قرار الحرب بيد «إسرائيل» وقرار المواجهة بيد لبنان!

جريدة البناء اللبنانية-

د. عدنان منصور:

الردّ «الإسرائيلي» المنتظر على مطالب لبنان بحقوقه في منطقته الاقتصادية الحصرية، الذي سيأتي عبر «الوسيط» الأميركي ـ «الإسرائيلي» المزدوج هوكشتاين، سيحمل في طياته موقفا «إسرائيلياً» سلبياً مراوغاً، لن يلبّي ما يطالب به لبنان من حقوق. إذ سيمارس سياسة التسويف والمماطلة والابتزاز، وتقطيع الوقت، كونه لا يستطيع الذهاب بعيداً في «تنازلاته» التي يعتبرها تراجعاً وهزيمة له، عدا عن أثرها السيّئ وتداعياتها السلبية، وردود الفعل العنيفة للأحزاب السياسية «الإسرائيلية» على الساحة الداخلية.

تعلم «إسرائيل» مسبقاً، انّ القرار الذي ستتخذه، إما أن يكون سبباً للحرب، وهي على استعداد لخوضها وتتحضّر لها، وإما أن يكون دافعاً لنزع فتيلها، تجنباً لعواقبها الوخيمة التي لا يستطيع أيّ طرف معرفة نتائجها المسبقة، وما ستتركه الحرب من تداعيات خطيرة على الأرض.

ليس من المتوقع رغم كلّ الاحتمالات المطروحة، ان تتخلى «تل أبيب» بالكامل عما يطالب به لبنان من حقوق. فالموقف المتشدّد لها، يستند الى عوامل عدة ترى فيها قوة لها، تعزز موقفها، وتصبّ في صالحها محلياً، واقليمياً، ودولياً:

1 ـ تعتمد «إسرائيل» على موقف موحّد متطرف لمستوطنيها وأحزابها، يؤيدها ويدعمها في كلّ ما تقوم به من استيلاء على الثروات في المياه الفلسطينية واللبنانية والتمسك بها. وهي تعتبر انّ ايّ تخلّ عن هذه الثروات، سيفوّت عليها فرصة ثمينة،

تصيب مصالحها الاقتصادية والمالية في الصميم، مما سينتج عنه مضاعفات، وردود فعل عنيفة في الداخل «الإسرائيلي».

2 ـ ترى «إسرائيل»، أنّ ما حققته من إنجازات على صعيد التطبيع مع دول عربية، سيحيّد هذه الدول عن أيّ حرب مقبلة. لذلك يحرص العدو على حصر ايّ حرب تندلع مع لبنان في إطارها الجغرافي الضيّق، وتحييد القوى الإقليمية الداعمة للمقاومة.

3 ـ ترى «إسرائيل» أنّ أوروبا المتعطشة للغاز، وهي على أبواب الشتاء القارس، ومعها الولايات المتحدة، لن يسمحا مطلقاً بمنع استخراج الغاز وتعطيل تسويقه الى أوروبا، في حال قيام المقاومة بقصف المنصات ومنشآت الغاز في البحر. هذه الدول، ومعها اللوبيات اليهودية في العالم، ستقوم

ببروباغندا إعلامية واسعة النطاق، تجعل من «إسرائيل» حملاً وديعاً معتدى عليه،  تستدرج عطف العالم، لتقول له، انّ هناك جهة لبنانية (المقاومة)، تتحمّل المسؤولية الكاملة، عن حرمانها أوروبا ودول عديدة في العالم من الحصول على الغاز، وبالتالي عليكم دعمنا، حرصاً على مصالحكم الحيوية.

4 ـ بمعزل عن ترسانة «إسرائيل» العسكرية الهائلة، فإنّ الكيان عند دخوله الحرب يعتمد على الدعم العسكري والسياسي، والمالي، واللوجستي المباشر، من قبل أميركا وحلفائها دون تردّد، مثل ما كان الحال عليه في حرب حزيران 1967، وحرب تشرين 1973، وأثناء اعتداءات «إسرائيل» المتكرّرة على لبنان عام 1978 و 1996 و2006.

5 ـ «اسرائيل» تضع في حساباتها الانقسام السياسي الحادّ في لبنان، والخلافات العميقة بين أركان الدولة، التي تراهن عليها في تعطيل أيّ قرار نهائي يكتسب أهمية وطنية يتوجب اتخاذه. انقسام  يضعف ولا شك الموقف اللبناني الواضح والحاسم، أمام الوسيط والمفاوض «الإسرائيلي»، وأمام العالم على السواء.

السؤال الذي يُطرح: ما الذي ستقرّره الحكومة اللبنانية من موقف واضح وحاسم في هذا الشأن؟! وهل الحكومة بقرارها النهائي، ستحفظ حقوق لبنان الكاملة، ام انّ المساومة عليها، والخروج بقرار باهت سيكون سيد الموقف، ليحظى قرار الحكومة في ما بعد بمباركة «الوسيط» و»دولتيه»، وبتبرير منمّق، وبحجج غير مقنعة من جانب الحكومة ورئيسها، لتقييم المفاوضات بعد ذلك، على أنها إنجاز دبلوماسي مهمّ، وانتصار كبير حققه لبنان؟!

ماذا لو أن المقاومة رأت ان ما تعرضه «اسرائيل» على لبنان، وتقبل به الحكومة ورئيسها، ينتقص من حقوقه، ويسرق بطريقة ملتوية ثرواته؟! فأيّ موقف ستعتمده الحكومة والمقاومة

عندئذ!

6 ـ المهم في الأمر، ان لا تحرج الدولة اللبنانية المقاومة، وتضعها أمام الأمر الواقع، متلطية بموقف سابق لأمينها العام، الداعم لها، لجهة القرار الذي ستتخذه في اعتمادها خط الترسيم البحري!

إذا كانت المقاومة بلسان أمينها العام أعلنت عن وقوفها مع القرار الذي ستتخذه الحكومة، لجهة الترسيم، والتأكيد على حقوق لبنان في ثرواته، فهذا لا يعني انه دعم مطلق، دون

ضوابط، في حال عدم الأخذ بحقوق لبنان غير قابلة التصرف، او التفريط بها، أو التخلي عن جزء منها.

7 ـ في حال نقل «الوسيط» هوكشتاين للحكومة اللبنانية، عدم موافقة العدو على مطالب الحكومة اللبنانية ـ وهذا متوقع ـ وإصراره الاستمرار في الاستيلاء على حقوقه في المنطقة الحصرية العائدة للبنان، ولجوءه الى أسلوب المراوغة والتسويف، وإضاعة الوقت، وقبل ان يبدأ العدو باستخراج الغاز شمال الخط 29  في حقل كاريش ليضع المسؤولين اللبنانيين أمام الأمر الواقع، لا بدّ في هذه الحال، من الدولة، وبالذات رئيس الجمهورية، وقبل ايّ مواجهة مع العدو، توجيه مذكرة رسمية الى الأمين العام للأمم المتحدة يبيّن فيها خطورة الوضع، نتيجة سياسات «إسرائيل» العدوانية واستيلائها على ثروة لبنان البحرية، منتهكة القانون الدولي وقانون البحار، وانّ استمرار «إسرائيل» باعتدائها يهدّد السلام والأمن، وأنّ لبنان مصمّم على الحفاظ على حقوقه والدفاع عنها بالطرق المشروعة، وبالوسائل المتاحة له.

كما انه من الضروري ايضاً، توجيه رسائل الى المنظمات الدولية، ورؤساء الدول في العالم، لتبيان حقيقة الوضع، وقبل أيّ ردّ فعل يأتي من لبنان، انّ إحاطة رئيس الجمهورية المجتمع الدولي بما تقوم به «إسرائيل»، يعطي الحجة والمبرر للبنان ومقاومته في ما بعد، للدفاع عن حقوقه وثرواته، والتأكيد على وحدة القرار اللبناني في حال حصول ايّ مواجهة عسكرية مع العدو.

لا يظنن أحد، أنّ «إسرائيل» تريد أن تتخلى عن سرقتها لثروات لبنان تجنباً للحرب معه، فشهيتها على القضم والضمّ لم ولن تتوقف يوماً، وإنْ أدّى ذلك الى المواجهة العسكرية.

وهنا على الدولة اللبنانية، رئيساً وحكومة، أن تعي أهمية وجود المقاومة وفعاليتها، ودورها الى جانب الجيش الوطني في الحفاظ على سيادة لبنان وثرواته.

إننا في انتظار قرار شجاع من الحكومة، رداً على ايّ اقتراح يحمله «الوسيط» الاميركي «الإسرائيلي» آموس هوكشتاين، وإنْ كان البعض في الدولة، يبحث عن أيّ حلّ يرضي جهات خارجية على حساب ثروات لبنان، نظراً لما لدى هذه الجهات من ملفات مزعجة، تتعلق بهذا البعض، تطوّقه، وتكبّله، وتبتزه في الوقت المناسب.

الردّ الحاسم الذي ننتظره من جانب الحكومة، نريده ان يكون بمثابة رسالة إنذار الى العدو، وتحذير للعالم، من انّ في لبنان، جيش ومقاومة، يحميانه، ويحميان ثرواته، وما على العدو إلا أن يختار بين الحرب والتخلي عن أطماعه، وإنْ كانت المغامرة باتجاهها، تظلّ تراوده، وتتغلغل في عقله، وسلوكه، لا سيما بعد المتغيّرات في الميدان، وقدرات القوة في لبنان، وفلسطين، والمنطقة، وهي قدرات يراها أنها تهدّد في العمق استمرارية دولته ووجوده المؤقت !

شهية «إسرائيل» وأطماعها، وطبيعتها العدوانية، لا تسمح لها التخلي بسهولة عن سياسة السطو والسرقة. لذلك يبقى احتمال الحرب متقدّماً عن غيره من الاحتمالات وحتى إشعار آخر، بانتظار ما سيحمله آموس هوكشتاين من جواب.

لا خيار للبنان إلا في الدفاع عن ثرواته بكلّ الوسائل، وهو قادر على فرض شروطه إذا ما توفرت له وحدة الموقف الرسمي والشعبي.

في «إسرائيل» عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للكيان، وبالمسائل الحساسة كالترسيم البحري، لن يعد هناك من معارضة وموالاة، وخلافات، وائتلافات، حيث الكلّ يلتفّ حول الكيان بقرار واحد، حتى ولو كان القرار عدوانياً وتوسعياً.

هل تتخلى الأطراف السياسية في لبنان عن خلافاتها، وتقف موقفاً موحداً خلف قرار وطني مقاوم جامع يحفظ حقوق لبنان، ويدافع عن جيشه ومقاومته وثروات شعبه؟!

إنا لمنتظرون…!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.