محطات روسية في الصراعات الأوسطية

russia-middle-east

صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح*:
وزير الدعاية السياسية النازي ومرافق هتلر الى لحظة انتحاره هو صاحب مقولة: إكذب.. اكذب واكذب حتى يُصدّقك الناس فيصبح الكذب حقيقة، وهو الذي قال كذلك: «كلما سمعت كلمة مثقّف تحسّست مسدسي»، وفى رواية أخرى «كلمة ثقافة». هذا هو حال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها ومشايعيها فقد أصبح الكذب خبزهم اليومي، ويعتقدون بأنه بالكذب وحده يمكنهم زحزحة الموقف السياسي الروسي لجهة تقويض الدولة السورية وأركانها، ومِن بعدها الموافقة على دمار دول المنطقة العربية، وفي محاولة يائسة منهم لبسط السيطرة الإمبريالية والإسرائيلية على كل المنطقة، وبكل ما تعنيها هذه السيطرة من انتهاك للعروبة السياسية وانتهاء لها ولوجودية العرب.
على ما يبدو تحلم كلنتون ومَن يَلف مِن حولها وورائها ليلاً بأن روسيا بدّلت مواقفها وغيّرت من توجّهاتها السياسية لتصير على شاكلتهم استعمارية وتوسعية ورجعية وصهيونية، وقبل إشراقة صباح كل يوم يتنادون في الإعلام لنشر الذي يعتقدون بأنه حقيقة، فتجهد قنواتهم وأزلامهم المُمَوَّلين من نفط الصيصان على فبركة لم تشهدها النازية والفاشية حتى.
لا استغرب الحَملة المَسعورة ضد الإستقلالية العربية من جانب أذناب أمريكا على إختلاف ألوانهم وسِحنهم، فهم يلتقون على ضرب سورية ومحاولة إسقاطها، ليس بالحرب الدعائية الغوبلزية فحسب، بل وبإعتماد مُمَثِّلين عَن المعارضة السورية في بلدانهم، فهؤلاء العربان لا يستطيعون التمرّد على أمريكا حتى ولو أدى ذلك الى إخراجهم من السلطة، ففضائحهم تقودهم الى تنفيذ كل المطالب الأمريكية حتى وإن أدى ذلك الى تخليهم عن السلطة وتسليمها لغيرهم، وهو الذي سنشهد في المقبل مِن الأيام بعد تكنيس سورية نهائياً مِن الارهابيين الدوليين، فيبدأ صِراع الدِيكة العائلي على المكاسب والمغانم المتبقية لديهم.
الحملة المسعورة التي قادتها واشنطن ضد الموقف الروسي والتشكيك به والإدعاء بأنه “عاد الى جادة الصواب”، و”تكاتف” مع أمريكا و”تساوق” وطروحات واشنطن إدعاءً لجهة تقدّم الإرهابيين على القوات الحكومية، ونجاحهم المزعوم في احتلال أجزاء كبيرة في سورية، واجه صدّاً مِن جانب موسكو، التي نفت بكل هدوء على لسان المتحدث بإسم وزارة الخارجية الروسية ما أشيع عن تصريحات نسبت للمبعوث الخاص لرئيس روسيا إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وقالت  أن بوغدانوف “لم يدلِ بأية تصريحات خاصة بشأن سورية في الأيام الأخيرة”. الإرهابيون في سورية وقادتهم وقياداتهم الأمريكية والعربية يحلمون بإنتصار سريع على السلطات السورية بالتلفيق والكذب، في حين تم دحر معظمهم على أرض المواجهات ولم يَبق منهم سوى فلول تستغيث.
روسيا وعلى لسان بوغدانوف اعلنت عن: “تمسكها بموقفها الذي لا يرى بديلاً للتسوية السياسية في الجمهورية العربية السورية، وهي تسوية تستند إلى البيان الختامي لـ”مجموعة العمل” الذي تمت الموافقة عليه بإجماع المشاركين في الإجتماع الوزاري في الثلاثين من حزيران من العام الجاري في جنيف”، وبهذا فقد عرّى بوغدانوف والكرملين التلفيقات الأمريكية و”العربانية” التي تُشن على شاكلة الأنماط الدعائية النازية والفاشستية المقبورة روسياً وسوفييتياً. عربان أمريكا وأبواق كلنتون لم يشيروا الى موقف بوغدانوف الذي إتّهم “القوى الخارجية” بأنها مستعدة لتقديم حياة آلاف السوريين فداء من أجل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكونه إدانة واضحة وصريحة لكل رهط الحلف العدواني على العرب قبل أن يكون رهطاً عدوانياً على سورية وشعبها.
ومِن المُفيد هنا التذكير بموقف روسي آخر على لسان رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية ليونيد إيفاشوف، الذ صرّح بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يحاول تخريب منظومة القانون الدولي والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة ونظام الأمن الدولي، وتناول إيفاشوف مسألة نشر حلف الناتو لصواريخ “باتريوت” في تركيا، واستطرد: “إن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لا يزال يحاول بناء العالم وفق مخططاته الهيمنية الخاصة.. نحن نرى خلال عشرات السنين عملية تدمير وقمع للدول التي تحاول إتّباع سياسات محلية وخارجية مستقلة ولا تريد أن تتبع المنظومات السياسية والمالية للغرب”؛ مؤكداً بأن سوريا أصبحت (آخر ضحية) لهذه العملية..، وبأن الوضع في البلقان وليبيا وتونس هو نتيجة لرغبة الدول الغربية في إبطاء عملية نمو هذه الدول، ومحاولة لجرّها إلى الديون الائتمانية الأبدية”… بينما صرح مُمَثل روسيا لدى الحلف الأطلسي، الكسندر غروشكو، بأن “نشر صواريخ الدفاع الجوي على الحدود التركية السورية، بمثابة دليل واضح على انجرار هذا الحلف إلى النزاع السوري.. ولا نستبعد بأن يكون نشرها وسيلة دافعة الى تصاعد إنجرار حلف الناتو بسبب حادث ما أو تحرش استفزازي”.
روسيا البوتينية النهضوية لن ترضى على نفسها أن تكون ألعوبة بيد الكاوبوي الأمريكي المستهزئ بالعالم أجمع، فهي دولة كبرى ومستقلة، لذا فقد صرّح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن “إضطرابات “الربيع العربي” والعمليات الدراماتيكية الجارية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية تضر بمصالح روسيا الوطنية والاقتصادية.. وهي تحول دون تنفيذ عقود وقعتها شركات روسية مع مؤسسات اقتصادية وشركات عربية.
وقال بوغدانوف بأنه يرى “أن حملة الانتقادات الموجهة لروسيا بسبب موقفها من سورية إنما تهدف إلى إضعاف نفوذنا في المنطقة وتجميد العلاقات مع بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية.. وإلى إضعاف النفوذ الروسي في العالم العربي.. وتترك  أثراً سلبياً على الوضع في شمال القوقاز”. وقد نصحت موسكو القوى الفالتة مِن عقالها بلسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ضرورة ألاّ تشهد منطقة الحدود التركية السورية “تراكماً للأسلحة”.. و..”انجرار الناتو إلى الأزمة السورية”!.
التصريحات الروسية فيما يخص القضية السورية كثيرة وهي مبدئية ولا يمكنها أن تتقاطع مع الإرهاب والإرهابيين الذين يضربون سورية والمنطقة العربية والنيل من قلب روسيا وأطرافها، لكن أبواق كلنتون ونتنياهو وعربانهم الذين لا يتقنون اللغة العربية لا شفاهة ولا كتابة لا يقوون على الإعتراف بهذه الحقائق الروسية الساطعة، لأنهم استمرأوا خلال الحقبة الماضية النيل بكل صفاقة ووضاعة وخساسة من روسيا ومواقفها، وهدفهم غير المُعلن ضمن استراتيجية شاملة: فصل المواطن العربي عن حلفائه التاريخيين والموثوقين موسكو وبكين تمهيداً لجرِّ العرب أجمعين الى مستنقع الإستسلام فالموت.
*رئيس الإتحاد الدولي الإلكتروني للصُحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.