لبنان أمام مشهدية أميركا في أفغانستان

موقع قناة المنار-

أمين أبوراشد:

ليس اللبنانيون بحاجة لقراءة التاريخ البعيد لتأسيس الولايات المتحدة على عظام ودماء الهنود الحمر، ولا التاريخ المتوسط لهزيمتها الخائبة وانسحابها الذليل من فيتنام منتصف السبعينات، ولا التاريخ القريب في احتلالها للعراق وانسحابها تحت وطأة المقاومة الشعبية العراقية بمختلف تلاوينها، لأن كل هذه الخيبات السابقة لا تُقاس بما يحصل لأميركا حالياً في أفغانستان، بعد عشرين عاماً من احتلالها لهذا البلد بكلفة ناهزت 2 تريليون دولار، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وورَّطت معها دولاً من حلف الناتو، وكل “انتصاراتها” على مدى السنوات العشرين الماضية تختصرها الآن بكيفية إخراج جنودها ومدنييها من مطار كابول!

الربط بين الواقع اللبناني ومشهدية أفغانستان، ينبثق من القاسم المشترك في رهانات دول العالم الثالث على أميركا، والتعلُّق بها الى حدود الحماقة، حتى ولو أسقطت مدنيين تحت عجلات طائرة ومن على أجنحتها خلال تهريب رعاياها من مطار كابول منذ يومين، فيما يُشيد الرئيس جو بايدن بالعملية النظيفة التي أنجزتها حركة طالبان في استلام السلطة دون إصابة ديبلوماسي أميركي واحد أو تعرُّض سفارة غربية للأذى!.

هذا هو معيار “النظافة” لدى أميركا، أن تنسحب وتسحب يديها من كل بؤرة مارست فيها وعليها أشنع أعمال إرهاب الدولة، والعمل على إجلاء جنودها ورعاياها بسلام وأمان، تماماً كما تفعل حالياً بإرسال 5000 جندي للمساعدة في ترحيل كل من هو وما هو أميركي من أفغانستان، حتى ولو ذهب 57 مليون أفغاني الى الجحيم نتيجة الإنقسامات القبلية والعشائرية والسياسية التي ولَّدتها اميركا في الداخل الأفغاني طيلة فترة احتلالها.

ما رشَح لغاية الآن من أداء طالبان، التي ينتمي معظم عناصرها لقبيلة الباشتون، أنها ترغب في التفاهم مع المكونات الأخرى من المجتمع الأفغاني، خاصة القبائل الكبرى مثل الأوزبك والطاجيك والهزارة، بهدف تشكيل حكومة إنتقالية تنشُد عدالة داخلية لم تُحسِن تطبيقها عندما كانت في الحكم بنهاية التسعينات، وعلاقات خارجية جيدة مع محيطها والعالم ضمن إطار القوانين المعمول بها دولياً، لكن طالبان حكماً لن تسمح لأميركا أن تحكمها سياسياً بعد الإنسحاب نتيجة وجود خصوصية دينية وقومية غير مسموح المساس بها.

وواقع أفغانستان بمواجهة أميركا، أقوى من الواقع اللبناني في الإنبطاح لها، لأن القومية التي تجمع الشعب الأفغاني رغم التنوُّع العرقي والإتني تُحصنه أيضاً الشريعة الدينية، بينما في لبنان ورغم الوحدة العرقية والإتنية لا يُسهِم تنوُّعنا الديني في الإستفادة من هذه النعمة، بل تجعلنا في ساحة “تناهش” المحاصصات، لدرجة أن قرار تشكيل الحكومة شرَّع كل الساحات للتدخلات الأجنبية، ولو أن أبرزها على الإطلاق الأميركية منها، مما جعل السفيرة دوروثي شيَّا “مندوباً سامياً” وتمتلك من الوقاحة ما لا يُحتمل تقبُّله في أبسط معايير السيادة، لا لشيء، سوى لأن البعض في لبنان اعتادوا التوسُّل والتسوُّل من الآخرين ولكن دون جدوى، لأن الغالبية الشعبية الساحقة من اللبنانيين لديها ما يكفي من الإنتماء والكرامة رغم كل العذابات والأثمان، وكفى البعض في لبنان “أمركة” في التعامل السياسي مع شركاء الوطن، لأن لا خبز لأميركا عندنا حتى ولو بتنا نشتهي لقمة الخبز…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.