ماذا يحدث في السودان… تصحيح مسار أم تكرار للمشهد المصري

جريدة البناء اللبنانية-

د. علي سيّد:

لا شك أنّ الذي يحدث في السودان مربك ومخيف ومعقد، فالذي يحصل حالياً بعد إعلان القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق الركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ وحل مجلس السيادة وتعليق بعض مواد الوثيقة الدستورية وإقالة حكام الولايات هي كلها نتيجة الإرباك في التوجهات السياسية السودانية على مدى عامين، وبالتحديد بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير وهي شبيهة بالحالة المصرية بين عامي 2011 و2013.

سنحاول أن نتعرّف على هذا المشهد ولبّ المشكلة السودانية، فقد شهدت السودان في الأشهر الماضية اضطرابات وأزمات تنوعت بين الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية لدرجة حصول محاولة انقلاب فاشلة بواسطة بعض ضباط الجيش الموالين لنظام البشير، والذي حصل الآن هو من تبعيات عدم الاستقرار.

مجلس السيادة السوداني الذي تكوّن بعد خلع الرئيس عمر البشير يتألف من مكوّنين: مكوّن عسكري ومكوّن مدني، وجدير بالذكر أنّ السودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير أصبح يعجّ بالتيارات السياسية المختلفة وبكثير من الطموح لهذه التيارات وأكثرها بدعم خارجي وبأجندات خارجية ترغب في إيصالها للسلطة من أجل تحقيق مصلحتهم (الخارجية)، وهم بالنتيجة مرتهنون لرغباتهم وطمعهم وطموحهم في الوصول للسلطة وخاصة أنهم يظنون بأنّ الوقت الحالي هو وقت ضائع والحكام الحاليين هم آنيون لأجل مسمى وكذلك ارتهان بعضهم للأجندات الخارجية، لهذا فإنّ أداءهم السياسي خلال العامين المنصرمين يركز فقط على حصولهم على الحكم أو حصة منه من دون أيّ مسؤولية تجاه السودان وشعبه، وعليه فالسودان لم يشهد أيّ تقدّم اقتصادي في العامين الماضيين (خلال سنتين تراجع الجنيه السوداني من 80 جنيه مقابل الدولار الواحد إلى 440 جنيه حالياً) والعكس هو الصحيح، حصل المزيد من الأزمات الاقتصادية والاضطرابات وتوقف عجلة الإنتاج.

المكوّن العسكري في مجلس السيادة السوداني والذي يمثله عبد الفتاح البرهان لا شك أن عليه ملاحظات كثيرة وهو يدري أن المكوّن المدني (رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وفريقه) يسعى لتقليص نفوذه وتقليم مخالب الجيش، وهكذا فإنّ «البرهان» يعتبر نفسه بما يمثل (الجيش السوداني) الفيصل في النزاعات ويستطيع التدخل لتصويب الأوضاع عند الحاجة، أما المدنيون الطامعون والطامحون للسلطة لا يريدون أن يكون للجيش والمؤسسة العسكرية أيّ سلطان في المشهد السياسي حتى يضمنوا عدم وجود قوة تستطيع خلعهم أو الإطاحة بهم في أي وقت.

لقد قام عبد الفتاح البرهان بعملية شبيهة بما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو يرغب بلعب هذا الدور وإخراج نسخة سودانية مطابقة لما حصل في المشهد المصري سنة 2013.

يقوم عبد الفتاح البرهان الآن بتطمين الشعب بأن عملية الانتقال الديمقراطي باقية كما هي ومستمرة لحين تسليم السلطة للمدنيين (كلمة حق يُراد بها باطل)، ويضيف بأنه سيتمّ تشكيل حكومة تكنوقراط من اختصاصيين بعيدة عن المحاصصة ما بين التيارات المدنية بمعنى آخر حكومة إنقاذ لتسيير أمور البلاد بعيدة عن الأطماع والتجاذبات والطموحات السياسية للتيارات المدنية (وكأننا في المشهد اللبناني منذ أشهر).

بالنتيجة وحتى لا تختلط الأمور، فالصراع ليس كليا بين المدنيين والعسكريين، يوجد بين التيارات المدنية والشعب السوداني من يؤيد الجيش ويراه الضمانة الوحيدة لإنقاذ السودان، وأيضاً من داخل الجيش من هو ضدّ سيطرة الجيش وأيّ ولاية سياسية له، وكذلك هناك أعداد لا يستهان بها والتي ما زالت تؤيد الرئيس السابق عمر البشير وهي داخل المؤسسة العسكرية ومن المدنيين.

الصراع هو بين فكرتين، واحدة تؤمن بأن الحكم للمدنيين لا ينازعهم فيه أحد والأخرى تؤمن بأنه يجب أن يكون للعسكريين دور في المشهد السياسي.

إنّ الصراع الآن هو بين تيار مدني مكوّن من بعض الأحزاب والتيارات السياسية والتي تتبع بمعظمها لأجندات خارجية وبعضها للدولة العميقة، وتيار عسكري يتمثل بالجيش السوداني الذي يرى بأنه يجب أن يكون له دور مؤثر في الأحداث والمشهد السياسي، التيار المدني يريد الجيش خارج المشهد السياسي، أما التيار العسكري فهو يبرّر ما قام به خوفه على السودان أن يقع بيد المدنيين المتصارعين على المناصب والمكاسب على حساب الشعب السوداني والمصلحة العامة للسودان، وللمفارقة فإنّ الطرفين أو التيارين المتنافسين على السلطة هم في فلك السياسة الأميركية إنْ لم نقل «الإسرائيلية» وهم مع التطبيع ولا يمتون بأيّ صلة لمحور الممانعة، ولهذا فإنّ خِراجهم يصبّ في مصلحة الغرب والسياسة الأميركية، وعليه فإنّ هذه الإدارة لن تخسر أيّ شيء في حال انتصار أي تيار على الآخر وهي رابحة في الحالتين، فالصراع هو على السلطة وفقط على السلطة.

خلاصة القول، إنّ الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر والأوحد من لعبة التجاذبات ما بين التيارين اللذين يسيطران على المشهد السياسي، وإلى حين اتضاح ما ستؤول إليه الأمور وبغض النظر عن المصطلحات المعتمدة، تبقى الإجابة غير واضحة على السؤال التالي:

هل هذا الانقلاب هو لتصحيح المسار أو انقلاب الطرف العسكري على الطرف المدني لإزاحته من المشهد السياسي، وهل المشهد المصري عندما استلم الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم سيتكرّر في السودان باستلام عبد الفتاح البرهان زمام الأمور والتربع على كرسي الرئاسة.

حتى يتم التوصل إلى تسوية عادلة ومتوازنة بالرغم من صعوبتها بين الطرفين أو التيارين المتنازعين، للأسف سيبقى السودان مرتهناً لهذه التجاذبات والتناقضات بانتظار ما ستؤول إليه التسويات والمباحثات بين الدول المعنية بهذه الأزمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.