على قتال ارهابيي ادلب تارّة، وطورًا يحاضر في وجوب مواجهة وحشية “داعش” وأخواتها بالتفهّم والاحتواء واللاعنفية في مسعى عالميّ لحماية القتلة وآكلي الأكباد.

في كلّ مرة كانت تقوم فيها “داعش” بالترويج لڤيديوهات مروّعة توثّق ارتكاباتها الدموية، كان من السهل أن نلمح الدم المسفوك يقطر من أنياب سلمان وبنيه، لذلك كان من السهل تخيّل ما جرى على مصطفى آل درويش. فقاتله هو نفسه المجرم الذي أراد استباحة دمنا في سوريا وفي العراق وفي اليمن، هو نفسه ذلك القذر الذي يقف بسيفه فوق رأس العزّل ويمارس أبشع ما يمكن للإنسان أن يشهده. تلك الصور العالقة في أذهاننا عن “داعش” هي الصورة الأنقى عن حقيقة بني سعود، عن حقدهم المريض، عن سقوطهم المقرف من مرتبة الآدميين، عن فظاعة ممارساتهم الحافلة بالقتل وبالتعذيب وبالظلم وبالأذى. لكنّ الفارق أن اسم الفاعل المعلوم في تلك الصور كان “داعش” ليواري فاعلًا مستترًا تقديره سعود، أما في مشهد الإعدام الخفيّ والنمطيّ فقد ظهر الفاعل واضحًا مرتديًا ثوب “القانون” والتعزير. لكنّ فعل القتل هو نفسه، وكلّ عناصر الجريمة هي نفسها، وان اختلف اسم المظلوم ومسقط رأس الشهيد وساحة القتل الجبان.

في مملكة بني سعود: “القتل فنون” والتهمة “حرّية”

يأتي الخبر إلينا بكلمات قليلة تقطر سمًّا وحقدًا، تمامًا كما ورد إلى دار مصطفى وعائلته. يقرأه القلب بدمعتين: دمعة حزن على المظلومية المشهودة، ودمعة تنتظر بفارغ القهر موعد زوال تلك السلالة القاتلة. ثمّ تسيل في الذهن أنهار من أسئلة… تخيّلوا مثلًا لو ورد خبر عن اعدام عميل أو قاتل متسلسل في ساحة عامة وبعد محاكمة عادلة في الجمهورية الإسلامية في إيران. كان كلّ الجمع المتسعود والمتأمرك ومن كلّ فئاته وطبقاته سيصطف كي يأخذ دورًا في التأوه حزنًا على حقوق الإنسان، وكي يدلي بدلوه في ما يخص عقوبة الإعدام، وكي يطلق بيانات الشجب والاستنكار المدعّم بالمواقف السياسية وربّما بعض التحليلات الاقتصادية. أما أن يُقتل في الخفاء فتى بتهمة الخروج على ولي الأمر وبدون محاكمة واضحة وبدون أي جرم مثبت أو مفترض وأن يُخفى جثمان الشهيد ولا يُبلّغ ذووه بإعدامه، فالجمع إياه سيشيح بوجهه ويثني على جهود هيئة الترفيه في مساعيها لرفع الكبت عن السعوديين، وربما يقومون بإدانة من سرّب خبر إعدام مصطفى آل درويش ويعتبرونه مخربًا للأفراح الموعودة في السعودية.

ليس مستغربًا أن يواجه المشهد بهذا الكمّ الثقيل من الصمت، فالأدوات المدفوعة الأجر لا تملك حقّ التكلّم إلا بما شاء النظام المشغّل والقاتل.
وليس مستغربًا أيضًا أن يقوم قاتل أطفال اليمن جهارًا بإعدام المستضعفين في القطيف، فالقاتل الجبان الذي اعتاد الهرب من مواجهات الرجال عند الحدود اليمنية إلى القيام بغارات ضد الآمنين المحاصرين العزّل، لن يتوانى عن استهداف الأسرى لديه من أطفال ورجال قالوا كلمة حقّ في تظاهرة علنية في القطيف حاولت قول لا للظالمين.

السلام إلى روح مصطفى آل درويش، وإلى كلّ روح أزهقها بنو سعود في العلن وفي الخفاء في اليمن وفي العراق وفي سوريا وفي كلّ أرض، وإلى كلّ روح تألمت من حدّ سيف الظلم السعودي الشيطاني، هذه السلالة التي تنبعث من ماضيها وحاضرها رائحة القتل الظالم والساقطة منذ تاريخها في مستنقع آسن لا يعيش فيه إلا طفيليات الخراب والظلم ولا يسكنه أي شكل من أشكال الرحمة والإنسانية، هي سلالة كلّما زادت في ظلمها اقتربت من زوالها أكثر. وعدُ المظلومين العدل، وحتى يحين ميعاده يبقى لعن بني سعود واجبًا بكلّ أسلوب متاح، وأقل الإيمان تكرارها: اللعنة على بني سعود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.