مسؤول #الإعلام_الحربي في #حزب_الله لـ #السفير: #داعش منافسنا الإعلامي في #سوريا


فائقة مزرعاني – صحيفة السفير

لقطة من ثلاث ثوان كانت كفيلة بإقالة ضباط المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي. هي لقطة زرع راية المقاومة على موقع «تلة الدبشة» في 29 تشرين الأول 1994. لقطة وثّقها «الإعلام الحربي» في «حزب الله» هزت كيان الاحتلال وأجبرته على إجراء تحقيق لثلاثة أشهر انتهى بخلاصة «نعم، حزب الله فعلها». عند كلّ استحقاق قالت الصورة كلمتها إلى جانب رصاص المقاومة. وفي السنوات الماضية رافقت دمغة «الإعلام الحربي» صورًا وفيديوهات من الميدان السوريّ جابت الفضائيات ومواقع الإنترنت، في سباق مستمرّ لنقل الصورة بجودة عالية. بدأ «الإعلام الحربي» في «حزب الله» مهماته منذ الثمانينيات، من خلال تصوير عمليات زرع العبوات بفريق لا يتعدّى الخمسة أشخاص. أول عملية تصوير اقتحام كانت لموقع «سجد» في العام 1986.
اعتمدت تسمية «الإعلام الحربي» رسميا في العام 1994، وقد شكّل تاريخ 15 نيسان 1995 علامة فارقة في مسيرة هذا الجهاز. يومها صُوّر الاستشهادي صلاح غندور «ملاك» وهو متوجه بسيارته لتفجير قافلتين إسرائيليتين. تسلل المصور مع صديقه إلى منطقة الشريط الحدودي وودعه. بعدها توجه إلى «حرج الطيري» حيـــث صور لحظة التفجير وقضى ليلته في الحرج قبل أن تســـمح له الظروف بالخروج من المنطقة المحتلة لتسليم الشريط.
يروي مسؤول الإعلام الحربي في» حزب الله» (ح. م.) لـ «السفير» عن مساهمة الصورة في العمل المقاوم. فعندما كان العدو الإسرائيلي يحاول إخفاء خسائره وتحجيمها وحجب المعلومات عن عمليات المقاومة، كان «الإعلام الحربي» يوجه الصفعة تلو الأخرى للقادة الإسرائيليين، ويجبرهم على فتح تحقيقات بشأن الصور المنشورة للجنود القتلى، التي غالباً ما كانت تؤدي إلى إقالة عدد كبير من قادة الجيش وضباطه. «ليس خفيًا دور مشاهد اقتحام المقاومة لعدد من المواقع في انهيار ما يعرف بـ «جيش لبنان الجنوبي» (جيش لحد) إبان التحرير في العام 2000».
تزايد طاقم «الإعلام الحربي» من عشرات إلى مئات من الأفراد المتخصصين في تصوير المعارك والعمليات، وتطورت معداته فانتقل من الكاميرات الكبيرة والأشرطة في التسعينيات، إلى الكاميرات الرقمية والكاميرا الطائرة التي استخدمت في الحرب السورية وكان لها دور فاعل في مراقبة المجموعات المسلحة. يحرص القسم على مواكبة التكنولوجيا واختيار أفضل أنواع الكاميرات التي تتحمل الصدمات والعوامل المناخية للحفاظ على محتواها لأكبر وقت ممكن في ظروف الحرب.
يرى (ح. م.) أن المصور المنتسب إلى «الإعلام الحربي» هو كأي مقاتل في «حزب الله»، لأنه يخضع لجميع الدورات من التدريبات البدنية والإسعافات الأولية واستعمال السلاح، إلى الدورات الخاصة بالتصوير إضافة إلى دروس في كيفية التعامل مع الظروف القاسية المحيطة بالمعارك والتركيز على المهمة الموكلة إليه. «لا يمكن لأي فرد الانضواء في الإعلام الحربي ما لم يمتلك الشغف بالتصوير والاندفاع ليستطيع الصمود وتحمّل الضغوط. نجاح المصوّر في عمله ينبع من إدراكه لعظمة المهمة التي يقوم بها ومدى تأثيرها في الحرب النفسية على العدو. فالصورة قادرة على تحقيق إصابات مباشرة يعجز السلاح عن تحقيقها على أرض الواقع».

الصورة شريكة الإنجازات
يؤكد (ح.م) أن صـــور جثث جنود الاحتلال وآلياته المحطّمة تزعزع المجتمع الإسرائيلي وتشكل ضغطاً كبيرًا على قادته السياسيين. فبات يفرض رقابة صارمة على وسائل إعلامه تفادياً للضرر اللاحـــق بالمؤسسة العسكرية جراء اهتزاز صورتها أمــــام الرأي العام الإسرائيلي الذي بات يؤمن بمصداقية «الإعلام الحربي» أكثر من إيمانه بقادته. «وحدها اللحــــظات المصيرية تدفع المصور إلى إنزال الكاميرا واستخدام سلاحه للقـــتال، هي لحظات المواجهة مع العدو من مسافة قريبة، أو عند وقوعه والمجــــموعة التي يرافقها في كمـــــين أو تحت الحصار. كــــذلك يفرض سقوط جريح على المصور تقديم الإسعافات الأولية لحين وصول المساعدة الطبية».
يروي زميل (ح.م) «جواد» (اسم مستعار) تجربته مع «الإعلام الحربي». حمل الكاميرا منذ العام 1994، عندما كان يساعد ابن عمه في محل التصوير، ويجول متباهياً بين أقرانه. «كانت الكاميرا يومها آلة نادرة». لطالما راوده حلم الانضمام إلى «الإعلام الحربي»، كانت مشاهد الاقتحام وزرع العبوات التي يشاهدها على التلفاز تحرك فيه رغبة جامحة لخوضها، ولم يتأخر تحقيق الحلم. أواخر العام 1996 زاره أحد الأشخاص في منزل أهله عارضًا عليه الانضمام إلى «الإعلام الحربي».
طلب من «جواد» تصوير إحياء «يوم القدس العالمي» في صور. لم يفوّت ابن السبعة عشر عاماً فرصة إظهار موهبته في التصوير فنال موافقة المسؤول وانضمّ الى المجموعة. كذلك أثبت جدارته في تصوير عمليات المقاومة، فاختير للمشاركة في تصوير اقتــحام موقع «بئر كلاب» في إقليم التفاح في 27 شباط 1997، وتعرّض للإصابة. «المشاركة في عمـــلية اقتحام (تتطلّب ثلاثة مصــورين على الأقل) هي هـــدف كل عنصر في الإعلام الحربي. كانت تخلق نوعا من التنافس والغيرة «الإيجابية» بين الزملاء».
يصف «جواد» مهمات «الإعلام الحربي» قبل التحرير بأنها أقرب إلى الاستطلاع وتتركز على تصوير المواقع. «كنّا نختبئ لساعات طويلة في ظل شجرة لانتهاز أي فرصة تسمح بالتقاط أكبر عدد من الصور لمساعدة المقاومين». يؤكّد «جواد» أن هذه المهمة تحتاج الكثير من الصبر «فأي صعوبة أكبر من أن تكون على بعد أمتار قليلة من جندي إسرائيلي قد لا يحتاج أكثر من رصاصة في رأسه». إلا أن الالتزام بالأوامر لا يسمح له بالقيام بأي حركة قد تعرض الخطة للانكشاف.

رهاب الكاميرا الطائرة
تنامت أهميّة «الإعلام الحربي» وتوسّع انتشاره خلال الحرب في سوريا. وباتت المواد البصريّة التي ينتجها مصدرًا أساسيًا للأخبار الميدانيّة. بداية نشاط «الإعلام الحربي» في سوريا انطلقت من منطقة السيدة زينب، حيث عمل (ح.م) على تشكيل نواة للإعلام الحربي في سوريا، فجهّز مركز تدريب لعدد من الشباب السوريين ليصل عدد الطاقم إلى 250 عنصراً محترفًا يرافقون المجموعات المقاتلة. «تشكّل التجربة في سوريا منظومة إعلامية متكاملة وباتت بانتشارها ومصداقيتها مرجعاً نسعى لنقل بعض تجاربها إلى لبنان تحضيرا لأي حرب مقبلة مع العدو الإسرائيلي».
يشرح (ح.م) الفرق بين المواجهة مع العدو الإسرائيلي والمواجهة مع التكفيريين في سوريا، فيصف المعركة مع الإسرائيليين بالمعركة الأصعب كون المواجهة معهم هي مواجهة عدو يمتلك أكثر التقنيات تقدما وأحدث أنواع الأسلحة، بينما المواجهة مع التكفيريين هي مواجهة مع جماعات لا تملك الحد الأدنى من التجهيزات الحديثة على الصعيد الإعلامي (باستثناء داعش والنصرة). «عند إخراج المسلحين من منطقة الزبداني خلال الهدنة قال لي أحد قادة المسلحين: أرعبتنا صوركم طوال معركة الزبداني. لقد خاف المسلّحون من الكاميرا الطائرة فلم يجرؤوا على الخروج من مخابئهم». يشير مسؤول «الإعلام الحربي» إلى أن «جبهة النصرة» تتمايز عن باقي الجماعات بامتلاكها بعض المعدات الحديثة، أما تنظيم «داعش» فيمتلك المعدات الأكثر تطورا وهذا يظهر جليا في فيديوهات التنظيم التي استعملها في حربه النفسيّة. «مما لا شك فيه أن الغرب وصانع هذا التنظيم قد كرّس أفضل الإمكانيات التقنية والبشرية لخدمة مشروعه ونجح في ذلك، ونعتبره اليوم منافسنا على المستوى التقني في الحرب السورية». كما يؤكّد: «سوريا سقطت في حرب الصورة، والصورة تستعيدها».

الأمر للميدان
وحدها صور الجثث المشوهة، لا يسمح بنشرها عبر «الإعلام الحربي» أو يتم تمويهها. فيما تعتبر جميع صور جثث الأعداء والآليات سلاحًا فتاكًا في المعركة الإعلاميّة. يؤكّد (ح.م) أن «صور الكمين الذي نفذته المقاومة وظهرت فيه بصمة الشهيد علي فياض (علاء البوسنة) ترك أثرًا بالغاً في المعارك الدائرة في سوريا».
من جهته، يتوقف زميله «جواد» لحظات قبل الغوص في تفاصيل تجربته في سوريا. «هناك قصة أخرى، لا تشبه أياً من القصص التي عايشتها في الجنوب، المعركة هناك لا يحكمها وقت يحدده القائد لإنهاء المهمة، وحده الميدان يصدر الأمر». وحدها عملية تحرير قرية دير سلمان في الغوطة الشرقية دفعته لاستعمال سلاحه. حوصرت مجموعته، وتعرض للإصابة وبقي لفترة غير قصيرة ينزف من دون قدرة على الحراك، وحدها يده بقيت قابضة على الكاميرا الصغيرة حتى نقل الى مكان آمن.

غيرة العدوّ
يرفض «جواد» الاختيار بين مهمة تصوير عملية ضد العدو الإسرائيلي أو ضد الجماعات المسلحة. «العدو هو هو مهما اختلفت تسميته، مهمة الكاميرا نقل الصورة أينما كانت». مضيفًا: «الرصاصة تقتل فرداً لكن الصورة تستهدف مجتمعا بكامله». يستذكر «جواد» زملاءه الشهداء كالمخرج حسن عبد الله (كرار) والشهيد محمد نذر (شهيد)، ويتّخذ من شهادتهم دافعًا للاستمرار. أمّا (ح.م) فلا ينسى توجيه «التحية الواجبة لمؤسسي الإعلام الحربي الحاج مصطفى بدر الدين والحاج عماد مغنية اللذين كانت لهما اليد الفضلى في إيصاله إلى الاحتراف لإدراكهما أهمية دوره في العمل المقاوم».
تشير المعلومات اليوم، بحسب (ح.م) إلى أن الإسرائيلي تعلم الدرس وهو يجهز وحدة «إعلام حربي» خاصة به ظهرت خلال المناورات الأخيرة، وتحمل توصيات في مرافقة تشكيلات النخبة في الجيش الإسرائيلي مثل «ايغوز» و «جفعاني» وتقديم الصور المثالية عنها. «في الحرب المقبلة على لبنان ربما يقف مصور إعلام حربي في «حزب الله» بوجه مصور في الجيش الإسرائيلي . يتذكّر «جواد» أجمل صورة التقطها قائلاً: «كانت عن طريق الصدفة للشهيد محمد قانصو (ساجد الدوير) وهو يحمل راية المقاومة على الملالة الإسرائيلية. لم أكن حينها أعرف هوية ذلك الشاب لكن صورته كانت أجمل صور الانتصار، إنها صورة العمر». وعند سؤاله عن تقاعده يجيب باستغراب: «أتقاعد ؟ أنا؟»، ينظر إلى الكاميرا قائلاً: «هذه رفيقة العمر وستبقى حتى الشهادة».

خدعة الصورة
يوم سقوط يبرود تسللت مجموعة من «الإعلام الحربي» الى تلة مشرفة على البلدة وقاموا بتركيب صحن فضائي «أس أن جي» ليبثوا الصور مباشرة. وفي الوقت نفسه تقدمت القوات المقاتلة الى تلة المشرفة. بثّت صور المقاتلين في مواقعهم وصور الموقع حيث تمركز طاقم «الإعلام الحربي» وقدّمت للمسلحين على أنها صور لمنطقة واقعة تحت سيطرة الحزب. ترافق بثّ الصور مع تهديد أطلقه مسؤول العمليات العسكرية في المنطقة للمسلحين، ضمن خطة محكمة استغرقت أربع ساعات بإشراف مباشر من المسؤول العسكري في «حزب الله» مصطفى بدر الدين. انطلت الخدعة على المسلحين وانسحبوا من البلدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.