لا تراهنوا على «صوت» الشعب قبل أن تعيدوا اليه حقوقه!

جريدة البناء اللبنانية-

علي بدر الدين:

لم يعد خافياً على أحد في الداخل والخارج، أنّ مشهد الصراعات والتوترات ورفع منسوب المواقف السياسية بين أهل الحكم والسلطة والنفوذ والتحاصص، زاد عن حدّه والمسموح به في الآونة الأخيرة، حيث طاف كأس المنظومة السياسية الحاكمة بالأحداث والملفات و»اندلق» منه ما يكفي، ليغطي مساحة الوطن، ويدخلها واللبنانيين في «معاركها» الجدية حيناً والوهمية أحيانا، وتحويلهم بالتالي إلى متاريس وضحايا وخطوط دفاع أولى وثانية ودائمة عن مصالحها، وعن مواقعها السلطوية الحالية وربما الأتية، وباتت الحاجة ملحة وضرورية لـ «أصواتهم» الانتخابية في صناديق الاقتراع، بعد ان أيقنت هذه المنظومة بأنّ المعطيات والمؤشرات والدلائل توحي، بأنّ الانتخابات النيابية أصبحت حتمية، إنْ في آذار او أيار، بقرار حازم وحاسم من الأمم المتحدة كأعلى سلطة دولية وأممية محكومة من دول عظمى كأميركا وفرنسا وغيرهما وإنْ كانت بنسب متفاوتة، هذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال زيارته لبنان ولقاءاته مع المسؤولين والقوى السياسية في السلطة وخارجها، وجزمه لهم أن لا دعم ولا مساعدات لبلدكم من دون حصول الانتخابات النيابية.

هذا يعني بالمباشر، أقله لغاية الآن، انتفاء الحجج والذرائع لدى السلطة لتبرير التمديد للمجلس النيابي الحالي أو تأجيل الانتخابات أو ترحيلها والهروب منها، وهي دخلت حيّز الحصول كأمر واقع، لا يمكن تجاوزه أو القفز فوقه، بالخفة والتلاعب والاحتيال وافتعال المشاكل الوهمية، او برفع منسوب المواقف والسجالات والتجاذبات السياسية والطائفية والمذهبية، التي اعتادت السلطة على اعتمادها كسلاح مؤثر وفعّال، كلما شعرت بأنّ خطراً ما يقترب منها، وكثرة استعماله فقد بريقه وتأثيره والجدوى منه، وأصبح من الماضي، بعد أن قضت الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة على الشعب على اختلاف شرائحه وطوائفه ومناطقه بالضربة القاضية ورمته أرضاً و»شلحته» كلّ ما يملكه على قلته وضآلته، ثم أفقرته وجوّعته وأذلته، ونهبت أمواله وحرمته من الدواء والاستشفاء والتعليم والخدمات ووحدته بالعتمة الشاملة، كما أفلست خزينة الدولة وبدّدت مواردها ومقدراتها، وشلت مؤسّساتها وهجّرت موظفيها، وجعلت منه مجرد كتلة بشرية محرومة من أدنى حقوقها، تنتظر الشفقة، وتتسوّل المجتمع الدولي، لمدّه بمال زهيد او إعاشة أو أدوية لم تعد تصلح لشعوبها، أو باتت في مرحلة انتهاء صلاحياتها، كما كثير من السلع والمواد الغذائية الضرورية، التي تغزو الأسواق اللبنانية.

هذه الطبقة التي كانت أمس واليوم وربما في الغد، سبباً مباشراً بسلوكياتها وجشعها وفسادها ومافياتها في ما وصل إليه الوطن والمواطن والدولة، تحاول على أبواب الاستحقاق الانتخابي النيابي، أن تطمس معالم وآثار وموبقات ما اقترفته وارتكبته من جرائم بحقّ كلّ هؤلاء، بالهروب إلى خلق أجواء مشحونة وتوترات مقصودة وصراعات جديدة وقديمة، وبتحميل مسؤولية ما حلّ بهذا الشعب المسكين إلى بعضها البعض، في محاولات يائسة لتبرئة نفسها من «دم يوسف» وإثبات حسن النية المزيفة لتخفيف الأحكام بحقها والعفو عنها وإبراء ذممها، وإقناع بيئاتها وجمهورها بالتصويت لها مجدّداً وتقسم له، بأنها لن تخذله هذه المرة، وستكون حتماً عند حسن الظنّ بها.

بالفم الملآن، سيقول الشعب أو معظمه لهذه الطبقة أو المنظومة لا، أخطأتم المقصد والعنوان والتوقعات والرهانات لأنه «من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب»، ولن تفيدكم ألاعيبكم ولا وعودكم ولا خزعبلاتكم واحتيالكم ولا تمثيلياتكم ومسرحياتكم التي باتت مكشوفة، ولم تعد تنطلي على أحد حتى لو كان من أقرب المقرّبين لكم، و»روحو خيطوا بغير هالمسلة»، وإنْ لم تصدقوا فإنّ غداً لناظره قريب، وإنْ كنتم صادقين وجديّين بما تعدون به، أوقفوا مهازلكم وافعلوا ما تقولونه، والفرصة رغم كلّ الذي حصل بسببكم لا تزال متاحة، حتى موعد الانتخابات النيابية، التي يبدو أنّ فرائصكم تهتز من حصولها ونتائجها المتوقعة التي تخشونها.

عليكم أولا الاعتذار من شعبكم المظلوم (والاعتذار فضيلة) واخرجوا اليه من قصوركم المحصّنة، وانظروا إلى واقعه الكارثي وكيف يعاني من جوركم وظلمكم واستبدادكم، وأعيدوا له حقوقه المشروعة وأمواله التي نهبتموها وهربتموها إلى مصارف الخارج، افتحوا الطريق لإصلاح ما أفسدتموه، في كلّ مؤسسات الدولة وإداراتها، ومصالحها المستقلة، أوقفوا التلاعب بالدولار والأسعار واتركوا هذا الشعب يعيش بأمان كبقية شعوب العالم من دون ذلّ وهوان وقمع وترهيب وترغيب، ولم تعد تعنيه من قريب أو بعيد مقايضاتكم وصفقاتكم وتسوياتكم وحصصكم وتعيينات أزلامكم ومحاسيبكم والمرتهنين لكم، لأنها تخدم مصالحكم فقط، وتحرم الأكفاء منها، الذين أفرغتم البلد منهم، أعيدوا للحكومة جلساتها، علّ وعسى تكون مفيدة، ولا تسيّسوا القضاء لأنّ في استقلاليته يكمن الحقّ وتسود العدالة، الحبل يطول بأ «مآثركم» وفظاعة ارتكاباتكم،

عندها فقط ربما يصلح حالكم، والطابة أصبحت في ملعب الشعب، الذي وحده سيقرّر مصيركم، وأنتم اليوم أشدّ الحاجة إلى «صوته». ونذكره بما قاله الشاعر الأخطل الصغير (بشارة الخوري) في صالة التياترو الكبير لوزراء ونواب عام ١٩٣٣، خانوا شعبهم ووافقوا الانتداب الفرنسي على اختفاء الخبز…

أشبال ذا الوطن الجريح إلى متى؟

أنتم سيوف بلادكم وتروسها،

موتوا كراماً، أو فعيشوا أمة

تهوي على يدها العلى وتبوسها.

ما أشبه اليوم بذلك الزمان…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.