الإفراج عن منقارة: سقطت ورقة التوت

hashim-minkara-press

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
رضوان مرتضى

الشيخ هاشم منقارة بريء من تفجيري طرابلس. خلاصةٌ صدّقتها محكمة التمييز العسكرية أمس، فمنعت توجيه أي تهم له. بُرِّئ الرجل من جُرم لم يقترفه، لكنه لا يزال مذنباً في عيون كثيرين من أبناء طرابلس. ذنبٌ يحمل وزره كاملاً القاضي صقر صقر الذي أمر بتوقيف شخص بريء من دم عشرات الشهداء المظلومين، تاركاً في طرابلس المزيد من التوتر والشحن والتهديد بالقتل

لم تكن الأيام الستة التي قضاها الشيخ هاشم منقارة قيد التوقيف بين غرفة التحقيق لدى شعبة المعلومات ونظارة المحكمة العسكرية سهلة أبداً. أعادت إليه ذكريات سنين السجن الطويلة في السجون السورية، فاستغلّها لـ«ختم القرآن الكريم أربع مرات»، يقول الشيخ منقارة في حديث جانبي لـ«الأخبار»، متحدثاً عن ظروف توقيفه.

يستعيد رئيس مجلس قيادة «حركة التوحيد الإسلامي» كيفية استدعائه بصفة شاهد من قبل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قبل أن يُفاجأ بحضور المحقق ليُخبره بأنّ القاضي صقر صقر أصدر مذكرة توقيف بحقّه. يحكي عن كلمة واحدة جهدوا لإجباره على قولها، لكنّه ثبت على أقواله مصرّاً على التمسّك بـ«كل الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة». يقول منقارة جازماً: «لم يكن لدي أي علم ولو غير يقيني عن احتمال حصول تفجيرات، وإلّا كنت أبلغت عنها دفاعاً عن أبناء مدينة العلم والعلماء التي قاتلت الجيش السوري لأجلها عندما جاءنا محتلّاً ودفعت من سني عمري اعتقالاً ثمناً لذلك». يتحدث عن «محاولة محققي شعبة المعلومات استدراجي للقول إني كنت أعلم بوجود مخطط للتفجيرات، لكني كنت قاطعاً وجازماً بالنفي». يستعيد «المواجهة مع الشيخ الغريب الذي فوجئت به يُردد كرجل آلي أني أخبرتك بكذا وكذا»، لكنه يلفت إلى إصراره على عدم وجود أدنى فكرة لديه عن أي تفجير. ويُضيف منقارة: «الحمد لله ظهر الحق وظهرت الحقيقة أخيراً؛ فقد تراجع الشيخ أحمد عن اعترافات انتُزعت منه تحت وطأة التهديد». يُكرر الشيخ مراراً إدانته للتفجيرين الإرهابيين اللذين ضربا مدينته. يحكي عن «مجرم أسود القلب ارتكب جريمة كهذه داعياً إلى الاقتصاص منه على رؤوس الأشهاد». أما من أساء الظنّ به واتّهمه ظلماً، فيريد الشيخ منقارة نسيان كل ذلك لفتح صفحة جديدة. يشدد على مدّ يده لجميع علماء أهل السنة وأبناء مدينته، داعياً إياهم إلى الحوار. ويعوِّل في ذلك على قناعة راسخة لديه بأنه «لا تُردّ يدٌ مُدّت إلى أخ».
لكن مهلاً. ثمة في طرابلس وغيرها من لا يصدقون سوى رواية واحدة تقول إن «الشيخ هاشم منقارة متورّطٌ بتفجيري طرابلس. تلك مُسلّمة لا تقبل الردّ. يُعزّزها ما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام بزعمها أن منقارة ويده اليُمنى الشيخ أحمد الغريب كانا يُنفّذان أوامر سورية بالتخطيط للتفجيرين وتنفيذهما. والشاهد على ذلك صور منقارة التي أُلصقت على عدد من جدران طرابلس مذيّلة بكلمة واحدة، «القاتل». ليس هذا فحسب، «شعبة المعلومات» التي أوقفت الوزير ميشال سماحة بالجرم المشهود والقاضي صقر صقر الذي حقّق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقولان ذلك أيضاً. فكيف يُعقل أن يكون بريئاً إذاً؟».
الأكثر انفتاحاً بين مروجي التهمة بحق الشيخ المفرج عنه، يكتفي بتصديق مقولة أنّ «منقارة كان يعلم بالمخطط المعدّ لتنفيذ التفجيرين، لكنّه أخفى المعلومات عن الأجهزة الأمنية». والدليل على ذلك؟ ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ضدّه وتوقيفه.
لكن الوقائع ليست كما يريدها مروّجو التهمة. فيوم أمس، قررت هيئة محكمة التمييز العسكرية تصديق القرار المستأنف بترك الشيخ هاشم منقارة بسند إقامة. وبذلك ذهب إصرار القاضي صقر على توقيف منقارة مع الريح. وصُدِّق قرار قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا بترك منقارة حراً. بكلمات أُخرى، لم يعد يحتمل البالون الذي نفخه القاضي صقر صقر مزيداً من الهواء. والصورة بدأت تتّضح: الشيخ هاشم منقارة بريء من دماء أهل طرابلس المقتولين ظلماً وعدواناً، والقاتل الحقيقي لا يزال طليقاً. وتبقى مجموعة أسئلة برسم القاضي صقر بشأن تضخيم بعض الإعلام وقائع التحقيقات وإصرار صقر على توقيف منقارة والادعاء عليه رغم غياب أي دليل يُثبت تورّطه أو حتى ضلوعه في كتم معلومات عن تفجيرات. وبحسب جلسة الاستجواب الأولى لدى قاضي التحقيق العسكري، تبيّن أنّه لا وجود لمعلومات عن التفجيرات أصلاً حتى يكتمها.
لم يُحسم أمر عودة الشيخ منقارة إلى طرابلس. المؤكد الوحيد، بحسب المعلومات الأمنية، وجود مخطط للهجوم على منقارة فور عودته. إزاء ذلك، تُطرح الكثير من علامات الاستفهام حيال الهدف من عملية التوقيف واستغلال هذا الملف. فهل ما جرى عمل قضائي محض أم تصرف سياسي استُغلّ لإصدار قرار إعدام بحق نهجٍ بأكمله في عاصمة الشمال، بعدما أعدم معنوياً الشيخان منقارة والغريب وسط أهليهم.
وكان منقارة قد عقد مؤتمراً صحافياً في مقرّ جبهة العمل الإسلامي في رأس النبع أمس، أدان فيه التفجير الذي حصل في مسجدي السلام والتقوى في طرابلس، واصفاً إياه بـ«الفعل الخسيس الذي لا يقوم به إلا من اسودّ قلبه». ورأى أنّه «مهما يكن فاعله لأي فريق انتمى ومن أي جنسية كان مدان مجرم لا يستحق الشفقة أبداً»، قائلًا: «لو علمت، ولو بشكل غير يقيني بإمكانية حصول أمر كهذا لبادرت لحماية أهل بلدي بما أملك من روح وجسد فضلاً عن إخبار من يعنيه الأمر فعلاً». وأوضح منقارة أن «الشيخ أحمد الغريب نفى كل ما اعترف به أمام التحقيق الأولي، وكان تحت ضغط نفسي هائل ويراجعه في هذه الأثناء القاضي»، مؤكداً أن «التحقيق جارٍ وليمضِ التحقيق وليقبض على المجرم الحقيقي حتى لا تضيع الدماء التي ذهبت هدراً في بلادنا». وعن المخبر مصطفى حوري، كشف منقارة أن «حوري أطلع اللواء أشرف ريفي على المعلومات لديه، الذي بدوره أطلع فرع المعلومات على الأمر»، متسائلاً: «هل حُقق مع أمن فرع المعلومات عن تجاهله لهذا الأمر، حتى أصبح يريد أن يوقع بي سياسياً وبالمشروع الذي أحمل؟ هل هذا شأن فرع المعلومات؟»، مضيفاً: «ماذا يريدون منا؟ هل يريدون محاسبتنا على حملنا مشروعاً كبيراً على قياس أمتنا؟ هل يريدون منا التبرؤ من مشروع مقاومة اليهود ومن حزب الله المقاوم؟»، مشدداً على أن «الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ملك متوج على عرش المقاومة بلا منازع في بلادنا الشامية». وأضاف: «نحن أصحاب مشروع لا أتباع نظام»، مشيراً إلى «أننا نحمل مشروعاً ضد إسرائيل»، متسائلاً: «هل تريدون أن نقبل بقوى غربية مشبوهة تدعم جهات معينة وإسرائيل جهاراً؟». وختم منقارة مؤتمره الصحفي داعياً «هيئة علماء المسلمين ورئيسها الشيخ سالم الرافعي وهيئة علماء بلاد الشام لمؤتمر حواري نطرح فيه أساس التوافق، وهي كثيرة بيننا، ونتشاور بها على أن تكون هناك ورقة توافق نطرحها على كل الأفرقاء لنتوسع أفقياً مع كل الوطنيين وعمودياً مع السياسيين في لبنان وسوريا».
وفي السياق نفسه، دعت «جبهة العمل الإسلامي في لبنان» النيابة العامة إلى التحرّك الفوري بعد التثبت من صحة البيان الذي صدر أول من أمس عن «تيار أهل السنّة في لبنان» الذي يرأسه الشيخ سالم الرافعي، والذي يتضمن دعوة عامة للقتل ولسفك الدماء بين المسلمين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.