كيف تدير أمريكا الأزمة الأوكرانية؟

موقع الخنادق:

بغض النظر عن النتائج التي تم تحقيقها في إدارة الأزمة الأوكرانية، وهل نجحت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية أم لا؛ فقد عمل مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي يلعب دوراً محورياً في إدارة السياسة الخارجية، على وضع الخطط والبدائل للتعامل مع هكذا أزمات، وذلك من خلال التخطيط والتنسيق بين الأجهزة والوكالات الأمريكية المختلفة المعنية بالأمن القومي، وتشكيل فريق متخصص لتطوير الاستجابة الأمريكية لتلك الأزمة، حسب تغير المواقف على الأرض، وإطلاع الرئيس صاحب القرار والسلطة التنفيذية الأعلى في الولايات المتحدة الامريكية.

فريق الأزمة

يضم فريق عمل مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي يدير الأزمة الأوكرانية، عدة مسؤولين من مختلف الوزارات والوكالات المعنية بالأمن القومي، وينقسم هذا الفريق إلى 3 مستويات:

الأول: وهو المستوى الأعلى الذي يضم المسؤولين الرئيسيين الذين يشاركون بصفة دائمة أو دورية في اجتماعات المجلس ويضم الرئيس وبعض طاقم الإدارة الأمريكية الذين يوكل إليهم القانون، ذلك باعتبارهم من أعضاء هيكل المجلس أو يمكن أن يصدر الرئيس أمراً تنفيذياً استثنائياً بتكليفهم. وقوام هذا الطاقم من المسؤولين الرئيسيين الذين يسمح له بالانضمام لفريق المستوى الاول في هيئة مجلس الامن القومي العليا هم:

1)الرئيس الامريكي جو بايدن.

2)نائب الرئيس كاميلا هاريس.

3)وزير الخارجية أنتوني بلينكين.

4)وزير الدفاع لويد أوستين.

5)مستشار الامن القومي جيك سوليفان.

6)وزير الأمن الوطني أفريل هينز.

7)رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي.

8)رئيس وكالة المخابرات المركزية الـCIA السفير وليام بيرنز.

9)نائب مستشار الأمن القومي جوناثان فينر.

10)رئيس موظفي البيت الأبيض رون كلين.

_الثاني: وهو المستوى الاستشاري والوظيفي في مؤسسة مجلس الامن القومي، ويضم بعض المسؤولين العاملين في المجلس، الذين يضطلعون بالمهام الرئيسية في مساعدة مستشار الأمن القومي جيك سليفان، في إتمام المهام المرتبطة بالأزمة، وأهمهم:

1)كبير مستشاري الامن القومي إليانا برجوت.

2)السكرتير التنفيذي للمجلس يوهتنس أبراهام.

3)المتحدثة باسم مجلس الامن القومي إيميلي هورن.

4)مدير التخطيط الاستراتيجي ألكسندر بيك.

5)مديرة قسم روسيا في المجلس كاثرين إيليدج.

6)مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية كارين دونفريد.

_الثالث: الفريق المتخصص في الشؤون الاوروبية والاوراسية، الذي تم تشكيله للأزمة، ويحتوي على موظفين ومسؤولين من وزارات الدفاع، الخارجية، الخزانة، الطاقة، الامن الداخلي (الهوم لاند)، مجمع المخابرات – الوكالة الامريكية للتنمية الدولية المعروفة بالـ USAID. أدت مؤشرات الحشد العسكري الضخم للقوات الروسية على حدود أوكرانيا، إلى قلق داخل الادارة الامريكية. وللتعامل مع الموقف، كلف جيك سوليفان مستشار الأمن القومي، ألكسندر بيك مدير التخطيط الاستراتيجي بالمجلس بتشكيل فريق عمل متخصص لدراسة السيناريوهات المُحتملة للأزمة الأوكرانية، وقام الأخير بتشكيل الفريق الذي أطلق عليه “فريق النمر T TEAM” من مجموعة متنوعة من الخبراء والمتخصصين من الوزارات والوكالات الأمريكية المختلفة. وقام هذا الفريق بوضع السيناريوهات والبدائل المُحتملة للتعامل مع الأزمة.

مهام المجلس

يضطلع مجلس الأمن القومي الأمريكي باعتباره الجهاز المعني بإدارة شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، والذي يعتبر ذراع الرئيس، بالعديد من المهام خلال إدارة الأزمة الأوكرانية. وهذه المهام يُناط بها المجلس بشكل كامل، مثل وضع الخطة الاستراتيجية وتنسيق الجوانب المرتبطة بها، والتي يضطلع بها مجلس الأمن القومي الأمريكي بالتنسيق مع الرئيس والوزارات والجهات المعنية، ويقوم المجلس من خلال الأعضاء العاملين فيه وإداراته المختلفة، خاصة إدارات أوروبا وأوراسيا، بإدارة تفاصيل الأزمة اليومية من داخل البيت الأبيض، وتنسيق المسائل المرتبطة بالإعلام والاتصال، ومساعدة مستشار الأمن القومي في اطلاع الرئيس على تطورات الموقف، وتحضير وتنسيق اجتماعات الرئيس مع مجلس الأمن القومي، الذي يقوم فيه كل مسؤول بعرض الموقف المرتبط بمسؤوليات وزارته أو الوكالة التي يرأسها في الأزمة. فوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان معنيان بالجانب العسكري في الأزمة، ووزير الخارجية مسؤول عن الجانب الدبلوماسي، ومدير مكتب الاستخبارات الوطنية ومدير وكالة الاستخبارات المركزية مسؤولان عن الجانب الاستخباراتي. ويضطلع هؤلاء بمهام مساعدة الرئيس بايدن في اتخاذ القرارات المرتبطة بالأزمة. ويمكننا تفصيل ذلك كما يلي:

1)وضع الخطة الاستراتيجية لتطور الأزمة (ضمن سيناريوهات محددة) وطرح جميع البدائل الممكنة للتعامل معها. تمثلت المهمة الأولى والرئيسية لفريق مجلس الأمن القومي الأمريكي، في وضع الخطة الاستراتيجية للتعامل مع الوضع الذي ستخلقه الأزمة الأوكرانية بتداعياتها كافة، خاصة ما يتعلق بالتدخل العسكري الروسي، على أن تشمل السيناريوهات المُحتملة وبدائل التعامل مع الموقف، وكيفية الاستجابة السريعة لتطوراته. بالإضافة إلى أن تتضمن الخطة محاور استراتيجية حول بعض الجوانب الرئيسية مثل تأمين السفارة الأمريكية في كييف وكذلك الرعايا الأمريكيين في أوكرانيا، وكيفية التحرك لتقديم الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا، وحشد ودعم الحلفاء الأوروبيين، والتأييد الدولي للتحركات الأمريكية خاصة في المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، ومجلس الأمن)، بالإضافة إلى دراسة الموارد والاحتياجات التي تتطلبها إدارة الأزمة والتحركات الأمريكية ذات الصلة بها.

2)إطلاع الرئيس ونائبته ووزيري الدفاع والخارجية بشكل دوري على تطورات الازمة الأوكرانية والتحضير لاجتماعات الرئيس مع المجلس.

3)تنسيق الاتصالات الداخلية مع الوزارات والوكالات المعنية بالأزمة الاوكرانية (والتي تعلم منذ بداية الأزمة بمهامها الاضافية الجديدة المرتبطة بأزمة أوكرانيا).

4)التنسيق مع الكونغرس وإطلاع قادته على التطورات وآخر التقارير والتقديرات الاستخبارية المصنفة.

5)تنسيق الاتصال مع الدول الخارجية (الحليفة وغيرها) ومع المنظمات الدولية إذا لزم الامر (الامم المتحدة، الناتو وغيره) ومتابعة الجهود الديبلوماسية والجهود الاخرى (كالجهود العسكرية والامنية) مع وزارة الخارجية وهياكلها المعنية المختلفة. يقوم مجلس الأمن القومي الأمريكي بتنسيق الاتصالات والتواصل خلال الأزمة الأوكرانية، سواء على المستوى الداخلي مع الوزارات والوكالات الأمريكية المعنية بمتابعة الأزمة، أو مع الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، أو مع الجهات الخارجية ممثلة في الجانب الروسي، والحلفاء الأوروبيين، وبقية دول العالم. مع تحديد طبيعة هذه الاتصالات وتوقيتها والمشاركين فيها، وتنسيق الجوانب كافة المرتبطة باجتماعات فريق مجلس الأمن القومي لإدارة الأزمة. وهنا (يصبح مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية مسؤولاً عن كل شيء مرتبط بالسياسة أو بالعسكر أو بالأمن فيما يتعلق بالمنطقة وفي هذه الحالة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية كارين دونفريد وتعاونها مديرة قسم روسيا في مجلس الامن القومي كاثرين إيليدج).

6)شرح الموقف وإدارة التواصل الاعلامي وصياغة الرسالة الموجهة للرأي العام المحلي والعالمي وصياغة وتحضير بيانات البيت الابيض. هناك جانب رئيسي لعمل فريق مجلس الأمن القومي خلال الأزمة الأوكرانية، يتمثل في كيفية التحرك لشرح الموقف لدوائر الرأي العام الأمريكي في الداخل، وصياغة الرسائل الإعلامية التي يتم توجيهها. وفي هذا الإطار، تم تكليف فريق مجلس الأمن القومي، كجزء تقليدي من مهامه بمعاونة جين بيساكي الناطقة باسم البيت البيض التي تتبع حكماً في كل مما يتعلق بهذه الأزمة للمتحدثة باسم مجلس الامن القومي إيميلي هورن، وتتولى هذه الجهة المعنية في مجلس الامن القومي صياغة الخطوط العامة لبيانات البيت الأبيض عن الأزمة، وخطب الرئيس بايدن الرئيسية ذات الصلة، سواء خطاب يوم 24 شباط 2022 الذي أدلي به بايدن بعد ساعات من بدء التدخل العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية، أو ما ورد عن الأزمة في خطاب حالة الاتحاد الذي أدلي به بايدن يوم الثلاثاء 1 مارس 2022. علاوة على إدارة التواصل مع المؤسسات الإعلامية، وفريق مراسلي كبريات الصحف وقنوات الاخبار الأمريكية التي تغطي البيت الأبيض.

آليات العمل

بعد تشكيل الفريق المتخصص للتعامل مع الأزمة الأوكرانية في مجلس الأمن القومي، عكف الفريق على وضع “خطة” أو “دليل عمل استرشادي” للتعامل مع الموقف المُحتمل في الأزمة، وعقد اجتماعات مكثفة في كانون الثاني 2022؛ تم خلالها دراسة أداء القوات الروسية خلال أزمات سابقة خاصة في القرم عام 2014، وسوريا عام 2015، وشخصية الرئيس بوتين، وتحديد التهديدات الرئيسية التي يمكن أن تخلقها الأزمة الحالية، لتطوير الاستجابات المختلفة لها. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن المجلس طبق الجوانب التالية:

أ)تطبيق نماذج محاكاة: أجرى الفريق المتخصص تدريبين كبيرين في كانون الثاني 2022، لمحاكاة تطور وتسلسل الأزمة الأوكرانية، والاستجابات المختلفة للتعامل معها. وكان الهدف دراسة سيناريوهين رئيسيين مُحتملين للأزمة وأنماط الاستجابة لهما؛ الأول سيناريو قيام القوات الروسية بهجوم محدود على أوكرانيا تستولي فيه على جزء منها، والثاني قيام القوات الروسية بتدخل عسكري واسع النطاق في أوكرانيا بهدف السيطرة على جزء كبير من البلاد والإطاحة بحكم الرئيس “فولوديمير زيلينسكي”. ووفقاً لطريقة عمل نماذج المحاكاة، تم تقسيم فريق العمل خلال التدريبات إلى مجموعات تمثل الأطراف الرئيسية في الأزمة (روسيا، أوكرانيا، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي) لدراسة ردود فعل واستجابة كل طرف، وتم بناء نماذج المحاكاة لدراسة أنماط الاستجابة لكل سيناريو من اليوم الأول وعلى مدار أسبوعين من تطورات الأزمة.

أولاً: تطبيق محاكاة على السيناريوهات الأسوأ “البجعة السوداء BLACK SWAN”:

ركز جزء من تدريبات فريق العمل، ودراسة السيناريوهات المُحتملة، على سيناريو “البجعة السوداء”؛ وهو وقوع أحداث غير مرجحة للغاية في الأزمة، ولكنها شديدة التأثير، حيث إن حدوثها قد يُعقد من نمط استجابة الإدارة الأمريكية للأزمة. وطُرح خلال التدريب نماذج كثيرة لهذا السيناريو؛ بعضها ربما يتعلق بالداخل الأمريكي، لكن أبرزها سيناريو “أزمة طاقة كبرى” تنشأ بشكل مستقل عن الوضع في أوكرانيا، وسيناريو “ظهور سلالة جديدة” شديدة العدوى من فيروس كورونا، وربما من المحتمل أيضاً أن الفريق درس السيناريو الأكثر قتامة وهو نشوب أزمة نووية كبرى.

ثانياً: تطبيق محاكاة على سيناريوهات المخاطر والتهديدات: خلال تدريبات نماذج المحاكاة سواء على سيناريو “التدخل العسكري الروسي المحدود”، أو “التدخل العسكري الشامل”، أو “البجعة السوداء”؛ تم تحديد عدد من التهديدات والمخاطر الرئيسية التي يجب وضع استجابة محددة لها، وشملت طبيعة العمليات العسكرية نفسها على الأرض ومدى اتساق نطاقها، والعمليات العسكرية لدول الجوار الأوروبي خاصة دول حلف “الناتو” واحتمالية تطورها، وحدوث أزمة إنسانية بسبب تدفق الأوكرانيين على الدول المجاورة، وشن هجمات إلكترونية خاصة ضد البنية التحتية والمنشآت الحيوية الأمريكية، وتهديدات الدعاية المُضادة الروسية لتبرير العمليات العسكرية، وتهديد أمن السفارة الأمريكية في كييف، وتهديدات تتعلق بالرعايا الأمريكيين في أوكرانيا وروسيا، وتهديد يتعلق بالرد الروسي على التحركات الأمريكية للتعامل مع الموقف، وتحديداً أنماط الانتقام الروسي من العقوبات الأمريكية والغربية.

ب)هيكلة وتنظيم المخرجات في دليل عمل استرشادي: استناداً إلى ردود الفعل التي تم استنباطها في نماذج المحاكاة في السيناريوهات المختلفة للأزمة الأوكرانية، خاصة “تدخل عسكري روسي محدود”، و”تدخل روسي شامل”، وسيناريو “البجعة السوداء”؛ تم تطوير عدد من الاستجابات الأمريكية للتعامل مع الأزمة، وتشمل فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ووضع بدائل تتعلق بوجود أزمة إنسانية نتيجة تدفق اللاجئين الأوكرانيين إلى دول الجوار، وبدائل للتعامل مع طوارئ تتعلق بأزمة طاقة، ومواجهة الهجمات السيبرانية المُحتملة، وتأمين السفارة الأمريكية في العاصمة كييف والرعايا الأمريكيين في أوكرانيا. وتم وضع الخلاصات الرئيسية في “دليل عمل” ضم 30 ورقة، تحدد التهديدات وأنماط الاستجابة لها، وتم توزيع هذا الدليل على مختلف الوكالات والمسؤولين الأمريكيين المعنيين بالأزمة، خاصة وزارة الدفاع التي كانت تقوم بالتوازي مع جهود فريق العمل المتخصص بوضع خطط عسكرية لنشر قوات إضافية في دول “الناتو”، وأيضاً وزارة الخارجية التي كانت تضع خطط الطوارئ للتعامل مع الأزمة الإنسانية للاجئين الأوكرانيين. وتم إطلاع الرئيس بايدن على “دليل العمل”، والخطط التي وضعتها وزارتا الدفاع والخارجية، وقام البيت الأبيض بوضع اللمسات النهائية حول كيفية التعامل مع الموقف بشكل كامل، وإفادة بايدن بالتطورات في الاجتماع الذي عقده مع مجلس الأمن القومي يوم 20 شباط 2022.

تقييم مركز دراسات غرب آسيا لعمل مجلس الامن القومي خلال 3 أسابيع من الأزمة

جاءت أزمة أوكرانيا التي افتعلتها الإدارة الامريكية قبل أكثر من 5 أسابيع من اندلاع الحرب بعد تسريب الرئيس الأمريكي لمعلومات استخباراتية فائقة السرية والحساسية حول طبيعة الحشد الروسي على الحدود الشرقية لأوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم. مرة أحرى لم تضع الادارة الامريكية معظم حلفائها في الناتو وفي الاتحاد الأوروبي في تصوراتها لمسار الأزمة ولم تحذرهم من احتمالات التصعيد. فباستثناء بريطانيا التي كانت شريكاً كاملاً للولايات المتحدة في التحضير لهذه الأزمة، فإن دولاً وازنة كألمانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا ومعظم دول شرقي أوروبا لم تكن على اطلاع كامل بالتطورات المحتملة للأزمة فاقم من ذلك الخداع الاستراتيجي الروسي الذي أفرج عن نيته لحظة بداية دخول قواته العسكرية إلى أوكرانيا لتنفيذ عمليتهم الخاصة في 24-2-2022. لقد فوجئت واشنطن (التي كانت تضع بحساباتها إمكانية الاجتياح الروسي لأراضٍ اوكرانية) بسرعة تحول موسكو من مرحلة الأزمة الصامتة إلى الازمة الصاخبة ويبدو أن تقدير واشنطن كان يفترض بدء العملية العسكرية الروسية في منتصف الربيع بعد تغير المناخ الجليدي في تلك البقعة الباردة من العالم إلا أنها فوجئت فعلياً بالتوقيت وسرعة الاندفاعة العسكرية الروسية. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدة ملاحظات تؤكد أن واشنطن أخذت على حين غرة باستعجال القيادة الروسية لعمليتها العسكرية.

أولاً: أضطر الرئيس الأمريكي بعد 9 أيام من اندلاع الحرب إلى إضافة جزء خاص بأوكرانيا بلغ نصف خطاب حالة الاتحاد الذي ظهر وكأنه مؤلف من خطابين أحدهما خارجي يتحدث عن الأزمة في أوكرانيا، والثاني محلي أمريكي يتحدث عن شؤون وشجون الولايات المتحدة الداخلية. وظهر لاحقاً أن القسم المتعلق بأوكرانيا جرت إضافته على عجل قبل ثلاثة أيام من الخطاب.

ثانياً: تقرير المخاطر الامنية المرفوع من المجمع الامني الاستخباراتي الامريكي والذي رفعت السرية عنه منذ ثلاثة أيام بهدف كشف ما يحتويه حول المخاوف الامريكية من مخاطر ونوايا روسيا باتجاه أوكرانيا حيث أن هذا التقرير كان يرفع عادة في أول شهر في السنة ويبقى سرياً حتى فترة تتعدى الأشهر وكانت المداولات والنقاشات حوله في الكونغرس غالبيتها تدخل ضمن إطار السرية. ولا يفصح عنها، وظهر أيضاً بعد كشف السرية عن التقرير أن تقديرات المخاطر حول أوكرانيا قد زجت على عجل بقرار في التقرير قبل أيام من كشف السرية عنه.

ثالثاً: التردد والتعثر في فرض قرار منع استيراد النفط والغاز الروسي وحظر التجارة النفطية بين روسيا والولايات المتحدة وذلك بعدما تسبب القرار بالإرباك في أوروبا التي تعتبر الغاز الروسي أوكسيجينها الذي تتنفس منه في صناعتها ومن أجل رفاهية شعبها، مما اضطر الادارة الامريكية لإطلاق حملة توضيح شاملة بأن القرار حالياً لا يلزم أوروبا واليابان وكلنا يعلم ما معنى هكذا تردد وتأثيره على قرار استراتيجي أمريكي كبير بحجم حظر النفط والغاز الروسيين، حيث أن الاستثناءات ستفرغ القرار الامريكي من ثقله وقوته أمريكياً وعالمياً فظهر وكأن هذا القرار أصبح في خبر كان.

رابعاً: كسر الادارة الامريكية للمحرمات أو الخطوط الحمر في التعامل مع الحظر على فنزويلا وإيران ومداهنتهما لمحاولة تعويض النقص بالنفط والغاز في أوروبا والذي تسبب به قرار بايدن المختص بحظر التعامل مع قطاع الطاقة الروسية.

خامساً: عدم قدرة الادارة الامريكية على تخفيف الهلع الذي أصاب أوروبا بعد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا مما اضطر البيت الأبيض إلى إرسال نائبة الرئيس مرتين ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة فيما يعسكر وزير الخارجية في أوروبا منذ 8 أيام وهدف الجميع كان تهدئة وطمأنة دول أوروبا عموماً ودول أوروبا الشرقية والمانيا خصوصاً.

خلاصة واستنتاج

لعل أبرز فاعل في الأزمة الأوكرانية مقابل روسيا وهي الولايات المتحدة الامريكية كانت من أبرز القوى المؤثرة التي فوجئت بالحرب رغم أنها سعت قبلها بأسابيع لكي تحصل. إلا أن الأداء الأمريكي المصاحب للحرب يؤشر بما لا يدع مجالاً للشك أن شيئاً ما أصاب ماكينة القرار الامريكي وجعلها تسير ببطء في بعض الأحيان وبتعثر في أحيان أخرى. إلا أن طبيعة منظومة القرار في مجلس الأمن القومي الامريكي المستندة على خطط وآليات تحليل وتقدير وبدائل، والمعتمدة على فريق كبير من الخبراء والمحللين وموارد معلومات هائلة تخفف من وطأة التباطؤ والتعثر حتى يكاد المتابع من الخارج لا يلمس شيئاً كبيراً يذكر إلا إذا فهم طبيعة عمل مجلس الأمن القومي الامريكي وصلاحياته وامكانيته التنفيذية.

مما تقدم يظهر من هذه العينة القليلة من التعثرات (التي ذكرناها في فقرة التقييم السابقة) أن الإدارة الامريكية لم تستطع إدارة أزمة أوكرانيا جيداً وأن ثقوباً عديدة اخترقت جسم القرار الاستراتيجي الامريكي في أوروبا والعالم وأن كل ما تم عمله في مجلس الأمن القومي من محاكاة وطرح بدائل وفرضيات كانت اختبارات نظرية بشكل كبير وعندما اصطدمت بالواقع بدأت الأخطاء تظهر وتتراكم.
لا بديل سني عن الحريري…وهكذا يستعد حزب الله

تغلق اليوم – قبل 60 يوماً من موعد الاستحقاق النيابي – أبواب الترشّح للدورة الانتخابية 2022، فيما يبقى الباب مفتوحاً أمام حسم التحالفات وأسماء المرشحين لكل لائحة. ولا يمكن الإنكار بأن المشهد الانتخابي لا يزال متأثراً بتعليق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عمله السياسي، في وقت حسم فيه حزب الله خياراته منذ أكثر من 6 أشهر!

الحريري للسعودية: لا بديل سُنّي لكم!

في المعلومات التي باتت مؤكدة أن إجبار السعودية الحريري تعليق حياته السياسية والترشّح لم يحمل معه قرار انسحاب تيار المستقبل من المشهد السياسي، بل كان خيار الحريري نفسه، تفادياً لأن تبرز قيادات سنية بديلة عنه تسطو على “تُركته” السياسية. ولما يحمل ذلك من رسائل مفاجئة للرياض بأن لا بديل عنه في الشارع السني، وما إن يخرج ستتشّتت الطائفة ويرتبك البلد والتحالفات، وتضطر الرياض والرعاة الإقليميون للعودة اليه. فالقوات اللبنانية، على سبيل المثال، كانت تأمل بكسب ثلاثة أو أربعة مقاعد إضافية من تحالفاتها في بعض المناطق مع تيار المستقبل، لإعادة ما يشبه هيكلية 14 آذار السابقة في المجلس النيابي.

وتبرز رغبة الحريري في البقاء “زعيم” الطائفة السنية الوحيد، في استيائه الذي أبلغه الى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أولاً من محاولات رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة فرض نفسه كبديل – قبل إعلان عزوفه عن الترشّح – من خلال هندسة لائحة في دائرة بيروت الثانية وكانت على مشارف اكتمال أسمائها، وثانياً من إصرار آخرين في “التيار” على الترشّح في المناطق الشمالية، بل يبدو أن استقالة عضو تيار “المستقبل” مصطفى علوش كان تخلّصاً من غطاء “التيار” مع إحتمال ورود اسمه ضمن لائحة سنية في الشمال مدعومة من السنيورة ومن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ولو ضمناً أو بطريقة غير مباشرة.

هذا التشتّت لدى هؤلاء من الواضح سينعكس في صناديق الاقتراع تراجعاً في نسبة المشاركة العامة، وعند الطائفة السنية بشكل خاص، حيث من المتوقّع بحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز دراسات على صلة بحزب الله في الـ 15 دائرة الشهر الماضي أن نسبة العزوف عن المشاركة من بين مجمل عدد المقترعين في الانتخابات الماضية عام 2018 تتراوح بين 15 الى 20 %. الا أن هذه النسبة قابلة للتغيّر – سلباً أو ايجاباً – كلما اقتربنا من موعد الاستحقاق.

حزب الله: جزء من نسيج المناطق على اختلاف طوائفها

أما على مستوى حزب الله وحلفائه، فبعد التحضير للمعركة الانتخابية منذ أشهر تم بلورة اللوائح المشتركة حسب ما تقتضيه المناطق رغم الكثير من محاولات دسّ السّم في علاقات حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وهم مستعدون للمعركة بكل قوّة ومصرّون على انجاز الاستحقاق في موعده، كاشفاً للرأي العام انه الحريص على المواعيد الدستورية، وان جوقة السياسيين والإعلاميين التي نظّرت لأشهر، واتهمت حزب الله برغبته الإطاحة بالانتخابات ما هي الا طبول فارغة يعرف اللبنانيون انها تتحرك بأوامر خارجية وتنفذ أجندات إقليمية ودولية.

وبعد حسم حزب الله أسماء المرشحين عن كل دائرة حسب ما أعلنهم الأمين العام السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة، تؤكد أوساط الحزب المتابعة للعملية الانتخابية أن المرشحين في كل المناطق هم من المقبولين – بالأغلبية – لدى الناس وخاصة في دائرة البقاع الثالثة (بعلبك – الهرمل) ولا يعني ذلك نفي وجود بعض الأصوات أو الرأي الأخر الذي يطالب بتغيير في بعض الوجوه، او أن يقدّم بعض الملاحظات. أمّا في دائرة جبيل – كسروان التي ترشّح فيها الحزبي رائد برّو فتحمل بدورها رسالة مفادها أن القاعدة الشعبية للحزب هي جزء من النسيج الأساس والعام لهذه المنطقة على اختلاف طوائفها وانتماءاتها. كما أن حصول المرشّح الحزبي على أصوات الناخبين يدحض كل التحريض الطائفي ومحاولات بعض الأطراف السياسية “شيطنة” الحزب في الشارع المسيحي.

أمريكا ومرشحوها في مواجهة حزب الله

تبقى المعركة الانتخابية الأساسية لحزب الله مع أمريكا مباشرةً حيث تكثّفت نشاطات السفارة الامريكية في عوكر، وجولات السفيرة دوروثي شيا في المناطق اللبنانية (وأهمها في الشمال لا سيما عكار). فهي تطمح من خلال الانتخابات لإحداث خلل في موازين القوى السياسية والبرلمانية لتحقيق تأثير فعّال في الحكومة المقبلة، كما في الاستحقاق الرئاسي القادم، وقد لوحظ ان جولات شيا تمحورت في الفترة الماضية بين الحالمين لرئاسة الجمهورية رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض، قائد الجيش جوزيف عون، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

مكافحة الفساد تركت بصمات مهمة

في البرنامج الانتخابي – الذي سيعلن عنه حزب الله خلال ايام – فإن انطلاق معركة مكافحة الفساد في العام 2018 ترك بصمات مهمة، وأثار إشكالية في الأوساط السياسية، وحرّك الرأي العام تجاه المحاسبة والوعي بملاحقة الفاسدين. وهو إنجاز مهم بحد ذاته حيث بات الفاسدون خائفين قلقين، رغم صعوبة زجهم وراء القضبان لاعتبارات اما طائفية او مذهبية، او محميات حزبية وإقليمية ودولية، او بسبب الفساد الذي نخر الجسم القضائي من خلال الاستنسابيات والمحسوبيات، كما عبّرت بالحد الأدنى عن موقف حزب الله الرافض لهذا النهج وسياسات هدر موارد الدولة. ومن ناحية أخرى فإن مشروع مكافحة الفساد أو أي من المشاريع الاخرى الإصلاحية يتطلّب بالدرجة الأولى تحمّل الدولة اللبنانية لمسؤولياتها الأساسية كي يتكامل العمل على كافة المستويات، ولهذا يواصل الحزب “الضغط من داخل الدولة ومؤسساتها” لإتمام الإصلاحات والوصول الى بناء الدولة، والقضاء على الفساد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.