كيف تستوي “إسرائيل” في تقسيم بايدن الأيديولوجي للعالم؟

موقع قناة الميادين-

ليلى نقولا:

على مدى عقود من الزمن، استهدفت الحكومة الإسرائيلية المجتمع المدني الرافض للاحتلال وقوّضته، وأقرَّت تشريعات للتمييز ضد الفلسطينيين والأقليات، وقامت بتقليص الحريات الإعلامية.

منذ مجيئه إلى البيت الأبيض، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن إعطاء تفسير للعلاقات الدولية يحمل طابعاً أيديولوجياً، إذ أشار مراراً إلى أنَّ الحالة الحالية للسياسة العالمية هي “نقطة انعطاف”، وأنها “لحظة يحتاج الناس فيها إلى الاختيار بين الأنظمة الديمقراطية للحكم والديكتاتوريات، وإلا سيجدون أن العالم قد تغيَّر إلى الأبد”.

يرى بايدن، ومعه الاتحاد الأوروبي ومَن يدورون في فلك الولايات المتحدة الأميركية، أنَّ هذا التقسيم الأيديولوجي صالح لتبرير التحالفات أو الحروب مع الدول في العالم. وكان الرئيس الصيني قد انتقد هذا التصنيف للحرب الدائرة في العالم، بقوله “إن سردية “الديمقراطية في مقابل الاستبداد” ليست السمة المميزة لعالم اليوم، ناهيك بأنها تمثل اتجاه العصر… الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هي مسعى مشترك للبشرية. الولايات المتحدة لديها ديمقراطية على النمط الأميركي، الصين لديها ديمقراطية على الطريقة الصينية”.

إن تقسيم جو بايدن العالم إلى ديمقراطيات وديكتاتوريات يجعل من المنطقي التساؤل: هل يستوي هذا التصنيف الأيديولوجي على جميع حلفاء الولايات المتحدة، ومنهم “إسرائيل”؟

عملياً، إن تنميط العالم بتقسيمه إلى ديمقراطيات وديكتاتوريات، كما يفعل جو بايدن، يعني أنَّ الدعم الأميركي لـ”إسرائيل” يجب أن يتوقف، فهي أبعد ما يكون عن الديمقراطية، والسياسة التي تقوم عليها هي سياسة الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وقتل المدنيين، والتمييز بين مواطنين فئة أولى ومواطنين فئات متدنية، حتى بين اليهود أنفسهم، هو أبعد ما يكون عن الديمقراطية.

في الخطاب العام، يقوم التعريف الإسرائيلي للديمقراطية بوصفها حكم الأغلبية “اليهودية” بشكل مطلق غير مقيد. لذا، عمدت السلطات المتعاقبة إلى تفصيل قوانين لضمان سيطرة الأغلبية وهيمنتها على الأقلية، وتقسيم المواطنين بين مواطنين درجة أولى ومواطنين من درجات أخرى، بحسب انتماءاتهم الدينية والعرقية.

في الأساس، في مركّبَي الهُوية التي يحاول الإسرائيليون خلقها، وهما اليهودية والديمقراطية، تكمن الإشكالية الأساسية في السؤال الآتي: “كيف يمكن أن تكون إسرائيل يهودية وديمقراطية في آن واحد؟”. إن الدول القائمة على التفوق العرقي هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية، فكيف يستوي معيار التفوق العرقي والطائفي مع الديمقراطية التي تؤمن بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات؟

على مدى عقود من الزمن، استهدفت الحكومة الإسرائيلية المجتمع المدني الرافض للاحتلال وقوّضته، وأقرَّت تشريعات للتمييز ضد الفلسطينيين والأقليات، وقامت بتقليص الحريات الإعلامية. واليوم، تقوم بمحاولة التضييق على القضاء.

إضافةً إلى ما سبق، لجأت الحكومة اليمينية المتطرفة إلى المسّ بالفصل بين السلطات، وهو أساس من أسس الديمقراطية الحديثة. ما يجري اليوم من محاولة منح السلطة التنفيذية سلطة مطلقة على حساب استقلالية السلطة القضائية والنظام القضائي برمّته وقوتهما هو من أساليب الديكتاتورية.

وبالتالي، إن نجاح حكومة بنيامين نتنياهو في ما ترمي إليه – والذي سيجنب نتنياهو المساءلة أمام القضاء – سيغيّر جوهرياً أسس الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب في الادعاء بأنه يدافع عن “إسرائيل المهددة بأمنها، وعن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.

في كل الأحوال، وبصرف النظر عن ادعاءات الغرب في أسباب دعمه “إسرائيل” في تسلطها على الفلسطينيين وجيرانهم العرب، فإن مسار الأمور المتدحرجة في “إسرائيل” سيجعل الدعم الغربي غير قادر على إيقاف التطورات السياسية والاجتماعية التي ستؤدي إلى إضعافها من الداخل.

وهنا، نشير إلى ما يلي:

يرى مئير إلران وموران ديتش، وهما باحثان في “معهد دراسات الأمن القومي” التابع لجامعة “تل أبيب”، أن الحصانة أو المناعة القومية لـ”إسرائيل” تستند إلى 3 أساسات مركزية: التضامن الاجتماعي، وثقة الجمهور بمؤسّسات الدولة، والحوكمة الفاعلة.

ويؤكّد الباحثان في تقرير نشر حديثاً أن هناك تراجعاً مقلقاً جرى خلال الأعوام الأخيرة على المركّبات الثلاثة للحصانة القومية، كما يلي:

– التضامن الاجتماعي: القاسم المشترك الذي يوحّد الفئات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي تقلّص في الأعوام الماضية لمصلحة الفردية والقبلية. وبناء عليه، ازدادت نسبة العداء بين الفئات المختلفة، إضافةً إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة العنف في الحيّز العام.

– الثقة بالمؤسسات: يشير التقرير إلى أنَّ ثقة الإسرائيليين بالأحزاب السياسية ومؤسسات الحكم، وحتى الشرطة، في تراجُع.

– الحوكمة: يتم التعبير عنها من خلال ثقة الإسرائيليين بقدرة النظام على فرض سيطرته في مجالات أساسية للمواطنين. يعتبر الباحثان أنَّ الحوكمة أيضاً في حالة تراجع، على سبيل المثال، يتقلص “الشعور بالأمان الشخصي” لدى فئات واسعة في المجتمع، ويزداد توجيه الانتقادات إلى مؤسسات فرض القانون بسبب عدم قدرتها على أداء دورها بشكل فعّال.

وهكذا، سواء اندلعت الحرب الأهلية في “إسرائيل”، كما يحذّر العديد من القادة الإسرائيليين، أو لم تندلع، فإنَّها تتجه إلى فقدان الصورة الخارجية التي لطالما تمّت صناعتها وترميمها لتلائم تطلعات الرأي العام في الغرب.

على الرغم مما سبق، لا نتوقع تغييراً في الأداء الأميركي والنظرة تجاه “إسرائيل”، فتعريفات الديمقراطية تتأقلم وتتبدل لدى الغرب بحسب الهدف والسياسة المتبعة، فحين يرتبط الأمر بالحلفاء في المجتمعات التي تفتقر إلى الحريات والحقوق المواطنية، فإن التعريف الغربي للديمقراطية يركّز على الانتخابات وإجرائها كمعيار وحيد للديمقراطية، فيما تتوسع إلى الحريات العامة وتمكين المجتمع المدني وحرية الصحافة والمعارضين وقدرتهم على التغيير حين يرتبط الأمر بأعداء الولايات المتحدة أو خصومها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.