ليلة تهشيم صورة “إسرائيل”

موقع العهد الإخباري-

أحمد فؤاد:

بكل صدق سيبقى يوم السادس من نيسان 2023 يومًا فارقًا ولحظة تاريخية غير مسبوقة في صراعنا مع العدو الصهيوني، اليوم الأبهى والأجمل، الذي زينته الصواريخ السورية المنطلقة إلى الكيان من الجولان، لتستكمل أروع جولاتنا مع العدو الغاصب، وتفتح الأقواس للفعل أمام الجميع، وتترك الكيان وحكومته وجيشه تحت ظلال من اليأس والعجز الشديدين.

إذا كان هناك ملخصًا مطلوبًا لهذة الجولة، والتي انهمرت فيها الصواريخ من غرة ثم لبنان ثم سوريا، وتزامنت معها عمليات المقاومة الفلسطينية الباسلة بعمليات نوعية مؤلمة، بالرصاص في الأغوار، وبالدهس في القدس، فإنها ستبقى في تعليقات إعلام العدو على 3 ليال من الرعب، وعلى لسان أحد مراسليه العسكريين “هل هناك جهة ما في المنطقة أو منظمة نسيت إطلاق الصواريخ تجاه الكيان”.

ما جرى في المنطقة العربية خلال هذه الأيام الساخنة ليس صدامًا جديدًا، وقع دون تخطيط مسبق، ولا هو تطور طبيعي لما كان قبله، ما نشهده هو أقرب إلى وصف المستقبل عند مرحلة الخلق الأولى، زمن جديد بالكامل أطل علينا وأظلنا، وضعنا نحن للمرة الأولى مبتدأ جملته، وقرر محور المقاومة فرض معادلاته على العدو، الذي لم يجد في مواجهة واسعة من هذا النوع إلا تعجيلًا بالهلاك، وابتلع –رغم كل التهديدات- الضربات، وأكثر من هذا، عجز حتى عن الرد الذي يقنع به نفسه وترضى به قطعان مستوطنيه، والأجمل أنه وجد نفسه في ركن زاوية معرض للمزيد من الضربات القاضية.

لم يكسر سلاح محور المقاومة “عقيدة الردع” الصهيونية، وفقط، بل كسر أيضًا “النموذج” الصهيوني المتفوق، ليس عبر عمليات الأيام الثلاثة وفقط، ولكن عبر طريق طويل معبد بالدم والخطوة فيه أخذت منا ما أخذت من تضحيات هائلة، ودماء الأبناء والأخوة والأباء من أهل الله وأصحاب تاج الشهادة ومجدها السماوي، هي التي جعلت هذا اليوم ممكنًا.

عقب قيامه السرطاني على الأرض العربية، ابتدع الكيان إستراتيجية الردع في مواجهة أمة عربية ضخمة تحيط به من كل جانب، وتعاديه حتى النخاع، لم تكن دير ياسين وقانا وبحر البقر شذوذًا عن الإستراتيجية العليا التي حكمت توجهات الصهاينة، بل كانت التعبير المجرد عن عقيدتهم في مواجهتنا، ومع النجاح الذي صادف الكيان، في وسط عربي مشغول باحتلال قديم لم يكن يريد أن يرحل، ونخب لا تزال مشوشة بين ضرورات التحرر وتكاليفه، تحولت نظرية الردع الصهيونية إلى ألف باء الحركة، وكان ضمانها واستمرارها أولوية للقوى العظمى، بريطانيا ثم الولايات المتحدة، ضمن مخطط يرى في الكيان العصا الغليظة لكل خارج عن الإرادة الغربية أو رافض لها.

يمكن اعتبار حرب النكسة (5 حزيران/ يونيو 1967) أهم موقف تاريخي لهذه العقيدة، فبنهاية الحرب كانت الدول العربية المنخرطة في المواجهة المباشرة، مصر والأردن وسوريا، ممزقة الصفوف مبعثرة الكرامة، عقب أثقل هزيمة عسكرية عربية في العصر الحديث على الإطلاق، حيث ساعات قليلة من مواجهة جيوش عربية جرارة أثبتت أن السلاح الأميركي في اليد الصهيوني قادر على فرض إرادته على عشرات الملايين من العرب، وفي غياب عقيدة لدى المحاربين، كان النصر مدويًا، وكان السقوط العربي هائلًا، أليمًا ولا يستطيع العقل –حتى بعد مرور كل هذه السنوات- قادرًا على استيعابه.

ومع حقبة الربيع العربي المشؤوم، تحول الكيان إلى انتهاج سياسة جديدة، لاقت بفعل مخططاته والمؤامرات الأميركية نصيبها من النجاح السهل، ودون حتى أن يطلق رصاصة واحدة، واستطاع عبر وسائل إعلام عربية الاسم صهيونية الهوى أن يزرع فينا هذا النموذج الفائق، وكرّس صورة ذهنية لدى الشعوب العربية بالذات، إنها دولة تملك الكفاءة والقدرة، وتعليم هو الأرقى في المنطقة، وسلاح فتاك لا نحلم حتى بمضاهاته، ومع كل هذا، راية منتصرة ترتفع بعد كل مواجهة عسكرية، ومدن تضج بالحياة وتشبع لهوًا واحتفالًا، فيما تئن مدننا وقرانا المقصوفة بموتاها وتلملم دمائها وجرحاها.

وبكل أسى، فقد نجح الكيان في رسم هذه الصورة الزائفة، ونجح أكثر في تمريرها إلى الوجدان الجمعي العربي، وبينما يكرس هو عقيدة التفوق، حصدنا نحن أثقال عقدة النقص ونجني توابعها مرًا ومرارة.

كانت النتيجة المباشرة هي أن الأنظمة الرسمية العربية تسابقت إلى أبواب الكيان، المغرب والسودان ودول الخليج تهافتت إلى رحلة الحج الأميركية الجديدة، علها تحصد البركة والرضا من واشنطن، وتحقق حلم ناحوم غولدمان القديم بتزاوج المال العربي والذكاء الصهيوني، كمفتتح لعملية سقوط عربية جديدة، وشاملة.

ما قامت به صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية والسورية هي أنها كسرت هذه الصورة التي أريد لها أن تكون النموذج، بكل بهاء وقدرة، وأمطرتنا الأخبار الواردة من فلسطين العربية بشريط طويل من صور حطام المنازل ولهيب الحرائق المندلعة في الشمال والجنوب والشرق، ورويت قلوبنا وعيوننا بوجوه قد صبغها الخوف والرعب والإذلال، وفي الخلفية ألحان موسيقية خلابة من أصوات صفارات الإنذار ودوي أصوات سيارات الإسعاف.

لم يبقى الكثير على قطعان المستوطنين حتى يدركوا أن مشروعهم قد فشل، وأن الحل الوحيد هو الهرب إلى الدول التي جاؤوا منها، مصداقًا لما بشرنا به سماحة السيد حسن نصر الله، وأكد سماحته عليه في أكثر من مناسبة.
..
ما هو معنى النصر؟ هل هو في كسر إرادة العدو، أم هو القدرة على الصمود مهما بلغت الخسائر ومهما ثمنت التضحيات؟ هل هو الموت وقوفًا في وجه أعتى الإعاصير، أم هو مجرد تحقيق النتيجة المخططة والمرجوة من المعركة ولو كنت فردًا واحدًا؟

كل الإجابات ناقصة بغير تاج الشهادة ومجدها الأبدي، كل الإجابات ناقصة بغير الدم الزكي، كلها ناقصة بغير استحضار نضال رجل الأقدار وجنرال القدس قاسم سليماني، هذا هو اليوم الذي بذلت فيه الدم والعرق والألم، هذا هو اليوم الذي نعيد فيه تعريف معنى النصر والكرامة والمجد، هذا هو اليوم الذي نذكرك فيه حاضرًا لم تغيب.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.