منطق “المستقبل”: “عنزة ولو طارت”

future-hariri

موقع العهد الإخباري ـ
ميساء مقدم:

ألصق بحزبه لقب “العلم والقلم”، ورحل. الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي “علّم عمّر وكبّر” ما كان يدرك مصير إرثه السياسي بعد الشهادة.
لم يكن يعلم أن “الديموغاجية” ستصيب أعلام “المستقبل” وإعلامه. “ديماغوجية” أطاحت بالمستقبل الذي أراده الرئيس الشهيد لحزبه.

تصريحات ومقالات ومقدمات اخبارية، اذا ما جمعت في مجلّد واحد لما صدّق القارئ أنها صادرة عن جهة سياسية واحدة، لها رؤيتها الواضحة والمنطقية لمجريات الأحداث. المنطق اذاً هو أكثر ما يفتقد اليه “المستقبل” الغارق في التناقضات والحروب الاعلامية “الفوضويّة”.

نائب “المستقبل” عمار حوري يقول بتاريخ 11 أيلول الحالي في حديث لاذاعة “الفجر” إن “الأمن الذاتي في الضاحية الجنوبية لبيروت هو الوصفة المثالية للعودة الى الحرب الأهلية والقضاء على هيبة الدولة”. لكن “أمنية” حوري بالحرب الأهلية لم تتحقق. فالضاحية نعمت بفترة من الاستقرار خلال مساهمة حزب الله في حماية الأمن. والتجربة نجحت باعتراف وزير الداخلية نفسه وبشهادات أبناء الضاحية، الذين أبدوا ترحيباً كبيراً، وبادروا الى حملات تشجيع عدّة ليست آخرها حملة “أرجوك فتّشني”. الا أن الحزب أبى الاّ أن يستمر في مناشدة الدولة لتعزيز انتشارها في المنطقة المحرومة تاريخياً من هذا الوجود. وبالفعل لبّت الدولة الدعوة وكان الانجاز الوطني الكبير.

لكن الانجاز أيضا لم يرق أيضاً لحوري. فبتاريخ 26 أيلول من الشهر نفسه، أي بعد اقرار الخطة الأمنية في الضاحية، يقول الرجل ذاته لصحيفة “الشرق الأوسط” إن “دخول الدولة إلى الضاحية يؤكد فشل تجربة الأمن الذاتي التي خاضها حزب الله لسنوات طويلة، وحزب الله لجأ أخيرا إلى العودة لكنف الدولة، بسبب فشل تجربة الأمن الذاتي التي اتبعها”.

وفي 20 آب 2009، يقول النائب “المستقبلي” أيضاً أحمد فتفت في حديث صحفي إن “الأمن الذاتي هو نوع من الانقلاب على السلطة الشرعية، لأن حزب الله لا يثق بالأجهزة الأمنية ويعتبرها فاشلة”. وفي 24 أيلول يري الرجل نفسه في تصريح لـ”السياسية” أن ترحيب حزب الله بدخول الدولة إلى الضاحية هو “اعتراف منه بهزيمة مشروعه في الأمن الذاتي”، متسائلاً “هل أن القوى الأمنية ستكون هي المولجة فعلاً بحفظ الأمن في المنطقة؟”.

لا يقبل “المستقبل” ما يسمّيه “الأمن الذاتي” ويرتاب من “الخطة الأمنية للدولة في الضاحية”.. احترنا يا “قرعة”.. حيرة أربكت حتّى رئيس مجلس النواب نبيه بري صاحب الصدر الرحب دوماً، فقال معلّقاً لصحيفة “السفير”: “لم نعد نعلم ماذا يريد البعض ممن لا يعجبه العجب”.

تناقضات التيار “الأزرق” بدأت منذ العام 2005. تخلّى عن المبادئ الرئيسية التي أرساها الرئيس الشهيد في حياته السياسية من الالتزام بخط المقاومة وحمايتها، مروراً بالحرص على الوحدة والوطنية والسلم الأهلي وصولاً الى لازمة “الجيش والشعب والمقاومة” في كل بيان وزاري لحكوماته. اليوم يرفض “المستقبل” ما كان يؤكّد عليه الرئيس الشهيد.

أداء سياسي واعلامي متخبّط برز مؤخراً من خلال مقاربة “التيار” لما روّج له من عدوان على سوريا. تطبيل في وسائل اعلام “المستقبل” للحرب على سوريا وتهويل كثير حتى وصل الأمر الى اعتبار أن سلاح الجيش العربي السوري لن يصمد أمام ضربات الجيش الأميركي، فترسانته العسكرية هي من الجيل العاشر، والعتاد السوري عاجز عن ردع العدو. أمّا بعد التراجع الأميركي عن الضربة، فمطوّلات تكتب عن اتهام النظام السوري بالخيانة القومية فـ”كيف يسلّم السلاح الكيميائي السوري الذي يشكل نوعاً من التوازن العسكري في مواجهة اسرائيل”. هكذا بقدرة قادر تحوّلت الترسانة العسكرية السورية من “جيل عاشر” الى “قوّة ردع” لدى جوقة “المستقبل”.

تارة يطالبون بالالتزام باعلان بعبدا، وطوراً يملأون الصحف مقالات وكتابات استجداء لضرب سوريا. يرفعون شعار التلاقي والحوار حيناً، ويرفضون الجلوس الى طاولة الحوار حيناً آخر. هم روّاد النأي بالنفس والمطالبون بالتدخل العسكري في سوريا في آن. هم الرافضون لتخطّي العمل السياسي الحدود اللبنانية، ولهم منذ أكثر من عام ونصف نائب يوزّع “الحليب والبطانيات” على الحدود التركية – السورية.

وفي اطار العمل الدستوري كذلك. يقاطع نواب “المستقبل” المجلس النيابي، ويتهمون سواهم بتعطيل عمل المؤسسات. يصرّون على ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت ويحظرون على فئة كبيرة من الشعب اللبناني المشاركة فيها.

ليس آخر نظريات هذا الفريق ما قيل على لسان أحد نوابه، وكتب على يد أحد الاعلاميين الدائرين في فلكه، “من أن حزب الله بات يأمل بعد دخول الخطة الأمنية في الضاحية حيّز التنفيذ، بوقوع انفجار، حتى يقول إن الدولة فشلت في حماية الأمن”. حقاً منطق “المستقبل”: “عنزة ولو طارت”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.