قراءة في حلف “الناتو” ومفهومه الاستراتيجي

موقع قناة الميادين-

إبراهيم علوش:

يوحي استمرار حلف “الناتو” وتوسعه الانفجاري بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه أكثر من حلف عسكري-سياسي من ثمار الحرب الباردة، وبأنه لم يكن حلفاً دفاعياً قط.

تستند الهيمنة الغربية، في سعيها لإحكام قبضتها على كوكبنا، براً وفضاءً ومحيطاتٍ، إلى التحالف العابر لشمالي المحيط الأطلسي بين أوروبا الغربية من جهة، وأميركا الشمالية، من جهةٍ أخرى. وانعكس ذلك التحديد الجيوسياسي حرفياً في كلمة من 4 حروف: “ناتو”، هي الحروف الأولى، بالإنكليزية، لـ “منظمة معاهدة شمالي الأطلسي” North Atlantic Treaty Organization.

وقّعت تلك المعاهدة 12 دولة ابتداءً، في العاصمة الأميركية، واشنطن دي سي، قبل 73 عاماً، في 4/4/1949 تحديداً، كتحالف عسكري-سياسي، غربي ثقافياً، وشمالي جغرافياً، على ضفتي الأطلسي، حول خط الطول 0، أي خط غرينِتش، لندن، الذي يقابله، من الجهة الأخرى من كوكب الأرض، خط الطول 180 العابر للمحيط الهادئ.

يَقسِم الكرةَ الأرضيةً 360 خطاً طولياً، يقع نصفها إلى الشرق من خط غرينتش ونصفها الآخر إلى غربه، وتفصل أحدَها عن الآخرِ درجةٌ واحدةٌ، لتكتمل الدائرة بـ 360 درجة. أما لماذا أصبحت غرينِتش، لندن، نقطة بداية الكرة الأرضية فكان واقع الهيمنة البريطانية في القرن التاسع عشر، ما جعل التجارة البحرية، بمعظمهما، تسترشد بخرائط تعتمد غرينتش مركزاً للعالم بعد عام 1851، وكانت الدول الناشطة بحرياً قبلها تُعِدّ خرائطها كأن كلاً منها مركزُ العالم.

وفي عام 1884، انعقد مؤتمر دوليٌ في واشنطن دي سي لتثبيت خط غرينتش مرجعيةً دولية نهائياً، فامتنعت فرنسا عن التصويت، وظلت عقوداً تستخدم مرجعيةً عالميةً أخرى في خرائطها هي “خط باريس” إلى يمين خط غرينتش شرقاً.

كانت تلك ملاحظة راهنة، لا تاريخية فحسب، بخصوص مشاركتنا جميعاً في إعادة إنتاج المرجعية الأنكلو-ساكسونية لكوكب الأرض يومياً، مصطلحاً وخرائط، عند تبني مرجعية “خط غرينتش” استناداً للإرث الاستعماري البريطاني وامتداده الأنكلو-ساكسوني الحديث في الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

لذلك، يهمّنا أن نقول “… بتوقيت القدس”، أو غيرها، ما دمنا لا نتخذ غرينتش مرجعية توقيتنا.

في البعد الأنكلو-ساكسوني لحلف “الناتو”
تنْشَدّ الرابطة الأنكلو-ساكسونية من شرق الأطلسي إلى مغربه ذهاباً وإياباً، لغوياً وثقافياً وعرقياً، لتنسج علاقةً خاصةً بين بريطانيا وشمال أميركا، لا غرو في أنها قاعدة “الناتو” التي يأتلف باقي الكتل الأوروبية حولها ككتل أدنى منزلةً في هرم “الناتو” المتوسع أبداً.

تندرج الأرومة الأنكلو-ساكسونية ضمن عائلة غربية أوسع طبعاً هي الرابطة الجرمانية التي تنحدر منها الشعوب الإسكندنافية والألمان والهولنديون وغيرهم، تمييزاً لهم عن مجموعات أوروبية أساسية أخرى، مثل الشعوب اللاتينية كالإسبان والإيطاليين والفرنسيين (رومانيا ومولدوفا لاتينيتان عموماً)، ومثل الشعوب السلافية في شرق أوروبا وجنوبها، ومثل الاختراقات الإثنية التركية في أوروبا، ومنها الهنغاريون مثلاً.

يذكر، على الهامش، أن هنغاريا (المجر) عضوٌ مراقب في منظمة الدول التركية، فهل يسهم ذلك البعد الإثنوغرافي، إضافةً إلى اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة 85%، وعلى مصانع الطاقة النووية المشيّدة روسياً، وعدم امتلاكها لمنفذٍ بحري، في تفسير تغميسها خارج صحنَي “الناتو” والاتحاد الأوروبي، اللذين تنتمي إليهما، في مسألة فرض العقوبات على روسيا أسوةً بالنظام التركي؟ (تَعِدُ هنغاريا بالتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي عام 2050!!)

يوحي استمرار حلف “الناتو” وتوسعه الانفجاري بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الكوميكون عام 1991 بأنه أكثر من حلف عسكري-سياسي من ثمار الحرب الباردة، وبأنه لم يكن حلفاً دفاعياً قط، إذ إن مشروعه للتمدد باتجاه أوروبا الشرقية، وتطويق روسيا، وصولاً إلى تفكيكها، كما بسطنا في مادة “في الجغرافيا السياسية لمشروع تطويق روسيا وتفكيكها”، في الميادين نت في 15/3/2022، يثبت بأنه كان دوماً حلفاً هجومياً، وبأنه دأب تكريس الهيمنة الغربية على العالم استناداً إلى كتلة أوروبية صمّاء عابرة لشمال الأطلسي جوهرها أنكلو-ساكسوني.

وإذا عددنا الاقتصادان الألماني والفرنسي ركنَي الاتحاد الأوروبي الوطيدين، تليهما إيطاليا، فإن العلاقة الأميركية-البريطانية تعدّ العلاقة الأكثر خصوصيةً، منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تشكل العمود الفقري الذي اجتمعت حوله اثنتا عشرة دولة مؤسِسة عام 1949، هي: كندا والدنمارك وأيسلندا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج وفرنسا وإيطاليا والبرتغال.

الدول الثلاث الأخيرة لاتينية، وكل ما سبقها من دول مؤسِسة لـ”الناتو” من الأرومة الجرمانية، ولكنْ يشكل العنصر الأنكلو-ساكسوني فيها الكتلة الوازنة. وقد رسمت الإنكليزية والفرنسية، منذ البداية، لغتَي حلف “الناتو” الرسميتين، لكن الواقع هو أن الإنكليزية هي الأساس، تليها الفرنسية كلغة ملحقة، وما برحت الحال هكذا بعد توسع “الناتو” مراراً، وفي ذلك معنى كبيرٌ لفحوى مشروع الهيمنة الغربية ثقافياً.

المبرر “الناتوي” هو أن توحيد المقاييس عسكرياً وعملياتياً في الحلف يتطلب لغة تفاهم ومصطلحات مشتركة، كما جاء في موقع “الناتو” الرسمي، في 27/11/2015، تحت عنوان “لغة مشتركة للناتو وشركائه” A Common Language for NATO and its Partners.

أما الإبقاء على الفرنسية لغةً رسمية، فسببه أن “الناتو”، كبذرة، بدأ كتحالف بريطاني-فرنسي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. لكنّ مثل ذلك التوجّه كان سينحو منحى أوروبياً قد يقلص النفوذ الأميركي المكتسب بعد الحرب العالمية الثانية، فدخلت الولايات المتحدة الأميركية على الخط، تاركةً لفرنسا المقعد الخلفي.

ويفرض حلف “الناتو” على البلدان الراغبة في الانضمام إليه أن يعرف ضباط جيوشها الإنكليزية، وهو شرطٌ حديثٌ موجّهٌ لدول أوروبا الشرقية، وأثره المباشر هو تهميش الهوية السلافية شرقي القارة. وبناءً عليه، تحولت اللغة الإنكليزية إلى لغةٍ أساسية في الجيش الأوكراني مثلاً، وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية في 18/11/2020، أي قبل عامين، أن لديها توجّهاً لفرض اختبارات إلزامية على ضباطها باللغة الإنكليزية، في سياق الانخراط في حلف “الناتو”.

“الناتو” ككيان توسعي إحلالي
جرى ضم اليونان وتركيا وألمانيا الغربية إلى حلف “الناتو” في خمسينيات القرن العشرين، لكنّ عبق الموجة التحررية في ستينياته أخرج قبرص من الحلف، بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1960؛ وأخرج الجزائر منه، بعد استقلالها عن فرنسا عام 1962؛ وأخرج مالطا، بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1964.

انضمت إسبانيا، بالمقابل، إلى حلف “الناتو” عام 1982 كإطار سياسي، على أساس أنها غير معنية بالانضمام إلى أطره عسكرياً، أو بتخزين السلاح النووي على أراضيها، وأن تلك الخطوة أتت في سياق سعي حكومتها آنذاك لإغلاق القواعد العسكرية الأميركية في البلاد. لكنّ ذلك كان خطاباً مراوغاً مخادعاً هدفه تمرير إلحاق إسبانيا بـ”الناتو” أمام شعبها فحسب.

وفي عام 1999، اندرجت إسبانيا بالكامل في الهياكل العسكرية لـ”الناتو”، بالإضافة إلى جمهورية التشيك وهنغاريا وبولندا، وكانت تلك الموجة الأولى من توسيع حلف “الناتو” بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ناهيك بإلحاق ألمانيا الشرقية بـ”الناتو” أوتوماتيكياً عام 1990 بعد إعادة توحيدها مع ألمانيا الغربية.

وفي عام 2004، جرت توسعة حلف “الناتو” مجدداً بضم بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. وفي عام 2009، توسّع “الناتو” مجدداً بضم ألبانيا وكرواتيا. وفي عام 2017، جرى ضم جمهورية الجبل الأسود. وفي عام 2020، جرى ضم جمهورية مقدونيا الشمالية. ويذكر أن سلوفينيا وكرواتيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية من بقايا يوغوسلافيا السابقة التي جرى تفكيكها في بداية التسعينيات.

تنضوي في حلف “الناتو” 30 دولة رسمياً حتى الآن. ويبلغ عديد جيوش “الناتو”، بحسب صحيفة “ذا إندبندنت” البريطانية، في 9 آذار / مارس 2022، أكثر من 3.5 مليون جندي في العام الجاري. وثمة عملية جارية لضم السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو” حالياً. وتفاوِض البوسنة والهرسك منذ عام 2008 للانضمام إلى حلف “الناتو”، وهناك طبعاً نقطتا التماس المباشرتان بين “الناتو” وروسيا في كلٍ من جورجيا وأوكرانيا اللتين تتمتعان بعلاقات ممتازة مع “الناتو”، واللتين يعدّ كلٌ منهما “عضواً طامحاً” (والعائق أمام مثل ذلك “الطموح” هو روسيا طبعاً).

التوسع خارج القارة الأوروبية
المهم أن عملية التوسع لمّا تتوقف بعد. وبما أن عضوية “الناتو” يفترض أن تقتصر على بلدان أوروبا وأميركا الشمالية، يمنح “الناتو” صفة “شريك عالمي” للدول المرتبطة بعلاقات قوية معه، أو تلك التي يمتد نفوذه إليها، خارج ذلك التحديد الجغرافي، ومنها اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا في منطقة المحيط الهادئ. وتتعزز علاقة “الناتو” بقوة بهذه المجموعة منذ عام 2016 في مواجهة الصين. ومن البديهي أن البعد الأنكلو-ساكسوني في ذلك التكتل يستند إلى تجذره الواضح في أستراليا ونيوزيلندا.

وهناك أربعة شركاء لـ”الناتو” في قارة آسيا هم: منغوليا وباكستان وأفغانستان والعراق. وتوجد في كلٍ من هذه الدول تأثيرات إقليمية ودولية تضعِف من نفوذ “الناتو” فيها، بل هي أقرب لميادين صراع معه.

منغوليا مثلاً، لمن ينظر إلى خريطتها، هي دولة مغلقة بالكامل جغرافياً بين روسيا شمالاً والصين جنوباً. فعلاقات “الناتو” معها اختراقٌ للمشروع الأوراسي، ومشروع الحزام والطريق، ولكنها علاقات مقيّدة بمعادلات جغرافية-سياسية دقيقة لأن العواقب قد تكون وخيمة. فمنغوليا نالت استقلالها عن الصين قبل نحو قرن فحسب، ولم تستطع الاستمرار إلا بدعمٍ سوفياتي، ولم تبدأ بفتح أبوابها للغرب إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فمن غير الوارد أن نجد فيها قواعد عسكرية لحلف “الناتو” مثلاً ما دامت روسيا والصين متماسكتين.

أما “الشريك العالمي” التاسع لـ”الناتو”، فهو كولومبيا في أميركا اللاتينية التي وصل إلى رئاستها الصيف الفائت غوستافو بيترو، أول رئيس يساري في تاريخها، وهو ما يؤشر على تحولات جذرية في مسارها، أسوة بكثيرٍ من دول أميركا اللاتينية.

ومع أن حلف “الناتو” لا يعلن ذلك بصورةٍ رسمية، يمكن القول إن الكيان الصهيوني هو الشريك الأول لحلف “الناتو” خارج أوروبا، بحكم العلاقة العضوية التي تربط مكونات الحلف، ولا سيما أساسه الأنكلو-ساكسوني، مع الكيان الصهيوني. فالكيان لا يرد ذكره في قائمة شركاء الحلف الرسميين أسوةً بالعراق وأفغانستان مثلاً، ولكن موقع “الناتو” على الإنترنت نقل، في 18/11/2022، خبراً عن زيارة نائب الأمين العام للحلف للشؤون السياسية والأمنية، السفيرة باتينا كادنباك، إلى الكيان الصهيوني ولقائها بكبار مسؤوليه تحت عنوان: “الناتو و”إسرائيل” يعيدان تأكيد الشراكة القوية”.

مبادرات استراتيجية كبيرة
إضافةً إلى إقامة علاقات شراكة مع بلدان بعينها خارج أوروبا، يطلق “الناتو” بين الفينة والأخرى مبادرات إستراتيجية كبيرة تخدم مشروع الهيمنة الغربية في لحظات تاريخية معينة، ومنها:

1) “مجلس الشراكة الأوروبي-الأطلسي”، الذي أطلق عام 1991 تحت عنوان “مجلس التعاون الأطلسي الشمالي”، وجرى تطويره وإعادة إطلاقه عام 1997، لتوثيق العلاقات بين دول “الناتو” من جهة، وكل دول الاتحاد السوفياتي السابق (وصولاً إلى عمق آسيا الوسطى) ودول يوغوسلافيا السابقة والدول الأوروبية غير المنضوية في “الناتو”، مثل النمسا وأيرلندا وسويسرا، من جهةٍ أخرى. وكان هدف ذلك المجلس دفع مشروع العولمة النيوليبرالي إلى أقصى مداه تحت قيادة حلف “الناتو” في الفضاء الأوراسي، إذ إن “مجلس الشراكة الأوروبي-الأطلسي”، ومجلس “الشراكة من أجل السلام” الذي أطلقه “الناتو” بالاتجاه نفسه عام 1994، تحوّل إلى منصة لاستقطاب الدول الاشتراكية سابقاً إلى أحضان “الناتو” كما رأينا. وبناءً عليه، فإن “توثيق العلاقات” كان يعني توسيع “الناتو”… ومن البديهي أن هذين المجلسين باتا يعانيان مشكلات جمة مع انفجار الصراع المفتوح بين “الناتو”، ممثلاً للغرب الجماعي من جهة، وبين الدول الصاعدة من جهةٍ أخرى.

2) مبادرة “الحوار المتوسطي”، أطلقت عام 1995، على هامش المؤتمرات الاقتصادية التطبيعية في الدار البيضاء وعمان والقاهرة، وعلى هامش “مبادرة الشراكة الأوروبية-المتوسطية”. وضمّت مبادرة “الحوار المتوسطي” دول “الناتو” إلى الكيان الصهيوني ومصر والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس، منذ عام 1995، ثم انضمت إليها الجزائر عام 2000. وهي رسمياً إحدى مؤسسات “الناتو” أيضاً. ويبدو أن الزمن تجاوزها باتجاه “الاتفاقيات الإبراهيمية”، أي التطبيع المنفرد غير المشروط.

3) “مبادرة تعاون إسطنبول”، التي أطلقت في مؤتمر “الناتو” في إسطنبول عام 2004، كظهير لمشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي أطلقه جورج بوش الابن وكولن باول، وهو عبارة عن شراكة بين “الناتو” من جهة، والبحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة من جهةٍ أخرى.

تفعيل “الناتو” عسكرياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي
من الطريف أن “الناتو” الذي تأسس خلال الحرب الباردة كأداة ردع للمنظومة الاشتراكية، على ما زعموا، لم يجرِ تفعيله عسكرياً حتى انهيار الاتحاد السوفياتي. فالحرب الكورية مثلاً، بين عامي 1950-1953، لم يخضها “الناتو” رسمياً باسمه، بل تحت عباءة الأمم المتحدة، وبغطاء دولي، لكن تلك قصةٌ أخرى.

أما أولى الأعمال العسكرية باسم “الناتو” رسمياً فجرت في العراق عامي 1990 و1991؛ وفي يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات؛ وفي أفغانستان عام 2001، بعدما طالبت الولايات المتحدة بتفعيل البند الخامس من معاهدة “الناتو” والذي يعدّ الهجوم على أي عضو في الحلف هجوماً على كل أعضائه؛ وفي تدريب القوات العراقية بعد الاحتلال؛ وفي خليج عدن في مواجهة القراصنة الصوماليين عام 2009؛ وفي العدوان على ليبيا عام 2011.

يذكر أن حلف “الناتو” ما برح يدير “عملية السياج النشط” Operation Active Fence ضد سوريا، انطلاقاً من جنوب شرق تركيا، منذ 4/12/2012 حتى اليوم، بعد شكوى نظام إردوغان عام 2012 بأن سوريا أسقطت طائرة حربية تركية اخترقت المجال الجوي السوري، وهو ما استدعى تهديداً رسمياً من حلف “الناتو”، الذي وضع صواريخ “باتريوت” لـ”حماية المجال الجوي التركي من الصواريخ السورية”، بناءً على البند الرابع (لا الخامس) من معاهدة “الناتو” لمواجهة تهديد محتمل (أصبح الآن سورياً-روسياً).

ولم يقل الحلف شيئاً عن انتهاك النظام التركي للحدود السورية أو احتلاله الأراضي السورية أو دعمه للإرهاب فيها، مع الإشارة إلى أن معاهدة “الناتو” لا تعد استهداف قوات إحدى الدول الأعضاء خارج حدودها أمراً يستدعي تفعيل البند الخامس. فالقوات الإسبانية في سبتة ومليلة المغربيتين مثلاً ليست محمية بموجب البند الخامس من قانون “الناتو” بحسب موقعه على الإنترنت.

وكان النظام التركي قد زعم بأنه تعرض لتهديدٍ من العراق خلال غزوه واحتلاله عام 2003 مطالباً بالحماية من “الناتو” بناءً على البند الرابع أيضاً، فوضع “الناتو” طائرات “أواكس” ووحدات للحماية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وغيرها على الحدود التركية-العراقية لمدة 65 يوماً في “عملية إظهار الردع” Operation Display Deterrence.

لا تعليق!

“المفهوم الاستراتيجي” للناتو
أخيراً، يذكر أن حلف “الناتو” يطوّر في كل عقد تقريباً، منذ نهاية الحرب الباردة، ما يسمّيه “المفهوم الاستراتيجي” للحلف الذي يشخص فيه المخاطر المستجدة واستراتيجية التعامل معها. وقد أقِرت ورقة المفهوم الاستراتيجي المحدث للحلف في قمته الأخيرة في مدريد في تموز/يوليو الفائت، وأقرت الورقة السابقة في قمة لشبونة عام 2010.

تؤكد الورقة الجديدة أن مهمة الحلف الأساسية هي الدفاع الجماعي عن أعضائه استناداً إلى البند الخامس من معاهدته، وأن مهمات الحلف الأساسية الثلاث تتلخص بما يلي:

أ – الردع والدفاع.

ب – منع الأزمات وإدارتها.

ج – التعاون الأمني.

وتشير الورقة الجديدة إلى أن أمن المنطقة الأوروبية-الأطلسية تقوّضه المنافسة الاستراتيجية وانتشار عدم الاستقرار، وأن “روسيا تمثل الخطر المباشر الأكبر على أمن الحلفاء”، وأن الصين، “بطموحاتها المعلنة وسياساتها القسرية، تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا”، وأن “حلف الناتو سيستمر بالتأقلم والتطوّر سياسياً وعسكرياً لمواجهة تحديات عالم بات أكثر تنافسيةً وأقل قابلية للتنبؤ”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.