شجرة أوباما أم غابته؟

obama-israel

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
خيري منصور:

ما أن شبه أحد المحللين موقف أوباما إزاء الضربة العسكرية المحدودة لدمشق بالصعود إلى الشجرة حتى تكرر هذا الوصف وفي يوم واحد عشرات المرات عبر فضائيات عدة، ليس فقط لأن مثل هذه اللغة المجازية التي تلوذ بالأمثال الشعبية تعفي أصحابها من الدقة في التحليل، وعدم الخلط بين الفاعل ونائبه وبين الزائد والناقص في المعادلات السياسية، بل لأن مثل هذه التشبيهات تُبقي الموقف في طور المراوحة بين نعم ولا، وهو ما سمي في أدبيات المعجم السياسي العربي “لعم” .

ولا أدري لماذا لم يخطر ببال معظم من تصدروا لهذا الموقف من أوباما أن الشرق الأوسط بكل ما يعج به من أزمات ليس من أولويات الرئيس في ولايته الثانية، لكن خطابيه الشهيرين في جامعة القاهرة وتركيا أوهما الكثير من المراقبين أن الرجل لا ينام وهو يفكر بالشرق الأوسط وبأزماته وتحديداً بالصراع العربي – “الإسرائيلي” .

إن فهم ما يصدر عن الغرب سياسياً وفكرياً يتطلب معرفة ولو أولية بالسياقات والأنساق التي تحكمه، فالحسابات قد تكون محلية خالصة، خصوصاً في بلد كالولايات المتحدة يتنافس فيه حزبان على الحكم ولا يدخر أي منهما أي احتياطي سياسي أو إعلامي لإفشال الآخر، أو على الأقل تصيد أخطائه لاستخدامها كأوراق انتخابية .

تشبيه موقف أوباما بالصعود إلى الشجرة المقصود منه تورطه في هذا الصعود، إذ لا بد من تدخل ما يحفظ له ماء الوجه والمصداقية كي يهبط بسلام .

الكونغرس ذاته وليس أي طرف آخر هو من يتولى هذه المهمة، سواء امتنع عن تفويضه بالحرب على دمشق أو كان التصويت لمصلحة موقفه .

ففي حالة الموافقة بالتصويت يكون قد ظفر بما سعى إليه على غرار حليفه أو بمعنى أدق تابعه البريطاني الذي أبطل برلمان بلاده مفعول قراره .

وإن كان موقف الكونغرس رافضاً لقرار الضربة العسكرية، فهذا بحد ذاته اعفاء للرئيس من مهمة محفوفة بالخطر بسبب عدم الحصول على بوليصة تأمين تضمن للرئيس تحقيق أهدافه من دون أعراض جانبية غير متوقعة .

إن معظم قراءاتنا العربية لما يصدر عن الولايات المتحدة وأحياناً عن أوروبا من تصريحات ومواقف يشوبها شيء من التقصير، ليس في الوعي بل في الخبرة، لهذا ينسى البعض أحياناً أن برغماتية واشنطن لا تترك مجالاً مهما كان ضئيلاً لانتظار موقف أخلاقي، أو انتصار لحليف ففي هذه الفلسفة الذرائعية لا وجود لأي بعد ثالث خارج ثنائية الربح والخسارة، ونحن في حل من التذكير بعدد الحلفاء الذين ضحت بهم واشنطن بعد انتهاء صلاحياتهم وهم لا يعلمون .

وإن كان هناك مثل يستحق الاستذكار في هذا السياق فهو ليس صعود الشجرة، بل الشجرة ذاتها، لأن الشجرة تحجب الغابة كما تحجب الغابة الشجرة أيضاً .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.