لبنان ووصاية المحكمة

court-amine-khayat

وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:

منذ الادعاء الصادر من لاهاي ضد جريدة الأخبار وقناة الجديد تشغل قضية التعدي على حرية الإعلام اللبناني قطاعات واسعة من الرأي العام والوسط الإعلامي خصوصا .

أولا  الموقف الإعلامي الذي اظهرته التحركات التضامنية مع الأخبار والجديد كان جيدا نسبيا ولكنه ظل دون مستوى الخطر الفعلي الذي يشكله تحرك المحكمة ضد الإعلام والإعلاميين بدلا من اتخاذها للتدابير والإجراءات المتصلة بالتسريبات المتكررة لمعلومات من دوائرها إلى وسائل إعلام عالمية غير مرة واختارت استنسابا ان تلاحق وسليتين لبنانيتين على تداول بعض تلك التسريبات وبدلا من اهتمامها بكشف ملابسات قضية شهود الزور التي أغرقت التحقيقات الدولية في سنواتها الأولى .

إن تحول المحكمة صوب الضغط على وسائل الإعلام اللبنانية التي تابعت عملها نقديا وألقت الضوء على ثغرات وفجوات خطيرة يشكل محاولة من المحكمة لطمس عيوبها وأخطائها عبر صرف الانتباه عنها ولشد الانتباه إلى قضية ضد الإعلام بادعاء العرقلة والتحقير وهو ما يعتبر تهربا من المسؤولية وخروجا عن إطار مهمة المحكمة الرئيسية المتمثلة بملاحقة التحقيقات في القضية التي يفترض انها مهمتها الرئيسية .

خطوة المحكمة تشكل خرقا للمفاهيم المتعارف عليها نظريا في العالم  باحترام حرية الإعلام في التقصي والتحقيق ونقل المعلومات لتلبية حق المواطنين في المعرفة والاطلاع على سائر الملفات المتصلة بالشأن العام وبالقضايا ذات الصفة العامة وذلك هو السبيل المتفق عليه لتحصين القضاء.

ثانيا  اظهرت قضية الأخبار والجديد استسلام السلطة اللبنانية للوصاية الأجنبية التي تفرضها المحكمة الدولية الخاصة وعلى الرغم من النفاق السياسي الذي مارسه بعض المسؤولين اتجاه الإعلام وحريته فإن الخطوات العملية التي كان ممكنا اتخاذها لقيام الحكومة بواجبها السيادي في حماية الحريات لم تتخذ وبات واضحا أن تمترس المستقبل وقوى 14 آذار خلف المحكمة يستبطن كيدا سياسيا ضد الخصوم يجعل من طلبات لاهاي وسيلة انتقام وتنكيل سياسية بذرائع قانونية وهو يبرر المخاوف من تحويل ما يجري مع قناة الجديد وجريدة الأخبار إلى سابقة تليها خطوات قد تطال وسائل إعلامية اخرى وصحافيين آخرين .

إن تحويل المحكمة أي محكمة إلى جهة محصنة ضد النقد وضد المتابعة والتقصي عن أعمالها يعطيها صفة عرفية منافية لأحكام الدستور اللبناني والقوانين السارية في البلاد خصوصا على الصعيد الإعلامي وقد بات من الواضح ان تحرك المحكمة الخاصة تحول إلى عملية ترهيب استباقية مبنية على روزنامة اتهامات المحكمة المعروفة وتحضيرها لمحاكمات غيابية مقبلة  ستثير ردود فعل شعبية وسياسية واسعة باستهدافها للمقاومة اللبنانية وبما تحتمله من ارتدادات وقد أراد القيمون على المحكمة محاولة إسكات الإعلام اللبناني قبل دخول مرحلة لا تخلو من الإثارة والخطورة .

ثالثا  منذ إنشاء  المحكمة  الدولية الخاصة بقرار في مجلس الأمن الدولي على يد حكومة السنيورة غير الميثاقية التي خالفت الدستور وخرقته في موضوع صلاحيات رئيس الدولة كان واضحا ان الولايات المتحدة صممت المحكمة لتكون جهاز وصاية سياسي وقانوني على البلاد وتكفلت المحكمة نفسها بالعديد من المآثر التي تؤكد جميع الشكوك بشأن وظيفتها التي تنطلق من التعدي على السيادة الوطنية والقوانين والأنظمة اللبنانية  بدءا باستباحة القضاء اللبناني ومسؤولياته في التحقيق والمحاكمة في كل الجرائم المرتكبة على الأرض اللبنانية وصولا لتكريس سلطة المحكمة على جميع السجلات الوطنية بذرائع تحقيق لم يخط أي خطوة عملية ولم يخرج بأي واقعة صلبة وزاد الطين بلة عندما عدلت المحكمة بنفسها قانونها وانظمة عملها وقواعد إجراءاتها بما يتيح لها تصنيع الاتهام السياسي كيفما شاءت .

المحكمة ظهرت على حقيقتها كجهاز وصاية وترهيب يقتضي تفكيكه ونزع شرعيته قرارا سياديا لبنانيا ينطلق من التمرد على الوصاية الأميركية ومن رفض استمرارها بأي شكل كان انطلاقا من ممارسة الدولة لمسؤولياتها السيادية بتفكيك كائن فاقد للشرعية يراد عبره التحكم بمصائر اللبنانيين بعد الهزائم المتلاحقة التي مني بها المشروع الأميركي الغربي الخليجي في لبنان والمنطقة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.