ما لا نعرفه عن تدمر.. تَــدْمُــرُ بعد التحرير .. تُجَدِّدُ سنواتِ المجد

tadmor_1.jpg

تدمر مدينة سورية في قلب البادية السورية تقع على بعد مئتين وثلاثة وأربعين كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من دمشق، تتوسط الطريق الواصل بين الفرات وسواحل البحر المتوسط.

وقد تمتعت مدينة تدمر بشبكة مواصلات على الشكل التالي:

-طريق دمشق تدمر دير الزور الحسكة الذي يوفر من المسافة الحالية عن طريق حلب أكثر من 200كم ويخفف الحمولة على طريق الفرات للوصول إلى طرطوس، طريق حمص تدمر البوكمال الذي يربط العراق الأوسط بطريق مباشر مع ميناء طرطوس، طريق حلب تدمر التنف، طريق تدمر السخنة الرقة، طريق تدمر الوعر الرطبة.

شهدت تدمر عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية، وكان أقدم ذكر لها في وثائق الشرق القديم منذ مطلع الألف الثاني ق.م وذلك في رقيم مسماري مكتشف في “قبدوقية” بالأناضول يذكر (بوزر عشتر التدمري)، كما ذُكرت في رُقيْميْن من مدينة ماري السورية الواقعة على الفرات يعودان إلى القرن الثامن عشر ق.م، ثم في رُقيْم من مدينة “مسكنة/إيمار” على ضفة الفرات والقريبة من “حلب”، يعود إلى القرن الرابع عشر ق.م، الأمر الذي يدحض بقوة الوثيقة الأثرية كل ادعاءات التوراتيين بخصوص تأسيس المدينة وتاريخها.

اسم تدمر آرامي الأصل ويعني الأعجوبة الجميلة (تدمرتو أو تدمرتا، أو من “دَمَر” ويعني المكان المحصّن)…وبخصوص الاسم الشهير “بالميرا” فهو يوناني يعني واحة النخيل الذي اشتُهرت به المدينة.

أما أهم أوابد تدمر ومبانيها فهي معبد بل (بعل) وشارع الأعمدة الكبير وقوس النصر ببواباته الثلاث ومعبد نبو -إله الحكمة والنور والحرف والفنون والكتابة- والحمامات ذات الأعمدة الغرانيتية الضخمة، ثم أهم مباني الشارع الطويل: المسرح والمعبد ذو الأعمدة المخددة وأمامه حوض عرائس الماء أو الحوريات

وإلى جنوب المسرح بعض الأبنية الرسمية كالسوق الرئيسية، سوق الجملة، ومجلس الشيوخ والشعب…ويشار إلى أن أماكن بعض الأعمدة لا زالت قائمة ومنها عمود أذينة ملك الملوك وإلى جانبه عمود للملكة زنوبيا.

وفي نهاية الشارع الطويل من الغرب يقع المدفن المعروف باسم هيكل الموتى، وهو ذو واجهة مثلثة الشكل جميلة، ويُعتقد أن يكون لأسرة أذينة.

ومن الأبنية الهامة معبد الربة العربية اللات –الإلهة الأم عند العرب- والذي تم كشفه عام 1975م، وهو يعود إلى القرن الأول ق.م، واستمر إلى أواخر القرن الأول الميلادي، وفيه تم العثور على تمثال مرمري للربة اللات، وتمثال أسد اللات المسطور بعبارة آرامية تقول:”تبارك اللات كل من لا يسفك الدم في المعبد”.

وبالعثور على معبد اللات يصبح عدد المعابد المعروفة في تدمر ستة هي: معبد بل، معبد بعل شمين (بعل السموات)، معبد نبو، معبد أرصو، المعبد الامبراطوري، ومعبد اللات.

وهناك موقع الغابة المقدسة الذي لم يُعثر عليه حتى الآن، مع الظن أنه بالقرب من نبع “أفقا” الذي يغذّي المدينة والذي عُثر في مدخله على مجموعة هامة من المذابح الحجرية النذرية المكرسة لإله الشمس يرحيبول –حامي النبع.

ومن الجدير بالذكر -وما يعادل جل أخبار تدمر أهميةً- هو أن الزلازل والمغول وإرهابيي “داعش” هم فقط من عمل على تهديم تدمر وتخريبها، فهي لم تشهد أية عمليات تدمير ممنهج في تاريخها، سواء في عهد الأمويين أو العباسيين أو الأيوبيين أو المماليك -أولئك الذين يقتبس الإرهابيون من عهودهم أسماء ألويتهم الإرهابية زوراً وبهتاناً- …

وفي بدايات القرن العاشر الميلادي أصاب تدمر زلزال هدم قسماً كبيراً من مبانيها، وفي أواخر القرن الرابع عشر الميلادي كانت تدمر من جملة ما أحدث فيه المغول دماراً من المدن السورية، وقد تابع الصهاينة التكفيريون المتمثلون بتنظيم “داعش” ما بدأ به المغول المدحورون من بلادنا، فتدمر –رمز الحضارة العالمية، والتي كان فيها مجلس شيوخ ومجلس شعب حسب كتابة مؤرخة في عام 51م تذكر “مجلس كل التدمريين” (جبليا تدمريا كلهم)- تعرضت انطلاقاً من عام 2015م إلى أبشع أشكال التدمير الهمجي الممنهج لمعالم حضارتها من قبل عصابات “داعش” الإرهابية، فشمل الدمار معبد بعل شمين ومعبد بل (بعل) والمدافن البرجية وقوس النصر التدمري وآثار أخرى، مما يعكس نوعاً من الانتقام والحقد من قبل “داعش” ومَن وراءها، ويعكس أيضاً أمراً خطيراً هو أن تدمير التراث السوري هو ضمن أولويات هذه العصابات الصهيونية التكفيرية، فتدمير معالم تدمر الحضارية، إنما يندرج ضمن الحرب على الهوية السورية، والتي شهدنا فصولاً مخزية لها تمثلت في حرب غير مسبوقة على معالم الحضارة السورية ومعطياتها في جل المساحة السورية من قبل العصابات الإرهابية التي تتابع تنفيذ مخطط صهيوني يهدف إلى إعدام الشواهد والأدلّة على مكونات الهوية السورية ليتحقق للصهاينة تفتيت المنطقة ورسم خريطتها بالشكل الذي يكرّس وجود كيان يهودي إلى جانب كيانات مفككة لا انتماء لها بعد ضرب عناصر هويتها، لكن الإرهابيين دُحروا في هذه الأيام بفعل عزيمة الجيش العربي السوري البطل لتبقى تدمر وتستمر المدينة التي غيّرت وجه الشرق والعالم القديم وأغنت الهوية السورية بأهم العناصر الحضارية.

أما أوابد تدمر ومبانيها التي دمّرها الإرهاب فهي أوابد تعبّر عن كل السوريين في عصورهم القديمة والحديثة، فبدءاً من القرن الرابع الميلادي كانت معابد تدمر قد تحولت إلى كنائس للسوريين، وعلى سبيل المثال فالهياكل الرئيسية في معبد بعل وبعل شمين تحولت إلى كنائس لتأدية شعائر الديانة المسيحية، ومنذ بداية القرن الثاني عشر الميلادي فقد تحوّل معبد بعل إلى قرية محصّنة وتحوّل الحرم فيه إلى مسجد للسوريين.

وكما كانت تدمر رمزاً للحضارة في العالم القديم، فقد كان اسمها يبث الرعب في نفوس أعدائها إبان حكم “أذينة” و”زنوبيا”، وقد وصف المؤرخ والخطيب السوري “ليبانيوس” عام 391م “أذينة” بما يلي: “كان اسمه وحده يبعث الرعب في أوصال الأعداء…ذلك القائد المنصور، محرر المدن والمقاطعات، والذي جعل أعداءه يتوسلون إليه بالصلوات لا بالسيوف، وقد تبيّن أن زوجته الملكة زنوبيا قد تفوقت بالشجاعة والجرأة والحنكة لدرجة جعلت منها امرأةً معروفة مرهوبة الجانب…”…ونورد هنا نص رسالة الامبراطور “أورليان” مخاطباً الندوة البرلمانية الرومانية وواصفاً الملكة زنوبيا بالقول : “…ليتكم تعرفون أية امرأة أقاتل، ليت كل الرجال بشجاعة وإقدام زنوبيا، وماذا سيقول التاريخ عني إذا غلبتني هذه المرأة..إنها عدوة لنا ولديها جيش قوي مستعد للقتال، ولا يوجد مقطع من السور إلا ويحوي آلات حربية قادرة أن ترمينا بالنار والسهام…”

ويروي المؤرخون القدماء أن زنوبيا –بعد مقتل زوجها أذينة- ملكت وسيطرت على سوريا كلها، وأنها ثأرت لمقتل زوجها وجمعت قواتها وخلّصت سوريا الطبيعية والجزيرة العربية وأخضعتها بكاملها، وكان بعض أطرافها بيد الرومان، كما تغلبت على القائد الروماني تراسوس وجميع قواته…وتشير النقود المعدنية المضروبة في الاسكندرية إلى سيطرة زنوبيا وابنها وهب اللات على مصر بدءاً من عام 270م، كما امتدت تلك السيطرة إلى آسيا الصغرى مما شكّل تحدياً كبيراً لمستقبل الامبراطورية الرومانية.

إن زنوبيا الآرامية العربية السورية المولودة سنة 235م –والتي تعرّضت سيرتها الشخصية للتحريف والادعاءات المغرضة- هي زينب أو الزبّاء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة العمليقي أحد أسياد العرب في منطقة الفرات الأوسط، والتي كانت تعبد الآلهة الآرامية السورية، ورد اسمها في النقوش التدمرية بالصيغة الآرامية (“بت زبّاي”= بنت زباي)، وثمة نقش على الأعمدة التذكارية في الشارع الطويل بتدمر مسطور بالتدمرية واليونانية جاء فيه: “هذا التمثال لسبتيميا زنوبيا “بت زباي” الملكة المعظّمة التقية الورعة…”…أما “زباي” (زنوبيوس) فهو والد زنوبيا وأمير تدمر استناداً إلى نقش مسطور باليونانية عام 242م أُقيم على شرفه في الشارع الطويل بتدمر شرقي المصلبة، واسم “زنوبيا” هو الصيغة المؤنثة والمصغّرة لاسم والدها “زنوبيوس” (زبد اللات = عطية الإله).

لقد ضاهت شهرة الملكة زنوبيا شهرة أهم ملكات وامبراطورات الشرق مثل “سميراميس” و”كليوباترا” و”أليسا” و”جوليا دمنا”، وحسب “تاريخ الأباطرة” فقد كانت زنوبيا امرأة عفيفة، تظهر أمام جنودها بزي الأباطرة الرومان، مرتدية الخوذة والثياب الأرجوانية الموشّاة بالجواهر، وتربط خصرها عند الوسط بعقد من الأحجار الكريمة، لقد كانت بشرتها حنطية، سمراء الوجه، ذات عينين واسعتين يشع منهما بريق ملتهب، وتمتعت بذكاء إلهي خارق وبفطنة مدهشة، أسنانها بيضاء بحيث يظنها الكثيرون لؤلؤاً، كان صوتها واضحاً يحمل نبرة الرجال، وإذا كان الأمر يتطلّب الحزم كانت جادة حازمة، وإذا كان الموقف إنسانياً فهي لينة فطنة وسيدة مطاعة، استخدمت لركوبها عجلة حربية ذات عجلتين وأحياناً ذات أربع، وكانت تمتطي جواداً على الغالب، وتسير مع جيشها ورجالها على الأقدام لمسافة ثلاثة أو أربعة أميال، كانت تهوى الصيد وتخرج له مع كلابها بحب كبير، وتشرب مع قادتها، أما مع ضيوفها من الفرس والرومان والأرمن والعرب فتشرب مجاملةً لهم حتى يقعوا ثملين.”

جهينة نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.