موقوف يحاول إقناع «العسكرية» بضرورة الجهاد مع «النّصرة»!

mahkama

صحيفة السفير اللبنانية:

من النادر جداً أن يمْثل موقوفٌ أمام هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة بجرم الإرهاب ويعيد ما قاله أثناء استجوابه الأوّلي، بل وأكثر منه.

بالأمس، كان محمّد ع. واحداً من هؤلاء. لم يكتفِ ابن الـ22 عاماً بتأكيده أنّه مقتنع بضرورة قتال النظام السوري و «حزب الله» في سوريا وأنّ «جبهة النّصرة» هي أفضل فصيل مسلّح، وإنّما ذهب أبعد من ذلك.

يريد محمّد أن يقنع رئيس «العسكريّة» العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم بصوابيّة أفعاله واعتقاداته، حتى تحوّل المشهد إلى سوريالي بكلّ ما للكلمة من معنى. صار الشاب يحاول أن يقلب الاستجواب إلى جلسة حواريّة ونقاشات عقائديّة!

الشاب اللبنانيّ مقتنع أن السيّد حسن نصرالله قال إنّه يريد محاربة السنّة في سوريا، تماماً كما أنّه مقتنع بضرورة الجهاد ويشجّع كلّ الفصائل التي تحارب النظام، وإن كان لا يحبّ «داعش».

وأكثر من ذلك، بدا محمّد في استجوابه الصريح وكأنّه مشروع جاهز لتنفيذ أي عمليّة تطلبها منه «النصرة»، أو على الأقلّ أن يتوجّه من الزنزانة إلى سوريا للقتال إلى جانبها كما كان سيفعل عندما تم القبض عليه في ميناء طرابلس منذ أشهر قليلة.

هذه كانت الملاحظة السريعة التي أبداها ابراهيم الذي عاد وسأل الموقوف: «إذا طلبت منك النصرة أن تنفّذ عملية في لبنان.. فهل تفعل؟».
فكّر الشاب اللبنانيّ ملياً. في البداية قال إنّه لا يهتمّ بالشأن اللبنانيّ وإن لبنان هو بلد الأمن والأمان، ما يهمّه هو الشعب السوري المظلوم. أعرب محمّد عن رفضه القيام بعمليّة افتراضية كهذه، قبل أن يقول: «بإذن الله لن أفعل».

بكلّ ما أتيح له من الكلام، دافع محمّد عن «النّصرة» وشرع بالدخول في تحليل وتحريم «العمليات الجهاديّة». وعندما سئل عمّا فعلت «النصرة» في لبنان وكيف ذبحت عسكريين من الجيش اللبنانيّ، أجاب الشاب ببرودة: «أنا لا أعرف هذه الأمور. لا تُدخلني في أشياء كبيرة وبالتفاصيل اللبنانيّة. في لبنان يصطفلو، أنا أريد الدّفاع عن الشعب السوريّ»!

هذا الأمر استدعى تدخّل وكيلة الدّفاع عنه. استُفزّت المحامية فاديا شديد من هذا المشهد وهي التي كان من المفترض منها أن تقف على قوس المحكمة لتدافع عن موكّلها، غير أنّها لم تقوَ على تصديق ما قاله.

وتوجّهت إليه بالقول: «والدك العسكري المتقاعد في الجيش اللبناني يبكي حرقةً ويريدكَ ن تعود إلى المنزل لكي يربطك بجنزير. إلى أين تريد الذّهاب؟ أنتَ موقوف وما زلت تدافع عن جبهة النصرة؟ اهتمّ بنفسك وبلدك، ويفترض عليك أن تعتذر من دولتك ومن المحكمة ومن أهلك بعد كلّ الذي قلته»، معربةً عن خجلها من الترافع والدّفاع عنه.

الأمر لم ينتهِ هنا. وإنّما حاول الشاب أن يقنع محاميته أيضاً بأفكاره. استوى في وقفته، وبدأ يشرح عن معاناة السوريين وأنّه لا يدافع عن «النصرة» بل «عن الشعب السوري».

كلّ شيء كان في هذه الجلسة غريباً. فابن القرية الجنوبيّة لم ينف أي تهمة سيقت ضدّه بل أكّدها، وإن حاول الإشارة إلى أنّه عدل عن فكرة الذهاب إلى سوريا والانضمام إلى «جبهة النصرة». وأنكر أيضاً أنه قال إنّه مستعدّ لتنفيذ عمليّة انتحاريّة في الجيش السوري أو اللبناني، مجيباً: «إن شاء الله لن أفعل!».

ربّما، لم يكن محمّد يريد لهذه الجلسة أن تنتهي، بل يريد الاستفاضة بما لديه من أفكار. ولكنّ العميد ابراهيم أكّد له أنه يريد استجوابه في الملفّ القضائي وليس في افكاره، «الملفّ قضائي ولا أريد نقاشات من خارجه».

وبعد استجواب المدّعى عليه الثاني في القضيّة عبد الرحمن د. الذي سلّم محمّد مبلغاً من المال ولبوساً شرعياً ليسلّمها في سوريا إلى المسؤول في «النصرة» اللبنانيّ سعد حافظة الملقّب بـ «أبو علي»، استمهلت النيابة العامّة للمرافعة وأرجئت الجلسة إلى 4 نيسان المقبل.

الحكم على كسحة والجغبير
وفي «العسكريّة» أيضاً، مثل زياد صالح المعروف بـ «زياد علوكي». هي المرة الأولى التي يُشاهد فيها الرّجل في المحكمة بعد التسجيل الصوتي الذي أعلن فيه الإضراب عن الطّعام إثر إخلاء سبيل ميشال سماحة.

وبرغم أنّ «علوكي» قد فكّ إضرابه عن الطّعام، إلا أنّ ملامح التّعب ما زالت بادية على وجهه. كالعادة، وقف الرّجل داخل قفص المحكمة وسند يده على قضبانها وإلى جانبه وقف: أحمد كسحة وعبد الله الجغبير ووائل العوض وعمر الديك ومحمود الحلاّق وعبد الله الصبّاغ وفيصل بيروتي ومدحت الأحدب. هؤلاء متهمون بمحاولة قتل عسكريين في 1 تموز 2013، مما أدى إلى إصابة عسكري في خوذته وآخر في ركبته.
كان من المفترض أن تبدأ مرافعات وكلاء الدّفاع، ولكن لدى العميد خليل ابراهيم ما يستوضحه من «علوكي»: «هل تعتبر أن هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة ظلمتك وفق ما قلت في التسجيل الصوتي من سجن رومية؟».

ارتبك قائد أحد محاور باب التبانة الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات تنتهي بعد حوالي الأربعة أشهر، ليؤكّد أنّه ليس مظلوماً، بل على العكس «أنصفتنا المحكمة العسكريّة وأنصفتَنا أنت تحديداً (العميد ابراهيم)»، مضيفاً: «نحن تحت القضاء ونحن سلّمنا أنفسنا للدوّلة».
بابتسامةٍ تكاد تظهر على طرف فاهه، قال «علوكي»: «العالم كلّها فوق (في رومية) مظلومة ونحن نقف معهم. نقف مع الأخوة السوريين»، زاعماً أن وسائل الإعلام «اجتزأت كلامي وقصّت منه».

وإذ نفى أن يكون أحد السياسيين قد طلب منه تعميم التسجيل الصوتي، أشار إلى أنّ «1200 موقوف كلفوني بالحديث باسمهم، غالبيتهم من الأخوة السوريين وغالبيتهم من المظلومين».

وقد ترافع عن «علوكي» وكيل الدّفاع عنه المحامي رشاد العلي الذي قال: «إن العبارة التي كان دائماً يكررها زياد هي أنني إذا كنتُ أنا من اعتدى على الجيش فلأحكم بالإعدام»، مذكراً بأن موكّله كان أوّل من وضع نفسه بتصرّف مديرية المخابرات في الجيش اللبناني.
كما ترافع كل من المحامين: فواز زكريّا عن الجغبير والحلاق، سامر درباس عن أحمد كسحة، عارف ضاهر عن عمر الديك، محمّد مصقلة عن وائل العوض وبيروتي، ورشاد العلي عن عبد الله الصباغ، وهادي المصري عن الأحدب.

وليلاً، حكمت «العسكريّة» على «علوكي» والجغبير وكسحة والعوض والديك والحلاق والأحدب بالسجن سنة واحدة، وعلى الصباغ بغرامة 300 ألف ليرة، وعلى بيروتي بالأشغال الشاقة لمدّة 3 سنوات، بالإضافة إلى الحكم على بلال وجلال الحجّة بالأشغال الشاقة لمدّة 15 سنة وتنفيذ مذكرة إلقاء القبض بحقّهما، وسقوط دعوى الحقّ العام بحقّ مصطفى النحيلي بسبب الوفاة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.