مصلحة لبنان قبول العروض الإنقاذية

جريدة البناء اللبنانية-

أحمد بهحة:

استقبل لبنان قبل أيام وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران الدكتور حسين أمير عبد اللهيان الذي جال على المسؤولين الرسميّين، واستقبله سماحة السيد حسن نصرالله، والتقى عدداً من النواب في السفارة الإيرانية، وقام بجولة جنوبية زرع خلالها غرسة زيتون في حديقة إيران في بلدة مارون الراس، وتلقى هناك هدية قيّمة جداً هي عبارة عن قطعة من مروحية «يسعور» الإسرائيلية التي أسقطها مقاتلو المقاومة خلال حرب تموز ـ آب 2006.
وقبل أن ينتقل إلى دمشق لاستكمال التحضيرات لزيارة الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي إلى سورية حيث يلتقي الرئيس الدكتور بشار الأسد، في زيارة هي الأولى لرئيس إيراني منذ العام 2010، وذلك لتكريس انتصار سورية على الحرب الكونية التي استهدفت الدولة المقاوِمة برئيسها وجيشها وشعبها، وتأكيد استمرار وقوف إيران إلى جانبها في المرحلة الجديدة التي سيكون عنوانها إعادة الإعمار والبناء والنهوض بالاقتصاد السوري إلى حيث يجب أن يكون…
إذن، قبل انتقاله إلى دمشق، عقد الوزير عبد اللهيان مؤتمراً صحافياً في السفارة الإيرانية، بحضور السفير مجتبى أماني والوفد الدبلوماسي المرافق وأركان السفارة. وكان لافتاً جداً عدد ونوعية الصحافيين والإعلاميين المشاركين في المؤتمر، كما كانت لافتة إجابات الوزير عبد اللهيان على الأسئلة التي لم تترك مجالاً إلا وطرحته، خاصة بشأن الاتفاق الإيراني ـ السعودي برعاية الصين وتأثيراته على مجمل الأوضاع في المنطقة.
على أنّ الملفات اللبنانية استأثرت بغالبية الأسئلة، لا سيما انتخابات رئاسة الجمهورية، والعروض الإيرانية لمساعدة لبنان اقتصادياً، وبطبيعة الحال مواجهة العدو الصهيوني خاصة أنّ إيران هي الداعم الأول للمقاومة التي حققت الانتصارات وحمت لبنان ولا تزال تحميه، وهذا ما أكده الوزير عبد اللهيان لا سيما من خلال زيارته إلى مارون الراس التي لها رمزية كبيرة في هذا الإطار، وقبلها اللقاء مع السيد نصرالله وتأكيد المواقف الإيرانية الثابتة في مساندة المقاومة ودعمها بما يلزم لكي تستمرّ في مهامها الجليلة، وهي مواقف لا تتغيّر على الإطلاق، بل هي تتطوّر دائماً وفق المُقتضى، وهي مرشحة للتطوّر أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة، خاصة بعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني الذي لا بدّ أنه سينعكس ارتياحاً واستقراراً في المنطقة كلها، وبالتالي سيكون التأثير السلبي لهذا الاتفاق واضح جداً على كيان العدو «الإسرائيلي» وكلّ داعميه…
أما عن انتخابات الرئاسة فقد جدّد الوزير عبد اللهيان تأكيد موقف إيران بعدم التدخل في هذا الاستحقاق اللبناني بامتياز، مؤكداً أنّ الجمهورية الإسلامية تدعم التوافق والاتفاق بين اللبنانيين، وتشجّع على استكمال العمليّة السياسيّة، وسوف ترحّب بأيّ شخصيّة لبنانيّة مرموقة تصل إلى سدّة الرئاسة اللبنانيّة، لافتاً إلى أنّ القوى السياسيّة اللبنانيّة المؤثرة لديها القابلية والكفاءة اللازمة لاستكمال العملية السياسيّة واختيار رئيسٍ للجمهوريّة.
وإذ حاول أحد الصحافيين الحاضرين التشويش على هذا الموقف الواضح والصريح، أخذ الوزير عبد اللهيان الأمر برحابة صدر مشهود له بها، وقال ممازحاً «يبدو أنّ بعض الأصدقاء يريدون أن يحصل انتخاب رئيس الجمهورية هنا في هذه القاعة»!
وبشأن العروض الإيرانية لمساعدة لبنان في مجالات حيوية كثيرة، أعاد الدكتور عبد اللهيان التأكيد على أنّ هذه العروض لا تزال قائمة، وقد طرحها مجدّداً خلال لقاءاته الرسمية مع المسؤولين اللبنانيين، وخاصة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. والعروض تشمل أكثر من مجال لكن التركيز الأساسي كان على قطاع الكهرباء حيث المعاناة اللبنانية كبيرة، رغم أنّ هناك الكثير من الإمكانيات لدى اللبنانيين للاستثمار في هذا القطاع، كما أنّ لدى إيران طاقات متطوّرة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائيّة وبناء المعامل، لكن المشكلة الأساسيّة أمام إنجاز هذا التعاون هي الضغوط الأميركيّة وخوف المعنيّين من فرض العقوبات عليهم، وهذا موضع استغراب كبير، لا سيما بعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني في الصين والمتغيّرات الاستراتيجية الكبرى في المنطقة بأسرها.
الكرة إذن في ملعب اللبنانيين، ولم يعد جائزاً على الإطلاق أن تبقى حياتهم اليومية أسيرة مصالح شخصية لهذا وذاك من المسؤولين الخائفين من الضغوط الخارجية، بينما نرى المسؤولين والحكام في المنطقة يبادرون إلى اتخاذ القرارات الشجاعة لمصلحة شعوبهم من دون إقامة أيّ وزن أو اعتبار لضغوط من هنا وهناك، بما في ذلك من مخاطر قد تطالهم شخصياً…
مَن ليس قادراً من المسؤولين في لبنان على فعل ذلك عليه أن يتنحّى جانباً، ويلتحق بمصالحه في الخارج، ويفسح المجال لمَن يستطيعون الإقدام والفعل واتخاذ القرار الجريء بقبول العروض الإنقاذية الآتية من الشرق، لأنّ أحداً لا يمكنه البقاء في السلطة على حساب حياة الناس ومستقبل البلد واقتصاده وأجياله…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.