كوريا الشمالية وآفاق الأزمة في شبه الجزيرة الكورية

north-korea-usa

موقع إنباء الإخباري ـ
دياب اللوح:

كوريا الشمالية رسمياً هي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وهي دولة تقع في شرق آسيا في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، تحدها من الجنوب كوريا الجنوبية ومن الشمال جمهورية الصين الشعبية ومن الشرق بحر اليابان ومن الغرب خليج كوريا والبحر الأصفر، ويفصل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية منطقة معزولة السلاح تسمى (المنطقة الكورية)، والتي تم إنشاؤها بعد إبرام الهدنة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية في (27 يوليو 1953م) بعد الحرب التي وقعت بينهما في (25 يونيو 1950م) إِثر محاولة كل منهما توحيد كوريا وضمها إلى حكومته وتحت سلطته، وأدى ذلك إلى اندلاع حرب واسعة النطاق كلفت الجانبين أكثر من مليونين من المدنيين والعسكريين، وأخذت أبعاداً عالمية وذاع صيتها وأصبحت على ألسنة العالم في كل مكان وفي منطقتنا وحتى هذا اليوم يقولون (ولعت كوريا) في دلالة على احتدام الصراع بين الطرفين، ومنذ وقف إطلاق النار بين الكوريتين عام 1953م وعلى مدار أكثر من ستين عاماً لا تزال العلاقة بين حكومة كوريا الشمالية من جهة، وحكومة كوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي وكندا وأمريكا واليابان من جهة ثانية متوترة، برغم الإعلان المشترك عام 2000م، من خلال المباحثات الثنائية وإطلاق الوعود من كليهما للبحث والعمل على إعادة التوحيد السلمي، بالإضافة إلى هذه الوعود التي ظلت حبراً على ورق تعهد قادة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية بعقد قمة محادثات بينهما، وفي إطار المحادثات السداسية لإحلال الأمن والهدوء في شبه الجزيرة الكورية ، والتأكيد على مبدأ عدم الاعتداء المتبادل ، ولكن التوتر الدائم هو سيد الموقف في شبه الجزيرة الكورية.
ملامح الأزمة بين الكوريتين
تصاعدت حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، في أعقاب عقوبات جديدة فرضها مجلس الأمن الدولي على بيونغ يانغ في أعقاب تجربتها النووية الثالثة في 12 فبراير 2013م، وسادت أجواء من الترقب والحذر في المنطقة بأسرها والعالم خشية انفجار الأوضاع من جديد في شبه الجزيرة الكورية والتي يمكن أن تتسع دائرتها لتشمل أطراف أخرى خاصة بعد إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين كوريا الجنوبية وأمريكا شارك فيها 10 آلاف جندي من كوريا الجنوبية و3500 جندي أمريكي، وترافق مع هذه الأجواء المتوترة تبادل التهديدات والتهديدات المضادة بشكلٍ لم تشهده المنطقة منذ عدة سنوات، حيث قامت كوريا الشمالية بإعلان انسحابها من اتفاقية الهدنة الموقعة مع كوريا الجنوبية عام 1953م، وقطعت الخط الساخن الذي يربطها بكوريا الجنوبية، وصعَّدت من حدة خطابها على لسان زعيمها الشاب كيم جونغ أون ابن الرئيس الراحل كيم جونغ أل وحفيد الرئيس السابق الزعيم كيم أل سونغ، الذي هدد بحرب لا تُبقي ولا تذر وبتحويل جزيرة يونغ بيونغ الكورية الجنوبية إلى بحر من النار، وفي المقابل ردت كوريا الجنوبية على هذه التهديدات بتهديدات مماثلة باقتلاع كوريا الشمالية من الوجود إذا هي أقدمت على عمل عدائي كما جاء على لسان وزير دفاعها ، ومما زاد من تعقيد الأمور وزيادة حدة التوتر تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بإبقاء حاملة طائراتها بالمياه الإقليمية لكوريا الجنوبية حتى بعد انتهاء المناورات العسكرية المشتركة بينهما، والذي دفع بكوريا الشمالية بالتهديد والعمل على ضرب العمق الأمريكي، وخرجت إلى الحيز العملي، حيث عملت على وضع صواريخ نووية موجهة على منصات جاهزة للإطلاق، مما حدا بواشنطن باتخاذ إجراءات عملية لتعزيز منظومة الصواريخ الدفاعية والاعتراضية على السواحل الغربية لألاسكا وكاليفورنيا وهو إجراء كانت إدارة أوباما قد أوقفته عام 2009م، حيث على مدار المراحل السابقة شهدت العلاقات الأمريكية مع كوريا الشمالية توتراً ملحوظاً، فلقد وصف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في عام 2002م كوريا الشمالية بكونها جزءاً من محور الشر، وذلك عقب قيام وزيرة خارجية أمريكا مادلين أولبرايت بزيارة كوريا الشمالية في عام 2000م، ولا يوجد علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، لكن وحسب مصادر مطلعة ظلت قنوات مفتوحة بين الطرفين، ولكنها لم تشفع في تقليص حدة التوتر بسبب وجود حوالي 30،000 جندي في كوريا الجنوبية وفي شبه الجزيرة الكورية، وحتى أن اللقاء الذي عُقد بين الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون مع الرئيس الكوري كيم جونغ إيل لتأمين الإفراج عن الصحافيين الذين كانوا قد اعتقلوا في كوريا الشمالية لدخولهم البلاد بطريقة غير مشروعة لم يفلح في نزع فتيل الأزمة والتوتر بين الجانبين.
وإثر قيام كوريا الشمالية في 23 نوفمبر 2011م بإطلاق (170) طلقة مدفعية على جزيرة يونغ بيونغ والمياه المحيطة بها من الحدود مع البحر الأصفر، مما تسبب في مقتل اثنين من مشاة البحرية واثنين من المدنيين في الجانب الكوري الجنوبي وإصابة عدد آخر بجروح، قامت كوريا الجنوبية بالرد وإطلاق حوالي (80) قذيفة، وجاء قيام كوريا الشمالية بإطلاق(170) قذيفة مدفعية على جزيرة يونغ بيونغ رداً على استفزاز صادر من كوريا الجنوبية التي أدخلت بعضاً من سلاح مدفعيتها في المياه المتنازع عليها جنوب الجزيرة.
وبعد وفاة المرشد الأعلى لكوريا الشمالية الرئيس كيم جونغ إيل في 17 ديسمبر 2011م وتولى نجله كيم جونغ أون مقاليد الحكم في كوريا الشمالية التي يحكمها نظام سياسي يقوم على نظام الحزب الواحد وهو حزب العمال الكوري، وضعت كوريا الجنوبية قواتها وقوات الولايات المتحدة الأمريكية المرابطة على أراضيها وفي مياه شبه الجزيرة الكورية في حالة تأهب قصوى، تزامناً مع قرارات مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، مما سرع في وضع المنطقة على حافة الانزلاق نحو حرب جديدة، ولكن يظل السؤال القائم في مثل هذه الحالات التي طالما شهدتها شبه الجزيرة الكورية، إلى أي مدى سوف تصل التهديدات والتهديدات المتبادلة، وهل ستظل في إطار استعراض القوى أو التلويح باستخدام القوة ليست الرادعة فقط وإنما القوة النووية، أم ستشهد تحولات دراماتيكية غير محسوبة، حيث يستبعد المراقبون والخبراء في شؤون شبه الجزيرة الكورية والمنطقة اندلاع حرب شاملة، ولكن يبقى الباب مشرعاً أمام حدوث اشتباكات وتراشق بالطلقات الصاروخية والمدفعية كما حصل في مرات سابقة.
الدور الأمريكي في الأزمة الكورية
هناك مثل صيني قديم يقول: “على الذي ربط الجرس في رقبة النمر أن ينزعه” وبعبارة أخرى من بدأ المشكلة عليه أن ينهيها، ويكمن جوهر المشكلة الممتدة في شبه الجزية الكورية في انعدام الثقة بين جمهورية كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية بسبب ممارسات الولايات المتحدة الاستفزازية ومرابطة أكثر من 30،000 جندي أمريكي في المنطقة وقيامها بمناورات عسكرية مشتركة مع جيش كوريا الجنوبية، لذلك جاءت زيارة وزير خارجية أمريكا جون كيري إلى كوريا الجنوبية والصين واليابان، ولقاء الوزير مع الرئيس الصيني في بكين، في إشارة أو دلالة على أن أمريكيا بيدها مفتاح تخفيف التوترات في شبه الجزيرة الكورية وخاصة في ظل توقع قيام كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ وشيك، وأهمية منع انزلاق المنطقة في حرب شاملة والحيلولة دون وقوع حرب نووية، ومن الأهمية بمكان أن تحل الدبلوماسية بدلاً من العسكرية في تخفيف حدة التوتر ومعالجة الأزمة.
وعلى أمريكا أن تدرك عدم فعالية سياسة فرض العقوبات على كوريا الشمالية، وأن مواصلة فرض الحصار على كوريا الشمالية وتجويع شعبها لن يجلب إلا المزيد من التوتر الذي لا تُحمد عقباه في كل مرة، وعلى أمريكا أن تتخلى عن منطق ومنهج المواجهة مع كوريا الشمالية والدخول في محادثات معها، واستئناف المحادثات السياسية برعاية الصين، ومن المرجح أنه ربما كان هذا الموضوع على رأس جدول لقاء وزير خارجية أمريكا مع الرئيس الصيني، لتوجيه رسالة مطمئنة إلى كوريا الشمالية وتهيئة بيئة مناسبة لاستئناف المحادثات السداسية وهي الآلية الأكثر قابلية للتطبيق لضمان السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية ، الذي يخدم كل الأطراف ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي تُصنف نفسها دائماً بالقوة البناءة في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة آسيا – الباسفيك، وفي حقيقة الأمر إنما هي لا تريد الانزلاق في مواجهة قد تهدد الاستقرار في العمق الأمريكي وليس في منطقة آسيا- الباسفيك فقط.
دور الصين في نزع فتيل الأزمة
أعرب وزير خارجية الصين الجديد (وانغ يي) ، خلال محادثة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) وهو من كوريا الجنوبية، عن قلقله البالغ إزاء التوترات الراهنة في شبه الجزيرة الكورية، وأشار إلى أن بكين تعارض أي كلمات أو تصرفات استفزازية من أي طرف في المنطقة ( في إشارة للاستفزازات الأمريكية) ، وشدد الوزير الصيني قائلاً: ولن نسمح بإثارة المشاكل بجوار الصين ، كما حذرت الصين الأطراف المعنية في قضية شبه الجزيرة الكورية، وتدعو كوريا الشمالية إلى عدم التهور في ظل الوضع الذي يزداد توتراً في شبه الجزيرة الكورية، من منطلق الحفاظ على السلام والاستقرار والمصالح الصينية في المنطقة، في إشارة ملموسة إلى أن الأمن في شبه الجزيرة الكورية يمثل عمق الأمن القومي الصيني وغير مسموح المساس به أو إثارة المشاكل بجواره .
ومن جانبٍ آخر تبادل وزير الخارجية الصيني (وانغ يي) ونظيره الأمريكي جون كيري وجهات النظر حول الوضع في شبه الجزيرة الكورية خلال محادثاتهما في بكين في (13/4/2013م)، حيث أكد الوزير الصيني مجدداً قلق الصين إزاء الوضع في شبه الجزيرة الكورية، مؤكداً أنه بصرف النظر عن أي تطور محتمل، فإن موقف الصين ثابت بخصوص ضرورة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية والحفاظ على السلام فيها وحل جميع المشاكل من خلال الحوار، مؤكداً على ضرورة استئناف المحادثات السداسية وتحسين العلاقات وترسيخ الثقة المتبادلة، من أجل تعزيز منهجية نزع السلام النووي من شبه الجزيرة الكورية وتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل في شمال شرق آسيا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (هونغ لي) يوم (12/4/2013م) في مؤتمره الصحفي اليومي: إن الصين تتواصل مع الأطراف المعنية للمساعدة في تخفيف حدة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وأن الصين تحافظ على اتصال وثيق مع الأطراف المعنية سعياً لحل المشكلة وتخفيف التوترات، وتحثُ الصين الأطراف المعنية على الهدوء وضبط النفس بدلاً من القيام بأعمال استفزازية أو زيادة التوترات، ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الأطراف المعنية على التعامل مع الأمر من منظور طويل المدى والعمل من أجل تحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية واستئناف المحادثات السداسية في وقت مبكر.
وفي الوقت الذي يرى المراقبون والمحللون أن مخاوف كوريا الشمالية بشأن أمنها القومي مشروع، وأن لديها العديد من الأسباب التي دفعتها إلى تعزيز التسلح الدفاعي والتكنولوجي، لكن ليس سبباً كافياً لعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالأزمة والمنطقة وإجراء التجارب النووية أو استخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية في عمليات إجراء التجارب، ويرى المراقبون والمحللون أن الظروف الخاصة والاحتياجات السياسية والخيارات السياسية ونمط اللغة السياسية هي شؤون داخلية لكوريا الشمالية ولا يحق للعالم الخارجي التدخل فيها، وأن فرض العقوبات على كوريا الشمالية من جانب واحد وخارج إطار قرارات الأمم المتحدة وإجراء ضغوطات أخرى قد تؤدي إلى نتائج عكسية لا تحمد عقباها، كما أن العقوبات والعزل والحصار والضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضد كوريا الشمالية طيلة العقود الماضية من الأسباب الجذرية للصراعات في شبه الجزيرة الكورية أيضاً وأن المواقف والتحركات العسكرية الأمريكية يزيد من حالة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وباعتبار أن كوريا الجنوبية أحد أطراف قضية شبه الجزيرة الكورية فإنه ينبغي أن تلعب دوراً مهماً في إخماد النار التي قد تنشب في شبه الجزيرة الكورية بدلاً من تأجيجها بإقامة المناورات العسكرية المشتركة الاستفزازية مع الولايات المتحدة أمام خط الدفاع الأول لكوريا الشمالية.
ومن منطلق العلاقات التاريخية مع كوريا الشمالية رئيساً وقيادةً وشعباً، فإننا نأمل أن تتراجع حدة التوترات والتهديدات وأن لا تصل إلى مرحلة الاشتباك والحرب بين الكوريتين، لأنها لن تظل محصورة في إطار الكوريتين، وإنما قد تشعل المنطقة وتلحق ضرراً بالغاً في الأمن والاستقرار في آسيا – الباسفيك والعالم، ونأمل أن يعم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة وأن تأتي اللحظة التاريخية السانحة لتوحيد شطري شبه الجزيرة الكورية، وأن تكون المنطقة الصناعية المشتركة بين الكوريتين جسراً ممتداً لمزيد من التعاون والسلام والتعايش السلمي والمشترك لتعزيز مفهوم (الجوتشي) والذي يعني الاعتماد على الذات وتحقيق ازدهار وتنمية البلد وتحقيق العيش الرغيد لعموم أبناء الكوريتين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.