معركة كشف مواقع

syria-map

صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
كأنما كل ما جرى في حادثة السلاح الكيماوي عملية اكتشاف للقوى، نفذت العملية بأسرع ما يمكن، لكنها في طريق العودة إلى التهدئة أخذت وقتا من التراجع، وقد تم بناء عليه أن عرف كل فريق فريقه، وبنى عليه بالتالي خريطة طريقه.
منذ أن انطلقت الكلمة الأولى في تلك الحادثة، كان واضحا أن الأميركي المتربع على عرش الكرة الأرضية، بات يعرف أنه ليس وحيدا عليها، هي كذبة غير مصدقة أن ترتهن دول الأرض لقوة واحدة، كل التاريخ القديم أثبت وجود قوتين تتصارعان على النفوذ، القوي يسيطر، لكنه بعد مدة من الزمن سوف يأتي قوي آخر ليأخذ المكانة والهيبة.
عندما تقدمت قضية السلاح الكيماوي وسط التعبير الأميركي الدائم عن تسخينه للأجواء بكل استعداداته العسكرية، لم يقف السوري حائرا، ولا تراجع عن غاياته، كان يعرف أن أسلم الطرق هو الخط المستقيم، فالتزم به، وتقدم وسط تشكيك بالموقف الروسي، الذي أبدى دهاء في البداية، إلى أن عبر عن نفسه خير تعبير في اللحظات المناسبة. لكن الإيراني فقد شمر عن سواعده منذ اللحظات الأولى. قال كلاما كل حرف فيه رصاصة مصوبة باتجاه هدفها، إسرائيل أولا، ومن ثم الأهداف الأميركية وغير الأميركية عندما تصبح الحاجة ضمن إطارها الأوسع. أما حزب الله فقام بنقل صواريخه العظمى ليصوبها باتجاه أهداف إسرائيلية هي الأخطر في تاريخ الصراع ذاك. لكنه ظل صامتا، أمرت قيادته جميع عناصره ومحاربيه ومن هم في الصف الأول بعدم الكلام حرصا على المفاجآت، لكنه بالمقابل استنفر قواته ووضعها في حالة تأهب قصوى .. وقد لا يعلم كثيرون كما قال أحد الخبراء الإيرانيين وهو محمد صادق الحسيني إن مئتين وخمسين ألف صاروخ تم توجيهها باتجاه أهداف إسرائيلية، واعتبر أنها الصلية الأولى، لأن مئات الآلاف من الصواريخ جاهزة لهذا الغرض.
وصل الأمر إلى ذروته بعدما حبس العالم أنفاسه، حين تحدث الرئيس الأميركي أوباما إلى العالم راميا القصة كلها على الكونجرس ليقول إنه شخصيا منسحب من المعركة، وعلى الآخرين أن يتحملوا أوزارها إن هم أرادوها. لكنه في تلك اللحظات كان قد اكتشف فريقه الذي صدمه حين تراجع البريطاني والألماني والإيطالي وآخرون عن مؤازرته، فيما التحم أكثر فأكثر قوى الفريق الآخر، فكان الروس قد عادوا إلى طبيعتهم المعروفة بالدعم غير العادي لسوريا، إضافة إلى إيران وحزب الله ودول البريكس وتلك المتقدمة في أميركا اللاتينية .. أما العالم العربي فقد قدم عرضه الطبيعي من الالتزام بالموقف السوري. فهي المرة الأولى إذن التي يصبح هذا التجمع العريض إلى جانب الدولة السورية والرئيس السوري شخصيا.
كانت معركة كشف مواقع، بكل أبعادها التي ارتسمت في المنطقة. وهو الكشف الذي أدى أغراضه في النتائج التي اتخذت مسار إعادة تقويم للوضع الذي وصلت إليه، فعرفت الولايات المتحدة أن الروسي ركب أمواج البحر المتوسط ولن يبارحه، وأن الإيراني لن يخلع بذته العسكرية، وأن حزب الله قرر بصمت شديد كشف أسطورة إسرائيل.
والعملية ما زالت قائمة لكنها الآن في لحظة اختمار جديد يدون الأميركي فيها ما عليه تغييره كي يتلاءم مع مشهد المواقع..!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.