مؤتمر 12 تموز 2006 الصحفي: كلماتٌ من ذهب

 

موقع العهد الإخباري ـ
لطيفة الحسيني:
لا تُنسي الاعوام الثمانية معاني عدوانٍ فُرض على شعبٍ لم تتخلَّ عنه مقاومةٌ صلبة تحفظ الامة في السلم والحرب. 12 تموز 2006 رسّخ انطلاقة حقبة نوعية في تاريخ المواجهة مع “اسرائيل”، مواجهة ترتكز على عاملين الاول عسكري والثاني نفسي. الشرارة بدأت بعملية أسر ناجحة لجنديين صهيونيين في خراج بلدة عيتا الشعب الجنوبية، فتدحرجت اليوميات حتى كُتب النصر في 14 آب.عند التعمّق بما أرسته الحرب من عام 2006 الى اليوم، تَرِدُ سريعاً أولى الكلمات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي الشهير في اليوم نفسه من عملية “الوعد الصادق”. كلام مقتضب وحاسم لا يحمل لبساً أو غموضاً. صُلب الخلفيات والحلول يكمن في مخرجٍ وحيد: التفاوض غير المباشر والتبادل.

مؤتمر السيد آنذاك صاغ مبادئ المعركة التي خاضتها المقاومة: “لا يمكن لأي عملية عسكرية أن تعيد الأسيرين .. ضرب جسر هنا وجسر هناك، لن يوصل الإسرائيلي لنتيجة.. وبالتالي ليس هناك غير التفاوض غير المباشر والتبادل لتحرير أسرانا”. كرّرها الأمين العام أكثر من مرة خلال حديثه حتى أضحت مُلازمة لذكرى الحرب في كلّ عام.

كلمات السيد خلال مؤتمره الأشهر في العقد الاخير حُفرت في تاريخ المواجهة مع العدو.. استطاعت أن تَحيَا الى اليوم لسبب جليّ: السيد عَنى جيّداً ما كان يقوله وأدرك مسبقاً معالم الحرب والى ماذا نحن مقبلون.. خصّص للاسرائيلي وقادته رسائل مباشرة لا تحتمل أية مواربة، صرّح يومها “إذا كان هدف العملية تدفيع لبنان ثمن العملية، فبهذه النقطة أقول كلاماً واضحاً ودقيقاً وأنا أعرف حساسية الوضع لبنانياً وفلسطينياً وإقليمياً ودولياً، واقول ببساطة، نحن هدفنا مما جرى أسر جنود والمبادلة ولا نريد أخذ المنطقة إلى أي حرب. أما إذا كان العدو يريد تدفيع لبنان الثمن فنحن مستعدون للمواجهة والذهاب إلى أكثر مما يتوقع”.

ونصح رئيس حكومة العدو ووزير حربه حينها بمراجعة تجارب “اسرائيل” السابقة قبل اتخاذ أي قرار، مذكراً إياهما بأن المزايدات داخل حكومة العدو عطلت عمليات التبادل في السابق.

ولأنّ السيد يعلم تفاصيل الانقسام السياسي الحادّ في لبنان، خاطب الداخل في مؤتمره قائلاً “الوقت ليس للمزايدات… لا اطلب دعماً من احد، ولا مساندة، ولكن أريد أن ألفت نظر اللبنانيين لكي لا يتحدث أحد بلغة تشكل غطاء للعدو.. الوقت هو وقت تعاون وتضامن وبعد ذلك نحن مستعدون للنقاش.. البلد أمام استحقاق ويجب أن يتصرف الجميع بمسؤولية وطنية، والحكومة معنية بأن تحافظ على البلد وأن لا تجعل البلد مكشوفاً أمام العدو”.
لم تغب فلسطين عن بال السيد يومها، فهو دعا أهلها في أول كلمة له بعد أسر الجنديين الصهيونيين إلى المزيد من الصبر والصمود، وشدّد على أن الثبات في لبنان وفلسطين سيؤدي إلى تجاوز هذه المحنة.

منهجية خطاب منتظمة حدّدت العناوين الكبرى للحرب: لا مكان للضعف والتهويل والتهديد.. لا تراجع عن الحقوق.. تمسّكٌ بالمواجهة مع العدو مهما بلغ في عدوانه الى أن يرضخ لشروط المقاومة.

سيناريو الحرب وكما كلّ الحروب التي تشنّها “اسرائيل” بدا مكرّراً. الشعب الأعزل أهداف لا تتخلى عنها “تل أبيب” ومراهنات على ضغوطات في الداخل اللبناني عبر التعاون مع الحليف الاكبر الولايات المتحدة، كشفتها لاحقاً وثائق ويكليكس.

في كلّ مرة كان السيد نصر الله يطلّ عبر الاعلام لمخاطبة الأمة خلال الـ33 يوماً من الحرب، كان يحتكم الى ظهوره الأول الشخصي عندما حدّد شروط المعركة وصولاً الى وقف إطلاق النار. خطة غاصت مراكز الدراسات في الكيان الغاصب في التعلّم منها، لتخلص الى أن السيد نصر الله يتحلّى بأهلية قيادية أكثر من أولمرت (رئيس وزراء الاحتلال آنذاك)، كما قال البروفيسور يوحنان إيشل والدكتور شاؤول قمحي من قسم الطب النفسي في معهد تل حي الأكاديمي في “اسرائيل”.

بحسب هذين الباحثين، تبيّن أن ثمة صفات امتاز بها السيد نصر الله مقابل أولمرت استناداً الى آراء الاسرائيليين وهي تتوزع بين الرؤيا، والتخطيط للمدى البعيد، والقدرة على الإقناع، والحنكة الإيديولوجية والاستعداد للتضحية الشخصية.

القناة العاشرة الاسرائيلية بَنَت على مؤتمر السيد الاول والخطابات اليومية طيلة الحرب لتخلص الى أن الأمين العام لحزب الله هو “العملاق العصري”.

موقع “اسرائيل ديفنس” توصّل الى نتيجة مفادها أن “التحليل البلاغي الفعال لكلام السيد حسن نصر الله” في طلاته الإعلامية ساهم في فهم سياسته، وبالتالي التأثير على اتخاذ القرارات وعلى اتباع سياسة إسرائيلية مغايرة خلال الحرب”.

بعد انقضاء ثمانية أعوام على ملحمة تموز 2006، تشهد يوميات الحرب الميدانية على جبهات المواجهة مع العدو أو الداخلية حيث كانت المفاوضات السياسية تدور، على أن مرجع الأحداث والنقاشات كان مؤتمر 12 تموز الصحفي. لم تذعن قيادة المقاومة تحت ضغط الغارات الجوية وحجم الدمار والشهداء لأي شرط يُجبرها على التنازل عن حق استعادة أسراها من سجون الاحتلال.. انتهى العدوان واستسلمت “اسرائيل” أمام المطلب الوحيد: التفاوض غير المباشر والتبادل.. عام 2008 تُرجم ذلك عملياً وعاد الأسرى وعميدهم سمير القنطار الى ربوع الوطن.

وعليه، أوصلت كلمات الحرب الأولى للسيد نصر الله الاسرى الى ديارهم سالمين، واستردّ لبنان عافيته الوطنية بلا منّةٍ من أحد بلغةٍ ترفض الانصياع الى الإرادات المتخاذلة والمتواطئة مع الأعداء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.