لبنان بين ديفيد بن غوريون وموشيه شاريت

موقع إنباء الإخباري ـ
جعفر سليم*:
ديفيد بن غوريون، كان من الصهاينة الاوائل في عمليات تهجير الشعب الفلسطيني وشارك في قتل المئات منهم بغية الوصول الى تحقيق اهداف العصابات الصهيونية ومنها قيام كيان الاحتلال في فلسطين.
معهد عكيفوت كشف عددا من صفحات مذكرات رئيس اول حكومة للعدو وكيف اعطى اوامره لقوات الجيش الذي تشكل من العصابات الصهيونية لقتل وتهجير الفلسطينيين بالقوة الى البلاد المجاورة، حتى لا يعودوا الى بيوتهم واراضيهم التي احتلها العدو في عام 1948.
واعلن معهد عكيفوت، انه حصل على هذه الوثائق بصعوبة، من معهد تراث بن غوريون في تل أبيب، بعد ان صدر امر برفع الرقابة العسكرية عن قسم منها، واضاف انه ورغم مرور 72 عاما على تدوين المذكرات، لا تزال الكثير منها سرية، ويرفض معهد بن غوريون وارشيف الدولة الكشف عنها حتى اليوم.
يكتب بن غوريون في مذكراته في 2 نيسان عام 1950″ توجد حالات، وصل فيها لاجئو الرملة واللد الى غزة عن طريق رام الله، لأنهم اعتقدوا انه من غزة سيسهل عليهم العودة إلى الرملة واللد، فما العمل؟ ينبغي لنا ان نعمل على تنغيص عيشهم من دون كلل ودفع اللاجئين شرقا الى الأردن لانهم لن يتوجهوا إلى البحر ومصر لاتسمح لهم بالدخول”، اضاف “في كل هجوم يجب ايقاع ضربة حاسمة تؤدي الى هدم البيوت وطرد السكان” وهذا ما نشهده اليوم حيث لا تختلف كثيرا اهداف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في العدوان الحالي على غزة حاليا عن اهداف بن غوريون.
نشرت رسالة بن غوريون الى موشيه شاريت المولود في جمهورية اوكرانيا واول وزير خارجية للكيان الصهيوني وثاني رئيس وزراء بين عامي 1953 و1955، بين فترتي رئاسة بن غوريون لوزراء الكيان الصهيوني الرسالة مؤرخة في 27 شباط 1954، وتدعو الى القيام بمبادرة سرية من اجل انشاء دولة مارونية في لبنان.

بدا بن غوريون كلامه عن قضية اخرى، هذا هو الوقت المناسب من اجل تحريك الموارنة في لبنان بهدف اعلان دولة مسيحية، وقلت ان هذا ليس سوى اضغاث احلام، لان الموارنة منقسمون على انفسهم، واما الذين يؤيدون الانعزالية المسيحية فهم الفريق الاضعف، وهذا لن يساعد في شيء، كما ان لبنان مسيحي لا يعني سوى التخلي عن اقليم صور، وطرابلس، والبقاع اللبناني، كما انه ليست هناك قوة تستطيع اعادة لبنان الى حجمه الذي كان عليه ما قبل الحرب العالمية الاولى، ناهيك بان من شانه ان يفتقر إلى جميع مقومات الحياة من الناحية الاقتصادية، وكان جواب بن غوريون على ذلك غاضبا، ثم أخذ يسوق الادلة على ايجاد تبرير تاريخي للبنان مسيحي مصغر، واذا لم تتوفر جهة ما لتخلق هذه الحقيقة، واذا شرعنا في الاثارة والحث سنتورط في مغامرة لن تعود علينا إلا بالفشل، وهنا هبت عاصفة من التوبيخ بسبب انعدام الجرأة وضيق الأفق ينبغي ارسال مبعوثين وتوزيع الاموال، وقلت ان الاموال غير متيسرة، وجاء الرد المتزن ان هذا كلام سخيف، بل ينبغي توفير المال، فاذا لم يكن من الخزينة فليكن من الوكالة ومن اجل تحقيق هدف كهذا يجب المجازفة بمئة ألف دولار، ولو نصف مليون دولار، شرط ان يتحقق هذا الامر، وبعد ذلك تأتي اعادة ترتيب اوضاع الشرق الاوسط بصورة حاسمة ثم يبدا عصر جديد.
تكشف مذكرات موشيه شاريت رئيس الحكومة العدو ووزير الخارجية النقاب عن ان المؤسسة الأمنية ــ العسكرية في الكيان الصهيوني تبنت منذ سنة 1954 خططا من اجل غزو لبنان لإجراء تغييرات في هيكليته ونظام الحكم فيه.
رد شاريت كان انه من الواضح “ان لبنان هو اضعف حلقة في مجموعة “الجامعة”، والاقليات الاخرى في الدول العربية هي اسلامية، ما عدا الاقباط، الا ان مصر هي اكثر الدول العربية تماسكا ورسوخا، كما ان الاكثرية الحاسمة فيها هي كتلة متراصة واحدة، ومن بشرة عرقية واحدة، من حيث الدين واللغة، والاقلية المسيحية فيها لا تمس سلامة الدولة والامة بصورة خطيرة، اما بالنسبة إلى المسيحيين في لبنان فهذا امر مختلف، انهم اكثرية في لبنان التاريخي، ولهذه الاكثرية تقاليد وحضارة تختلف تماما عن تلك الشعوب، وحتى في الحدود الموسعة فان المسلمين مقيدون في اعمالهم، وحتى ولو انهم اكثرية خوفا من المسيحيين.

ان انشاء دولة مسيحية هنا لهو امر طبيعي، وله جذوره التاريخية، وسوف يحظى بدعم قوى كبرى في العالم المسيحي، سواء الكاثوليكي او البروتستانتي، لكن هذا الامر في الايام العادية يكاد يكون مستحيلا، أولا، وقبل كل شيء بسبب عدم توفر المبادرة والشجاعة من قبل المسيحيين، انما في اوقات الارتباك والفوضى والثورة او الحرب الأهلية، فإن الامور ستختلف وسوف يقول الضعيف انني بطل، ومن الجائز ان الوقت الراهن هو فرصة سانحة للعمل لاقامة دولة مسيحية في جوارنا، ومن دون مبادرتنا ومساعدتنا الحثيثة، فإن هذا الأمر لن ينجز، ويبدو لي أن هذه هي الآن المهمة الرئيسية أو على الاقل احدى المهام الرئيسية لسياستنا الخارجية، وينبغي بذل الجهود والوقت والعمل الحثيث والتحرك في جميع الطرق التي من شأنها ان تقود الى تغيير اساسي في لبنان، واذا ما كانت هناك حاجة الى اموال، ينبغي الا نبخل بالدولارات حتى ولو كنا سنجازف بهذه الأموال، وينبغي التركيز على هذا الامر بكل ما اوتينا من قوة، في رايي لن يكون الامر ممكنا دون تقليص حدود لبنان، ولكن اذا ما وجد اشخاص وتكتلات في لبنان تتجند لاقامة دولة مارونية، لن تكون لها حاجة إلى حدود موسعة والى سكان مسلمين بحجم كبير، وهذا لن يكون عائقا،
لست ادري اذا كان لنا رجال في لبنان، ولكن هناك شتى انواع الطرق اذا ما اقتضى الامر بذل المحاولة المقترحة.

يتوجب علي أولا ان اعين فرضية اساسية واحدة طالما تمسكت بها، وهي انه اذا كانت هناك في بعض الاحيان فائدة وكسب لجهة خارجية للتدخل في الشؤون الداخلية في رقعة من بلد ما من أجل دعم حركة سياسية تصبو هي نفسها الى هدف ما، فإن هذا غير ممكن الا اذا أظهرت تلك الحركة نشاطا ما ذاتيا، حيث تتوافر فرصة لدعم نجاحها او ربما ايضا لتأمين النجاح بواسطة التشجيع والمساعدة من الخارج، ولكن لا فائدة ولا كسب من محاولة استثارة حركة من الخارج اذا لم تكن الحركة قائمة ابدا في الداخل، ويمكن تعزيز روح الحياة فيها اذا كانت هي مفعمة بطبيعة الحال، ومن المستحيل نفخ روح في جسم لا يظهر اية دلائل على الحياة”.
اضاف “بن غوريون انصرف إلى مشكلة لبنان، حلمه القديم، وهو التدخل في شؤون لبنان والسعي إلى اعلان دولة مسيحية، وجرى بيني وبينه مرة نقاش حول هذا الموضوع، وحاولت ان اسوق أمامه الدليل على ان الموارنة هم دعامة واهية، لأنهم منقسمون على انفسهم من الداخل وليس عندهم هيئة تجد في نفسها الجرأة على خوض غمار هذه المجازفة، أو يمكن ان تشكل بالنسبة الينا دعامة وحليفا حقيقيا، اما هو فكان يتوقع احتمال اقدام العراق على غزو سوريا، وقد راودته النزعة نفسها من جديد، ثم تذكر في لبنان دروزا ايضا، اذ انه من الواضح، لسبب ما، انهم سيدعمون تحقيق مغامرة لبنان المسيحي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشيعة، في اعتقاد بن غوريون كل ما يلزم هو العثور على ضباط، ولو برتبة رائد، واستمالته أو شراؤه بالمال، لكي يوافق على ان يعلن عن نفسه بأنه منقذ السكان الموارنة، وعندئذ يدخل الجيش الإسرائيلي لبنان ويحتل ما امكن من مناطق ويقيم حكما مسيحيا متحالفا مع إسرائيل، وذلك على أن يضم المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني إلى إسرائيل نهائيا، وبعد لك تعود الأمور إلى سابق عهدها بسلام، كان من الجائز أن نستجيب إلى رئيس الأركان، وننجز ذلك، ويشدد رئيس الأركان على استئجار ضابط مستعد ليصبح شبح زعيم، لكي يدعي الجيش الإسرائيلي أنه يلبي دعوته من “تحرير” لبنان المسيحي من كاهل مضطهديه المسلمين، فهذا سيكون بالطبع مغامرة مجنونة، بيد ان هذا الأخير كان مستعدا في الظروف الراهنة للتحلي بالصبر حتى تحقق الحكومة العراقية رغبتنا في احتلال سوريا، والحقيقة ان بن غوريون سارع مؤكدا ان مشروعه غير قابل للتنفيذ الا بعد ان يحتل العراق سوريا”، انني لم أر أية فائدة من خوض نقاش واسع وحاد مع بن غوريون، ورغم ذلك، وافقت على اقتراحه بإنشاء هيئة مشتركة بين وزارة الخارجية والجيش لمعالجة شؤون لبنان، وقد أجاب بن غوريون ردا على سؤال، من يصدر التعليمات إلى هذه الهيئة؟ اجاب انها يجب أن تخضع لرئيس الحكومة.

من مذكرات وزير الحرب موشيه دايان بما يتعلق بلبنان هذه الفقرة “ينبغي على لبنان التخلص من بعض مناطقه الاسلامية لكي يوفر لنفسه الاستقرار القائم على القسم المسيحي منه، سوف يكون لبريطانيا نفوذ في العراق وفي الاقسام الجنوبية من شبه الجزيرة العربية، ولفرنسا نفوذ في لبنان وربما ايضا في سوريا، وعلاقات وثيقة مع إسرائيل، ويصبح لقناة السويس مكانة دولية، وتصبح مضائق تيران واقعة تحت سيطرة إسرائيل”.

*عضو اتحاد كتاب وصحافيي فلسطين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.