كاتالونيا ما بعد اسكتلندا

abdelhossein-shaaban

صجيفة الخليج الإماراتية ـ
عبدالحسين شعبان ـ باحث ومفكر عربي:
طرح موضوع استفتاء سكان اسكتلندا (18 سبتمبر/أيلول 2014) الذي فشل فيه دعاة الاستقلال (الانفصاليون) من تحقيق حلمهم بإقامة كيانية مستقلة، مشكلات الاتحاد الأوروبي بشكل خاص والدول الغربية بشكل عام على بساط البحث، والمسألة تتجاوز شكل الدولة سواءً كانت بسيطة أو مركبة، أي مركزية أو لا مركزية، بصيغة فيدرالية أو بعض مناطق الحكم الذاتي، لتتعلق بالهوّية والخصوصية الثقافية والتنوّع الإثني واللغوي والديني، فضلاً عن تشابك المصالح الاقتصادية، وذلك في ظل مطالبات بالانفصال أو التقسيم على أساس الهوّيات الفرعية والخصوصيات المحلية والجهوية واللغوية والسلالية .
وإذا كانت الخمسينات شهدت نوعاً من التنسيق والتعاون بين أوروبا في أحد الميادين التي تتعلق بالفحم الحجري، ولكننا شهدنا لاحقاً اتحاداً أوروبياً متميّزاً، هو أقرب إلى صيغة نظام كونفدرالي، حيث توسعت صلاحياته من خلال الممارسة وصولاً للحديث عن مواطنة أوروبية وإلغاء التأشيرات وفتح الحدود وانتقال العمالة وغير ذلك من انتخابات للاتحاد الأوروبي وتمثيل خارجي وعملة موحّدة .
لكن كل تلك التطورات لم تمنع من ظهور الرغبة في الاستقلال لدى كيانات تشعر بضرورة إبراز هويتها الخاصة . وإذا كانت نتائج الاستفتاء الاسكتلندي مخيّبة للآمال، حين حصل دعاة الوحدة على 55% بعد جهد بذلته حكومة لندن ورئيس وزرائها ديفيد كاميرون، والعديد من المسؤولين الذين خاطبوا الشعب الاسكتلندي بالبقاء في إطار المملكة المتحدة، مع توسيع دائرة الصلاحيات والاختصاصات المحلية، بحيث يعمم الخير للجميع، إلاّ أن ذلك قد يزيد القوى المتشبثة بالاستقلال إصراراً .
وبهذه المناسبة فإن العديد من التجارب التي يمكن رصدها، بالتقارب مع التجربة والمطالب الاسكتلندية، على الرغم من أن نتائج الاستفتاء لم تكن مشجعة للانفصال أو الاستقلال، لكن ذلك لم يمنع العديد من بلدان أوروبا من متابعة مجريات الاستفتاء الاسكتلندي والتعاطف مع النزعة الاستقلالية، وذلك لأسباب قانونية وسياسية وثقافية بشكل عام، وفي بعضها الآخر أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية .
وإذا أردنا الحديث عن اسكتلندا فإن مطالبها بالاستقلال تعود إلى القرن الثامن عشر، وتطوّرت مع مرور الأيام . ومنذ العام 1999 فإن لها برلماناً مستقلاً . وقد حصل الحزب الاسكتلندي (القومي) وهو أقوى الجهات المطالبة بالاستقلال على أعلى الأصوات في انتخابات العام 2011 وقاد سلسلة مفاوضات بين أدنبرة ولندن منذ أكتوبر/ تشرين الأول العام 2012 حيث تم التوصل إلى اتفاقية عُرفت باسم اتفاقية أدنبرة بين الحكومتين البريطانية والاسكتلندية، تقضي بإجراء استفتاء في العام 2014 للاستقلال أو البقاء في إطار المملكة المتحدة .
وكان برلمان اسكتلندا يتمتع بصلاحيات واسعة في مجالات الإدارة والخدمات والتعليم والصحة والآداب والفنون والزراعة والرياضة والسياحة، في حين يتكفّل البرلمان البريطاني، بتحديد نسبة الضريبة المطبقة في اسكتلندا . ولو قدّر أن حصل الانفصاليون على الفوز بالاستفتاء، فإن نسبة تصل إلى ثلث أراضي المملكة المتحدة، كانت ستخسرها، إضافة إلى نحو 5 ملايين نسمة .
ولكن خيبة نتائج الاستفتاء دفعت رئيس الحزب القومي الاسكتلندي أليكس سالموند إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة الاسكتلندية ، وهو الأمر الذي قاد إلى حالة من القنوط لدى سكان مقاطعة ويلز البريطانية الذين يطالبون بالاستقلال أيضاً . ويبلغ سكان ويلز نحو 5 ملايين نسمة، وهم يعيشون غرب المملكة المتحدة، ويطالبون بإجراء استفتاء خاص لهم بالاستقلال وفقاً لحق تقرير المصير مثلما حصل للاسكتلنديين، لكن مثل هذا الاحتمال لا يزال غير قائم في الوقت الحاضر .
وإذا كان الأمر هكذا في التجربة البريطانية، فإن التجربة الفيدرالية الإسبانية هي الأخرى تتعرض لمواجهة الانفصال الذي تطالب به مقاطعة كاتالونيا، وهي منطقة تقع في شمال شرقي إسبانيا وتتألف من سبع عشرة منطقة للحكم الذاتي وعاصمتها مدينة برشلونة الشهيرة، وتبلغ مساحة كاتالونيا 106 .32 كم،2 وهي سادس أكبر منطقة في إسبانيا من حيث المساحة، وفيها العديد من الأنهار والمصادر الطبيعية ويبلغ عدد سكانها 618 .539 .7 (حسب إحصاء العام 2011) وفيها برلمان يتألف من 135 نائباً، وفي العام 2012 حصل التحالف (الانفصالي) على الأغلبية (85 مقعداً) وأقرّ برلمان كاتالونيا في 23 يناير/كانون الثاني 2013 وثيقة الاستقلال (بمعارضة 41) وقرر إجراء استفتاء لسكان كاتالونيا .
وعلى هامش الاحتفال بالعيد الوطني لإقليم كاتالونيا خرجت تظاهرات واسعة مطالبة بالاستقلال وحق تقرير المصير، ويفترض أن يجري الاستفتاء يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2014 على الرغم من رفض مدريد واعتراضها على دستورية مثل هذا الإجراء الذي تعتبره غير شرعي وغير قانوني . وكانت كاتالونيا قد شهدت على مدى السنتين الماضيتين 2012 و2013 والسنة الحالية 2014 تظاهرات واسعة أيضاً، تأييداً لحق تقرير المصير ولمبدأ الاستقلال عبر الاستفتاء، وأعلن رئيس حكومتها الإقليمية آرتور ماس عزمه على إجراء الاستفتاء في 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، وذلك منذ العام الماضي ،2013 بطرح سؤالين: الأول: هل تريد أن تكون كاتالونيا دولة؟ وفي حال تمت الإجابة بنعم يتم طرح السؤال الثاني عليه: هل تريد أن تكون الدولة مستقلة؟
لكن مشكلة كاتالونيا أعقد بكثير من مشكلة اسكتلندا حيث رفض البرلمان الإسباني في شهر إبريل (نيسان) 2014 مشروع قانون أعدّه برلمان كاتالونيا مطالباً فيه بتطبيق الدستور الإسباني، لاسيّما المادة 150 التي تقضي بإمكانية تفويض الحكومات المستقلة بإجراء استفتاءات شعبية ليتم البحث الآن عن سبل بديلة لإضفاء الشرعية على الاستفتاء ومؤخراً حذّرت حكومة مدريد بأن الاستفتاء يعتبر مخالفاً للمعاهدات والاتفاقيات الأوروبية، فضلاً عن أنه لن يحظى بالشرعية الدستورية، مشدّدة على أنها لن تسمح بتقسيم إسبانيا، مفسرة أن انفصالها سيعني الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن رئيس الإقليم آرتور ماس قال في تصريح صحفي إنه: من المستحيل عملياً منع سكان الإقليم من التصويت في استفتاء 9 نوفمبر/تشرين الثاني (المقبل) ،2014 وذلك خلافاً لتوجهات حكومة مدريد .
جدير بالذكر أن إقليم كاتالونيا يتمتع باستقلالية نسبية منذ انتهاء عهد النظام الشمولي الاستبدادي الذي حكم إسبانيا لنحو 40 عاماً وانتهى عند أواسط السبعينات بوفاة فرانشيسكو فرانكو، وظل يحلم بالاستقلال، ولاسيّما عند تشكيل حركة سياسية تدعو إليه العام ،2009 ويعدّ إقليم كاتالونيا قوة اقتصادية مهمة ويسهم بقسط وافر في ميزانية إسبانيا .
ومثلما تحلم كاتالونيا بالاستقلال، فإن إقليم الباسك هو الآخر يطمح في الوصول إليه . ويعتبر سكان إقليم الباسك أقدم سكان أوروبا، وقد طالبوا بالانفصال منذ العام 1961 عقب تأسيس منظمة “إيتا” المسلحة التي تعتبرها الحكومة الإسبانية والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، وقد قامت بأعمال عنف وشنت هجمات على مبان ومصالح حكومية، لكنها أعلنت تخليها عن العمل المسلح نهائياً منذ أكتوبر/تشرين الأول العام ،2011 واتجهت إلى العمل المدني والسلمي للوصول لتحقيق أهدافها في انفصال إقليم الباسك عن إسبانيا .
والسؤال الآن، ماذا لو اختار سكان كاتالونيا البقاء في إسبانيا مثلما فعل سكان اسكتلندا؟ وما هي انعكاسات ذلك سواء على سكان إقليم الباسك أو بقية مناطق أوروبا التي تزيد على 20 منطقة حسب صحيفة “واشنطن بوست” المطالبة بالانفصال؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.