مسار التطبيع بين العرب وإسرائيل، الأفق والنتائج

صحيفة الوفاق الإيرانية:

من التحديات الدائمة للحكومات العربية في العقود الأخيرة هو كيفية مواجهة إسرائيل، بعض الحكومات العربية تعتبر القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني مسألة عربية، في حين يعتبرها عدد أقل من الحكومات قضية إسلامية. مع وجود ذلك فإن عامة الحكومات العربية -سواء اعتبرت فلسطين قضية عربية أو إسلامية- تتفق وتتفاهم في شيء واحد وهو مخالفة إسرائيل وعدم شرعية احتلاله.

في ظل ذلك يعتبر التصالح وإقامة العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل بمثابة كسر للعرف، ويمكن اعتبار الصلح بين مصر وإسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد أول خطوة في هذا المجال، الاتفاق الذي اعتبرته مجموعات المقاومة بمثابة صفقة “الأرض مقابل الشرعية”، أما اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل فيمكن اعتبارها الخطوة الثانية على طريق تطبيع العلاقات بين الحكومات العربية وإسرائيل. الوجه المشترك للموجة الأولى لتطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل هو أن تلك الدول العربية كانت جارة لفلسطين المحتلة والاتفاقيات الثنائية المذكورة كانت نوعا من إضفاء الشرعية على إسرائيل وترسيخا لنظامها.

قامت الموجة الثانية من تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل في عام 2020 ويعتبر اتفاق السلام الإبراهيمي بدايتها وقد أدى إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين. بعد ذلك قام كل من السودان والمغرب أيضا بإيجاد تحول في علاقاتهما مع إسرائيل. تختلف طبيعة الموجة الثانية من التطبيع بشكل كامل عن الموجة الأولى، فليست أي من هذه الحكومات العربية التي تقع على الخليج الفارسي وفي شمال أفريقيا جارة لفلسطين. لقد لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط في عقد هذه الاتفاقيات والسمة العامة البارزة لها هي كونها موجهة ضد إيران ومحور المقاومة.

في ظل هذه الوقائع عقدت مجلة دراسات السياسة الخارجية الفصلية في طهران طاولة بحث تحت عنوان: “مسار التطبيع بين العرب وإسرائيل، الأفق والنتائج” بحضور متخصصين في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لبحث الأبعاد المختلفة لسياسة التطبيع. تم عقد هذه الجلسة بحضور السادة الدكتور مجتبى أماني، الرئيس السابق لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر، والدكتور مجتبى فردوسي بور، السفير السابق لإيران في الأردن، والدكتور مهدي هنرمند زادة، الخبير في شؤون غرب آسيا، ويونس كوليوند، المتخصص في شؤون منطقة بلاد الشام.

– كوليوند: أتقدم بالشكر للأساتذة المحترمين المشاركين في هذه الجلسة، بالنظر إلى الموضوع الذي اختير للجلسة وهو تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والدول العربية والذي هو نتاج للمرحلة الجديدة للتطبيع، في البداية سيقوم الدكتور هنرمند زادة بطرح مقدمة حول هذا الموضوع.

– هنرمند زادة: سأقوم بعرض مقدمة بعنوان طرح البحث كي يتفضل السيد فردوسي بور والدكتور أماني بطرح الموضوع الأصلي. فيما يخص تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني فإن الأخير كان قد حدد سابقا ثلاثة مستويات لعلاقاته مع الدول العربية والإسلامية:

1- المستوى الأول هو العلاقات السرية مع أجهزة الاستخبارات، وقد كان لأجهزة استخبارات الطرفين علاقات مع بعضها منذ قديم الأيام.

2- المستوى الثاني هو العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري الذي يشمل المصالح الاقتصادية للدول العربية والإسلامية.

3- أما المستوى الثالث فهو المستوى السياسي، وقد بذل الكيان الصهيوني الكثير من الجهود لأجل تطبيع علاقاته السياسية مع الدول العربية والإسلامية وسعى من خلال هذه المستويات الثلاثة لحل أزمة شرعيته في منطقة الشرق الأوسط (غرب آسيا) إلى حد ما.

في الماضي عندما كان يدور حديث حول تطبيع العلاقات كانت الإشارة تعود إلى تطبيع العلاقات والسلام بين مصر وإسرائيل وإلى فترة ما بعد عام 1994 عندما طبع الأردنيون علاقاتهم مع إسرائيل. تختلف طبيعة الفصل الجديد من التطبيع عن الفصل السابق له، ففي الفصل السابق كان يقال بأن شرط تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل هو حل القضية الفلسطينية، وكان العرب يقولون بأنه إذا ما تم حل القضية الفلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم فإن الدول العربية مستعدة لإقامة علاقات سياسية مع الكيان الصهيوني في إطار آلية معينة. أما في الفصل الجديد من التطبيع فنرى بأن دولا مثل الإمارات والبحرين وذلك بمحورية السعودية من وجهة نظري الشخصية والتي لم تجعل هذا الأمر علنيا، قد قامت ببدء عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني. علاوة على أنه في هذا المشروع الجديد لم تشكل الإمارات ودول الخليج الفارسي مانعا أمام التطبيع فحسب، بل إنها أيضا عملت على تسهيل إقامة العلاقات مع إسرائيل. علينا في هذه الجلسة أن ندرس طبيعة وخصوصيات التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذه المرحلة في مقابل المرحلة السابقة والمراحل التي قبلها.

النقطة الأخرى التي يجب أن نبحثها هي أنه في إطار مشروع صفقة القرن التي قدمها ترامب للشرق الأوسط هل يعتبر التطبيع جزءا أصليا من هذا المشروع، أم أنه مشروع منفصل تم طرحه وتقديمه إلى جانب صفقة القرن؟ مما يبدو فإن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل هو جزء أصلي من صفقة القرن.

النقطة الأخيرة التي يجب بحثها هي هل أن برنامج التطبيع في هذه المرحلة من إقامة العلاقات بين الطرفين العربي والإسرائيلي هو برنامج أمريكي أم صهيوني؟ وهل أن الصهاينة قاموا بالسعي لتحقيقه من خلال الأهداف التي كانت لديهم من قبل وبسبب أزمة مشروعيتهم أم هناك حاجة لمتابعة الموضوع من قبل الدول العربية؟

وهل تغيرت أولوية الدول العربية من القضية الفلسطينية إلى المسألة الأمنية ونجح مشروع التخويف من إيران بحيث غير من أولوياتها وذهب بها باتجاه تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني؟ وهل أن هذا الفصل من التطبيع هو حاجة عربية للتقرب من إسرائيل أو أن جميع هذه الأمور يمكن أن تكون صحيحة بالنظر إليها من جوانب مختلفة؟

لقد قمت بطرح بحث وأسئلة في هذا الإطار، والسيد كوليوند هو من أعضاء المجلة الجيدين ويقوم بمتابعة الأمور وقد أرسل أسئلته إلي، أعتقد بأنه لو سار البحث في هذا الإطار فإن ذلك سيكون أمرا جيدا.

-كوليوند: قبل أن ندخل في أسباب اتخاذ هذه الاستراتيجية التي نعتبر أنها كانت من طرف الكيان الصهيوني وأنه هو الذي قام بابتكارها، فلنتحدث أولا عن التطبيع الجديد والقديم، بمعنى أنه ما الفرق بين التطبيع القائم حاليا والتطبيع الذي قامت به كل من مصر والأردن؟

– أماني: اريد أن أبدأ بالحديث عن مفهوم ما ألا وهو مفهوم “التطبيع” كما يقول العرب، وهو جعل العلاقة طبيعية. باعتقادي فإننا لم ندخل مرحلة التطبيع أصلا حتى في حالة مصر، فعندما تدخل دولة ما مجال تطبيع فإنها تقوم أولا بإنهاء حالة العداء ثم تقيم علاقات سياسية مع الطرف المقابل والذي يعني الاعتراف بذلك الطرف، ومن ثم تقوم بتطبيع العلاقات معه.

لقد عرفت حالات التطبيع الواقعية بهذه الصورة، أن يتنقل مواطنو تلك الدولة بحرية وأن لا يكونوا عرضة للكراهية من قبل الناس وأن لا يكونوا تحت أنظار الأجهزة الأمنية لكلا الدولتين، بمعنى أن يتقبل كل من الحكومة والناس أنهم مواطنون عاديون يتنقلون جيئة وذهابا ويمارسون التجارة وفي بعض الحالات -مع الأخذ بعين الاعتبار الخلفية الثقافية- قد يتزاوجون فيما بينهم، وأيضا يذهبون إلى البلد الآخر للعمل ويقيمون أسبوعا للأفلام وأسبوعا للكتاب ومعارض خاصة وهذه من حالات التطبيع.

اليوم وبعد مرور اثنين وأربعين سنة على إقامة العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني لم نصل بعد إلى مقدمات هذه الأمور التي ذكرتها، وحتى بعد مرور عشر سنوات على المحاولات التي جرت تحت غطاء ثورات الدول العربية للترويج للخوف من إيران والخوف من الشيعة وتبديل القضية الفلسطينية إلى مسألة من الدرجة الثانية، فإنه يكفي أن يصور شخص مقطعا من الكاميرا الخفية ويضع علم إسرائيل في مكان ما، سيزيلونه في غضون دقائق، أو أن يحاول بيع منتج مصنع في الكيان الصهيوني، أو أن تنزل مجموعة سياحية أسرائيلية في فندق بهوياتهم الحقيقية، أو أن يقول شخص كان يعمل في إسرائيل بأنه كان يقيم هناك في السابق، هذا الأمر يعد عيبا وعارا.

الموضوع هو أنه يجب أن تقام علاقات سياسية وبعد ذلك يتم إجراء مراحل التطبيع، في زمن صدام أقيمت بين إيران والعراق علاقات سياسية ولكن لم يكن هناك تطبيع، بمعنى أنه لو ذهب زائر من إيران للعراق فإن الأجهزة الأمنية كانت تراقبه ولم يكونوا يسمحون له بالتنقل بحرية وكان يتم تعيين الفندق الذي يقيم فيه وتحركاته مراقبة. لهذا السبب فإنني أود التركيز على كلمة التطبيع، فالتطبيع لم يتم والشيء الذي يتم الآن هو إقامة علاقات سياسية، ولو توسعت هذه العلاقات السياسية وتمكنوا من فتح أقسام في السفارة من قبيل الملحقية العسكرية والملحقية الأمنية أو الملحقية الثقافية أو التجارية فعندها يمكن التفكير في أنهم يقومون بتطبيع علاقاتهم.

هناك مفاهيم أخرى فيما يخص ذلك حيث يمكن إقامة علاقات استراتيجية خارج إطار التطبيع بعد أن يتم تطبيع العلاقات وهذا في الغالب عمل الحكومات ولا تتدخل فيه الشعوب، ولكن في التطبيع فإن الأساس هم الشعوب، بمعنى أنه من الممكن أن تكون هناك علاقة استراتيجية بين أمريكا ومصر ولكن لا يكون هناك تطبيع ويجب عليهم دائما أن يحرسوا سفاراتهم كي لا يهجم عليها أحد لأن إحدى حالات تطبيع العلاقات هي أن يتقبل الناس وجود السفارة وأن لا تحتاج الحكومة للتركيز عليها من أجل حمايتها وأن لا تتم مراقبة التحركات حولها. بناء على هذا التوضيح سندخل في موضوع ما قد جرى مؤخرا.

لقد سعى ترامب بسبب ظروفه الخاصة لتقوية العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وفي رأيي بخصوص الأسباب وراء ذلك فإنه علاوة على ما تقوم به الولايات المتحدة من جهود للدفاع عن الكيان الصهيوني والمحافظة عليه، فإن أحد الأمور الأخرى هو أن تكلفة الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني قد زادت بالنسبة للأمريكيين. على سبيل المثال فإنهم منذ سنوات لا يستطيعون تحمل التكاليف الاقتصادية والسياسية ولم يستطيعوا نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس مع أنه كان هناك قرار بذلك قد تم التصويت عليه، عمليا لم تقم أي من الحكومات التي وصلت إلى السلطة في أمريكا بالقيام بهذا الأمر، إلا أن ترامب جاء وقام به ولكن رأينا بأنه لم يحدث شيء حيث أن الموضوع هنا هو موضوع تطبيع، فمثلا إذا أعلن بأن سيتم تغيير عاصمة إيران إلى إصفهان فلن تكون هناك مشكلة وستنتقل السفارات إلى هناك في غضون ثماني سنوات وستتم إقامة مؤسسات هناك، ولكن لا تزال لدى الأمريكيين مشكلة في هذا الخصوص ولم يتمكنوا من دفع عدد كبير من الدول للقيام بهذا الأمر، والإسرائيليون كذلك لديهم نفس المشكلة. من هنا كان إقدام ترامب من أجل تخفيض تلك التكاليف. من المعلوم بأن الكيان الصهيوني يطلب مساعدات عسكرية من أمريكا وأنه لا يجب أن تحصل أي دولة عربية على معدات عسكرية أحدث من المعدات العسكرية للكيان الصهيوني، وهذا مانع مهم في هذا الصدد حيث أن هذا الأمر والتعهد الأمريكي به يشكل عبئا اقتصاديا على شركات التصنيع العسكري الأمريكية، فمثلا عندما تريد الإمارات أن تشتري طائرات إف35 فإن الإسرائيليين يعترضون على ذلك، من الأمور التي تمت ملاحظتها في العلاقات الإسرائيلية الإماراتية هو أن تستطيع الإمارات شراء طائرات إف35 عند إقامة علاقات مع إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد. يعني ذلك أن أحد موانع بيع المزيد من الأسلحة من قبل الأمريكيين يرتبط بتقلص نطاق العداء بين إسرائيل والدول العربية.

في الوقت الحاضر يقوم الأمريكيون بتطبيق قيود إلكترونية على الطائرات أو المعدات الأخرى بحيث لا تتجاوز حدودا معينة أو لا تستطيع ضرب أهداف معينة، ويجب أن يكون أمرها بيد بعض المستشارين العسكريين والمتخصصين التقنيين حتى يتمكنوا من التحكم بها. على سبيل المثال، لقد تم بيع طائرات إف16 للمصريين، لماذا بيعت لهم؟ لأنه قد تم سحب الحجة من إسرائيل حيث أن بينها وبينهم اتفاق سلام، مع العلم بأنه من الممنوع عليها أن تحلق في صحراء سيناء وأيضا عملوا من الناحية التقنية بطريقة بحيث لا تستطيع هذه الطائرات أن تدخل المجال الجوي للكيان الصهيوني. كل هذه القيود من أجل أن يستطيعوا بيع منتجاتهم، بسبب أن مشاكل وتكاليف أمريكا فيما يتعلق بالكيان الصهيوني قد زادت فقد قام بهذا الأمر كي يخفض من تلك التكاليف، هذا في ما يتعلق بسبب الموضوع. التفكير في المستقبل هو أن نرى ماذا صنعوا الآن ونرى الماضي كذلك وماذا صنعوا مع مصر قبل 42 عاما؟ ما حصل هو أنهم كم استطاعوا أن يحرزوا من تقدم في مجال التطبيع؟ هذه مواضيع أخرى وقد أردت من خلال هذه المقدمة أن أصل إلى جواب سؤالك الأصلي.

– كوليوند: كونك متخصصا في شؤون مصر، برأيك ما هو الفرق بين التطبيع الذي حصل مع مصر والمرحلة الجديدة منه؟ مع الإشارة لحالات معينة إن أمكن.

– أماني: لم يحصل التطبيع بينهما بعد، لدى مصر سفارة في تل أبيب وللإسرائيليين كذلك سفارة في مصر ولكن سفارة الكيان الصهيوني ليست في متناول الناس.

-كوليوند: في هذا المستوى من العلاقة التي تشكلت، لأنك تعتقد بأن التطبيع لم يحصل بعد، سواء في ما يتعلق بمصر أو بهذه المرحلة الجديدة التي تشكلت ومع كونك ملما بهذه الأمور، ما الفرق بين المرحلة السابقة والمرحلة الجديدة؟

– هنرمند زادة: هذا الأمر الذي يقوله صحيح، أن الأردنيين والمصريين لم يطبعُ مع الكيان الصهيوني بعد وأنهم فقط لديهم سفاراتهم لدى بعضهم البعض…

– أماني: أنا لا أريد نفي خطرهم ولكني اقول بأنه من الأفضل أن نتعرف على الموضوع.

– هنرمند زادة: في الواقع الموضوع هنا هو موضوع المصريين والأردنيين الذين يعارضون هذه المرحلة الجديدة من التطبيع، إن المرحلة الجديدة تدخل من خلال طبقات أخرى والموضوع هنا هو موضوع تجميع، أو لدينا موضوع الجنسية في الإمارات. هناك صهاينة يوقعون عقودا مع الإمارات بحجة التجارة أو العلاقات في مجال التكنولوجيا وتوسيع العلاقات في المجال الطبي، لقد وقعوا على 12 عقدا أو أنهم على وشك التوقيع عليها ومن الواضح بأنه إذا كان التطبيع لم يحصل في المرحلة السابقة بحسب التوضيح التخصصي الذي تفضلت به، فإننا نستطيع أن نطلق اسم التطبيع على العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في المرحلة الجديدة لأنهم يسيرون في هذا الاتجاه. من هذا المنطلق فإن السؤال كان هل هناك اختلاف بين المرحلتين أم لا؟

– أماني: هناك فرق واحد بين مصر وبقية الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل، ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه الخاصية التي أريد أن أتحدث عنها فإن أقرب شيء لها هو موضوع السودان، فالسودان هو أقرب شكل لما أريد الإشارة إليه، إنه شكل المجتمع والعلاقات الثقافية وتأثير الشعب على الحكومة، إنكم لا ترون ذلك في الإمارات والبحرين، فالناس هناك لا يملكون أي شغف وحماس وخصوصا في الإمارات، بالطبع موضوع شيعة البحرين مختلف. لو أردنا أن نصنف فإن للإمارات هذا الاختلاف عن مصر ومن ثم تأتي البحرين والسودان ومصر، ففي الإمارات لا يوجد أدنى خوف وخطر من ردود أفعال الناس أو أن ذلك قليل جدا. هذا الأمر وعلاقة المواجهة موجودة في البحرين ولكنه أقل، ربما لا ينزل شيعة البحرين على الساحة بشكل كبير فيما يخص هذا الموضوع. في السودان الأمر صعب وعسير وأما في مصر فإنه يثير جلبة. من هذا المنطلق فإن الإماراتيين يستطيعون التوقيع على مثل هذه العقود التي يجب أن ننظر إليها في إطار حجمها الحقيقي، عدد كبير من السكان فيها لا تربطهم أي علاقة بالبلد سوى علاقة العمل، أعتقد بأن الدعاية التي يقومون بها لعلاقات كهذه هي من أجل أن يقولوا بأن الأمر قد انتهى ويتمكنوا بذلك من جذب المزيد من الدول للانضمام إليهم في هذا الأمر.

برأيي أن السعوديين أيضا قد استخدموا البحرين كبالون اختبار كما يقول العرب، بمعنى أنهم يقومون بالأمور الصعبة من خلال البحرين كي يروا ما هي نتيجتها والبحرين قد أصبحت مختبر السياسة الخارجية للسعوديين. من وجهة نظري فإن العمل الذي يقومون به هنا كبير بالمقارنة مع مصر من بعض النواحي الشكلية، ولكن من حيث تأثيره فلا يمكن مقارنته بذلك أبدا.

هناك عدد من الأمور التي تقال والأوهام التي تحصل، على سبيل المثال تريد كل من الإمارات وإسرائيل أن ينشئوا ممرا بحريا يمتد من انتهاء خليج العقبة كي يصبح بديلا لقناة السويس وهذه أوهام ليس لها أي أساس واقعي، لأنها أمور وأعمال تواجه الآلاف من المشاكل والعقبات في الطريق وهذا مجرد كلام خَطّوه على الورق وطبعته جرائدهم. هذا الأمر موجود منذ القدم، أعتقد بأنني رأيته في القاهرة في عام سبعين بأن إسرائيل تريد أن تقوم بأمر كهذا، أو أن المصريين كانوا يقولون بأنهم يريدون إيصال مياه نهر النيل إلى إسرائيل من أسفل البحر الأحمر، ولكن هذا الكلام هو كلام رمزي كي يقول الإسرائيليون بأنهم قد وصلوا إلى مياه النيل أيضا، ولكنها كلها أمور صحفية وهناك الكثير منها في مصر أيضا.

أريد أن أذكر أمرا يتعلق بمخالفة المصريين للأحداث الجديدة، في عام 94 أقام الأردنيون علاقات مع إسرائيل وقد عارض المسؤولون في مصر ذلك، موضوع حصرية علاقة مصر مع الكيان الصهيوني هو سبب لحصول مصر على مكانة سياسية خاصة، فمثلا نرى في حرب غزة بأنه لا خيار لحماس سوى أن يجلسوا مع المصريين ويتفاوضوا مع الإسرائيليين عن طريقهم، أو مثلا موضوع تردد سكان غزة وخروجهم من القطاع، المصريون هم الذين يقررون. للمصريين مصلحة في أن تبقى هذه العلاقة حصريا وأن لا يدخل الآخرون في هذ المجال، عندما دخل الأردن هذا المجال استخدموا كلمة الهرولة، أن الملك حسين يهرول لإقامة علاقات وللتطبيع مع إسرائيل. اليوم فإن نفس الكلمة ونفس المعارضة تصدر من هذه الدول لأنها لا تريد أن تتوسع هذه الدائرة ويريدون أن تبقى العلاقات العربية الإسرائيلية محصورة بهاتين الدولتين، على الرغم من أن لمصر والأردن علاقات مع الكيان الصهيوني. على أيه حال أريد أن أقول بأن هذا الأمر هو ليس تطبيعا وإنما إقامة للعلاقات وبعد ذلك يجب علينا أن نعارض هذه العلاقات على هذا المستوى وأن نسعى لأن نجد جذورها حتى نتمكن من منع استمرارها، سواء من ناحية ازدياد عددها أو من ناحية شكلها فإنه يتوجب علينا أن نجد طرقا للحل.

لدي توضيح آخر بخصوص أن أي دولة تقيم علاقات مع إسرائيل فإنها تبتعد بنفس القدر عن إيران، وهذا ليس شرطنا فحسب وإنما شرط الإسرائيليين كذلك، فامتلاك البحرين لعلاقة معنا يعني بأنها تستطيع بشكل أقل إقامة علاقات مع إسرائيل كذلك، وأقصد بذلك العلاقات البسيطة والعادية. نفس الشيء بالنسبة للإمارات أيضا، بمعنى أنه أينما صار لنا حضور من الناحية السياسية فيجب عليهم أن يلملموا جزءا من بساطهم، وهذه سياسة استراتيجية يتبعها الأمريكيون والإسرائيليون، في مصر تؤثر بنفس المقدار أيضا، ومن المحتمل أيضا أنهم في الأردن يحققون مباشرة في أي لقاء أو سفر يحصل، ماذا دار بينكم وبينهم؟ بناء على ذلك فإنه في المكان الذي تغلق فيه سفارتنا نستنتج بأن ذلك يعني أنهم يسعون وراء بديل استراتيجي وأحيانا يكون ذلك بإقامة علاقات مع إسرائيل.

– كوليوند: أشكرك كثيرا، سأتوجه بنفس السؤال الذي سألته للسيد أماني إلى الدكتور فردوسي بور، مع الفارق بأنه مع أخذ تجربته بعين الاعتبار ومع الخبرة التي لديه فيما يخص الأردن والسنوات التي قضاها في السفارة هناك، بشكل عام ما هو الفرق بين المرحلة الجديدة والمرحلة السابقة؟ سواء اعتبرنا الأمر تطبيعا أو مستوى من العلاقات، خصوصا الزمن الذي ذهب فيه الأردن في اتجاه تلك الاتفاقية التي تم إمضاؤها، بماذا يختلف ذلك عن المرحلة الجديدة؟

– فردوسي بور: لقد استفدت بدوري من توضيحات وكلام السيد هنرمند زادة والسيد أماني. أود أن أحلل الموضوع بطريقة أخرى، أعتقد بأنه قبل الإجابة على سؤالك يجب عليّ أن أقدم بعض التوضيح وأعود إلى الماضي بخصوص السؤال الذي أرسلتموه كسؤال أول وهو لماذا اتبع الكيان الصهيوني هذه الطريقة وماهي استراتيجيته وأية أهداف ونتائج كانت لها؟

مقدمات ما حصل الآن تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور والعمل الذي قام به سايكس وبيكو الشخصيتان الإنجليزية والفرنسية من تقسيم لمنطقة الشرق الأوسط. كانت أوروبا في ذلك الوقت تريد ترتيب وضع اليهود حتى يرتاحوا من شرهم وكانوا يسعون وراء إيجاد مأوى وسكن وأرض يستطيعون جمعهم فيها. اتخذ مجلس العوام البريطاني إجراءات في عام 1917 قادت إلى ما حدث عام 1921 ومع مرور الوقت قاموا بإنهاء الأمر في البرلمان الدولي وأقدموا على الاحتلال. في أعوام 1946 و 47 و 48 أعلن الكيان الصهيوني عن وجوده رسميا وتشكلت معادلة ال20 في المئة مقابل ال80 في المئة من الأرض التي ترتبط بأجداد الفلسطينيين وفي نهاية المطاف وصلنا إلى العام 1967. بناء على ذلك فإنه لدينا مرحلة التشكل التي تجاوزناها، ولدينا مرحلة بناء الشرعية للكيان الصهيوني والتي كانت في الفترة بين العام 1967 و 1989. بشكل متوسط هناك 12 إلى 20 قرارا صادرا من قبل المؤسسات الدولية سواء كانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، مما يعني مئات القرارات لكل منهما، منها حوالي المئتي قرار صدرت من أجل شرعنة الكيان الصهيوني وأول هذه القرارات كان القرار181 الخاص بالتقسيم. لقد ذهب الإسرائيليون أبعد من ذلك وهم يسعون لتثبيت مكانتهم.

كي أدخل في البحث فإن هناك ثلاثة عناصر أفكر بها وأود التركيز عليها. أول ما قام به الكيان الصهيوني بعد شرعنة عملية الاحتلال هو زيادة مستوى أمنه الداخلي، قبل العام 67 كانت هناك معادلة ال20 – 80 في المئة أو ال18 – 82 في المئة، في عام 67 نلاحظ بأن المعادلة انعكست واستولى الكيان الصهيوني على ما يقارب ال82 في المئة من فلسطين، وصارت حصة فلسطين من الأرض حوالي ال20 في المئة أو أقل، 18 في المئة. من أجل أن يتمكنوا من تحقيق الوضع والمعادلة التي يريدونها في مجال تثبيت أمنهم فإن العنصر الأول الذي لجأ الإسرائيليون لتحقيقه هو ما أسميه أنا بالعمق الاستراتيجي، بمعنى مجال التطبيع الذي سألتم عنه. العنصر الأول هو إيجاد عمق استراتيجي، ومع تعيين هذا كهدف لهم دخل الإسرائيليون مجال تطبيع العلاقات مع المحيط المجاور للأراضي المحتلة، لماذا؟ لأنه من خصائص حرب 67 أن الإسرائيليين لم يكتفوا بالأراضي الفلسطينية فقط وإنما ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك واحتلوا ايضا أراض عربية محيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، على سبيل المثال استولوا على سيناء من مصر ومرتفعات الجولان من سوريا واحتلوا كذلك جزءا من الأراضي اللبنانية التي لاتزال ترزح تحت احتلالهم، لقد اغتصبوا مزارع شبعا وأجزاء من جنوب لبنان وفي عام 82 وقعت بيروت أيضا تحت احتلالهم. أما على الجانب الأردني فقد تعلق الأمر خصوصا بالضفة الغربية، فلسطين عموما كانت تحت السلطة الأردنية وكان الأردنيون يحكمونها، وهذه المناطق بدورها احتُلت من قبل الإسرائيليين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.