كوريا الجنوبية؛ بيدق الحرب الإقتصادية الأمريكية ضد إيران

صحيفة الوفاق الإيرانية-

دُريد الخمّاسي:

أحد جوانب الحرب الاقتصادية التي لا يتم أخذها في الاعتبار هي الحرب المعرفية. من المعروف أن تاريخ كل المجتمعات كان حتى الآن تاريخ الصراع الطبقي. في الواقع، غالباً ما كان تمرُّد الفقراء ضدّ الطبقة الأرستقراطية أحد العوامل المؤثرة في انهيار النظام الحاكم وتغيير الوضع.

تشير الحرب المعرفية إلى نفس المفهوم بالضبط. ريتشارد نيفو، مهندس العقوبات الأمريكية ضد إيران في إدارة أوباما، والذي تمّ تعيينه أيضاً في إدارة بايدن الحالية نائباً للممثل الخاص لإيران روبرت مالي، في كتابه “فنّ العقوبات؛ نظرة من الميدان” يصف الإطار الفكري والعملي في تصميم العقوبات ضد إيران بهدف تكبير تأثيرها ونجاحها.

شرح نيفو في كتابه كيف تمّ استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي الإيراني بسرعة أكبر عبر تحرير واردات بعض السلع؛ وكتب في هذا الصدد: إنه “أثناء مقاطعة السلع المختلفة، فإن تحرير استيراد السلع الكمالية إلى البلد المستهدف يعزز الشعور الاجتماعي بالعقوبات ويجعل من الصعب تحمل العقوبات”.

وأشار نيفو إلى أهمية النظر في السياق الديموغرافي للبلد المستهدف. على سبيل المثال، إذا كان سُكان البلد من الشباب نسبياً، يمكن أن تركّز الضغوط الاقتصادية بشكل خاص على الشباب، مثل العقوبات التي تؤدي إلى البطالة وتؤثر على الوظائف في قطاعي الصناعة والإنتاج.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، غادرت الشركات الكورية، خاصة شركات الأجهزة المنزلية، إيران.. الشركات التي حققت أرباحاً كبيرة من السوق الإيرانية على مرّ السنين تركتها في أسوأ الظروف الاقتصادية؛ لكن هذا لم يكن كل شيء.

على الرغم من أن الأجهزة المنزلية الكورية الأخرى -التي كانت شائعة الاستخدام من قبل شريحة كبيرة من المجتمع- لم تكن موجودة في السوق الإيرانية، إلّا أنّ السلع الفاخرة من نفس الشركات، مثل الهواتف المحمولة باهظة الثمن، متوفرة في السوق الإيرانية.

الاستراتيجية التي شرحها نيفو في كتابه يتم تنفيذها حالياً بالفعل، وكوريا الجنوبية مسؤولة عن تنفيذها. الآن بعد مرور بضع سنوات على مغادرة كوريا للسوق الإيرانية، تمكنت الأجهزة المنزلية المنتجة محلياً من تحقيق تقدُّم كبير وغالباً ما تغطي احتياجات السوق.

لكن المرحلة النهائية لم تنفّذ بعد. كوريا الجنوبية مدينة بـ 8 مليارات دولار لإيران، والتي تتعلق بشراء النفط من إيران قبل إلغاء الإعفاءات النفطية في فبراير/ شباط 2019. بعد نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات أحادية الجانب على نظام إيران المصرفي وصادراتها النفطية، رفض الكوريون دفع ثمن النفط الذي اشتروه بحجة العقوبات؛ كان هذا في وقت تشتري فيه سيئول النفط من إيران حتى أبريل/ نيسان 2019.

في الأيام الماضية، كانت هناك شائعات بأن كوريا الجنوبية وافقت على تسليم البضائع لإيران مقابل ديونها البالغة 8 مليارات دولار، معظمها من نفس مصانع الأجهزة المنزلية التي غادرت السوق الإيرانية في السنوات الأخيرة.

يبدو أن سيناريو نيفو بدأ بالتطبيق. الآن بعد أن وصل إنتاج الأجهزة المنزلية الإيرانية إلى نقطة مطلوبة، تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية الإطاحة بصناعة الأجهزة المنزلية المحلية عبر تصدير الأجهزة المنزلية الكورية واستيراد السلع الأجنبية، ومتابعة الحرب النفسية ضدّ الشعب الإيراني.

وفي الوقت الذي يمر فيه البلد بظروف غير مؤاتية من حيث الإحتياطيات الأجنبية، تسعى أمريكا لتبذير احتياطيات إيران من العملة الصعبة وإدخالها في جيوب نفس الشركات الكورية التي أدارت ظهرها للسوق الإيرانية في أصعب الأوقات وامتثلت للعقوبات الأمريكية القمعية.

هذا في الوقت الذي تشير الإحصاءات إلى نمو إنتاج الأجهزة المنزلية في إيران بنسبة 40% العام الماضي، متجاوزاً 5ر3 مليون وحدة. وفي هذا الصدد، قال نائب وزير الصناعة والمناجم والتجارة مهدي صادقي نياركي: إنه “في ظل الوضع الحالي للإنتاج، لا داعي لاستيراد الأجهزة المنزلية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.